الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور يوسف عبد المسيح ثروة في إثراء النقد في المسرح العراقي

صباح هرمز الشاني

2010 / 1 / 30
الادب والفن


في الوقت الذي كان فيه المثقفون العراقيون من شعراء وقصاصين ومسرحيين للجيل الستيني، واقعين تحت تأثيرات الادب والفن الوافدين من الغرب، لقراءتهم لهما، تحت تسمية مصطلحات مختلفة، منها الطليعي او العبثي او اللامعقول، متمثلا بمسرحيات بيكيت ويونسكو واداموف، والوجودية بروايات ومسرحيات سارتر، واللامنتمي بروايات كولن ولسن، وتيار الوعي بروايات جيمس جويس ووليم فوكنر وفرجينا وولف. كان يوسف عبد المسيح ثروة يتناول أعمال هؤلاء العمالقة في دراسات عميقة ومستفيضة.
ولعل ما ساعده على ان يكون سباقاً في هذا المضمار، ويطرق ابواب النقد في المسرح العراقي لاحقا، ويدخله من اوسع أبوابه، هو إلمامه باللغة الانكليزية، وثقافته الواسعة بالاطلاع على مختلف الاتجاهات الادبية والفنية السائدة في العالم.
فهو أول من أبحر في عوالم كولن ولسن اللامنتمي المعقدة والغامضة، ليس من بين المثقفين العراقيين حسب، وأنما العرب كذلك، فدراسته العميقة والمتكونة من ثلاثين صفحة في هذا الموضوع، بتعويلها على على ستة مراجع من ترجماته، ابتدءاً من المرجع الثالث إلى الثامن، باستثناء المرجعين الاولين، بأعتبارهما يعتمدان على روايتين هما الأخوة كارامازوف لدوستفسكي واللامنتمي لكولن ولسن، دليل واضح على صحة ما اذهب اليه أن احداً من المثقفين العراقيين والعرب. لم يسبقه إلى كولن ولسن.
وفي موضوعه القيم هذا يركز على الصوفية ويقرنها بقصائد الشاعر الانكليزي الكبير وليام بليك وبطريقة تفكيره الشرقية، حيث صباحه (طيف براق) وليله (قبو كبير لا يضم غير الموتى) وذهنه سجين (في دائرة ضيقة) وقلبه غارق (في الهوة في كرة حمراء مستديرة، ساخنة، ملتهبة) وحق لهذا السجين المعذب روحاً وجسداً أن يقول بملء فمه. (من الافضل الا يولد الانسان وأن الموت خير من الحياة).
أما في دراسته الموسوعة (الطريق والحدود. . في المذاهب الأدبية والفنية التي يتطرق فيها إلى اربع مدارس، وهي الوجودية والسريالية، والواقعية الاشتراكية، والواقعية النقدية، فيعتمد على ستة واربعين مصدراً. وكل هذه المصادر لكتاب أجانب، وبشكل خاص لجورج لوكاش المعروف بكتاباته الماركسية، بالأضافة إلى مجموعة نقاد سوفيت. ويُعَرَّف ثروة السوريالية بالتعويل على معجم الفلسفي السوفيتي اذ يقول: انها اتجاه في الفن نشأ في فرنسا منذ بواكير العشرينات، وهي تعبير متميز عن أزمة المجتمع الرأسمالي، وتكمن جذورها الفلسفية في نظريات فرويد الذاتية التي تعد الفن وظيفة ونتاجا للجنس، وتبعا للسوريالية فأن مضمون الفن ينحصر في النوازع الجنسية وغرائز الخوف من الموت والحياة أيضاً.
ولم يكتف يوسف عبد المسيح ثروة بتعريف المثقف العراقي بمسرح اللامعقول فحسب، وأنما أرفده بأتجاهين يقفان بالضد من هذا الاتجاه تماماً، وهما المسرح الملحمي المعروف اقترانه باسم بريشت، والمسرح الواقعي الاشتراكي، في الاتحاد السوفيتي، وذلك في دراسته الموسومة (نماذج من المسرح العالمي) المتكونة من ثمان وثلاثين صفحة وثمانية وعشرين مصدراً أجنبياً.
ولعل اجمل ما فيها تعريفه لمسرح بيكيت، على الانسان مفصول بأسره عن مجتمعه وتاريخه من أمسه، ويومه،وغده، أنه كائن موجود افتراضاً، متبوت الصلات بالكائنات الحية الاخرى.
أما نظرية التغريب التي جاء بها بريشت في مسرحه الملحمي الداعية الى حفز ذهن المتلقي، بعكس نظرية ارسطو التطهيرية والتي تبعث على الملل والاسترخاء، فيعتقد يوسف عبد المسيح ثروة، انها ليست جديدة في أصولها ومصادرها، وتعود إلى استنباطات روسو وهيغل وماركس، وبخاصة الاخير، الذي أوضحها في العديد من كتبه ومؤداها: (ان الانسان ينسلخ في المجتمع الرأسمالي من انسانيته بأنسلاخه من شخصيتة. فالعامل المفروض فيه أن يملك أداة عمله، ينتزع منه رب العمل الرأسمالي ملكيته هذه، وأنتزاع الملكية هذه نوع من انواع التغريب، الذي يمثل في الانفصال بين المالك والمملوك، بين الذات والموضوع.
وكتب في المسرح العراقي ثلاث دراسات هي:
1- بعض القيم الفكرية في المسرح العراقي الراهن.
2- نموذج الشخصية المحورية في مسرحنا الراهن.
3- صورة المسرح العراقي – محاولة مسح عام .
ففي القسم الاول من دراسته يتعرض بالنقد لمسرحيتي المفتاح والخرابة للمؤلف يوسف العاني، ومسرحية البيت الجديد لنور الدين فارس، ومسرحية تموز يقرع الناقوس لعادل كاظم، والمسرحيات الأربع قدمت في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وهي مسرحيات لأفضل ثلاثة مؤلفين للمسرح العراقي، وكذا الحال بالنسبة لمخرجيها، والفرقة التي قامت بتقديم هذه الاعمال، وهي فرقة مسرح بغداد للفن الحديث، ومن المعروف ان المسرحيات الثلاث: تموز يقرع الناقوس، والمفتاح، والخرابة قام بإخراجها فنان واحد، هو الفنان سامي عبد الحميد.
في معرض حديثة عن الخرابة، يرى ثروة، انها حاولت ان تجعل الجمهور على وعي اصيل بما يجري أمامه عبر تاريخه الوطني والقومي والانساني، اما المفتاح، فيعتقد انها كانت اساساً للتغيير في المسرح العراقي، ومنطلقاً لحركة جديدة في أجواء هذا الفن عموماً، وتموز يقرع الناقوس قيمتان تطغيان على القيم الاخرى. هما نكران الذات، بمعنى الغراء والتضحية والايمان المطلق بمستقبل الانسان، وها هي ذي أرنيني تتكلم بصراحة عن التضحية فتقول: (ستنتهي التعاسة ياابنتي وسيكون شيء ما وراء هذه التعاسة، شيء ينبض بفورة في نفسي الآن، شيء يحاول أن ينصهر في الوجود كله ليخلق شيئاً ما.
وفي هذه الدراسة التي تتكون من خمس عشرة صفحة، يعتمد على أربعة مصادر لأديبين عالميين معروفين هما سارتر وكامو، وناقد مسرحي عالمي لا يقل شهرة عنهما، وهو مارتن اسلن المعروف بتبنيه لمسرح اللامعقول.
ويتناول جانباً من جوانب النصوص المسرحية العراقية، في دراسته الموسومه (الشخصية المحورية في المسرح العراقي) وهو البطل.
وينتقي من بين مجموعة كبيرة من الشخصيات المسرحية العراقية، شخصية دعبول البلام أنموذجاً لدراسته هذه، أذ ينعته بالطراز العراقي المتميز، وبالطيبة، وسرعة الغضب، وسرعة الرضا، ولطف المعشر، وبالاجتماعي، وحامل لهمومه وهموم الاخرين، وصادق مع نفسه ومع غيره، بغدادي صميم من أبناء شعبه، ولكنه لا يعرف كيف يجعل تلك الارادة فعلاً حياً ملموساً. الناس متحفزون، الاحزاب الوطنية تنشط، الجو متكهرب. في هذا الوضع تصطدم مصلحة دعبول في مسرحية (الشريعة) بمصلحة التقدم الحضاري، البلام أزاء سيارة الباص. البلامة بأجمعهم يواجهون مصلحة الركاب. هنا ينفجر الموقف.
وفي دراسته عن المسرح العراقي يتطرق إلى المحاور التالية:
1- واقعه المشخص
2- كتابه ومشكلات النص
3- عطاءاته المسرحية
4- جمهوره المسرحي
وأهم وأبرز دراسته، وأكثرها تشويقاً وفائدة، هي: (الشعر والمسرح – محاولة تعريف وتجذير).
تقع هذه الدراسة في حدود اربعين صفحة وتعتمد على خمسة وخمسين مصدراً أجنبياً، بأستثناء مصدرين فقط، لكونهما نصين مسرحيين، أولهما (مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور، وثانيهما (الطواسين) لحسين بن منصور الحلاج.
ويعرج فيها إلى الدراما أو الكوميديا ويقوم بأجراء وجه المقارنة بينهما، ثم ينتقل إلى المأساة والملهاة وينحو ذات المحنى. ثم ينتقل إلى مسرحيات لوركا ويقارن بين مسرحياته الشعرية ومسرحياته النثرية، والتأثير الرمزي الواضح في شعره، أي أن الشعر الدرامي لدى لوركا جزءاً لا يتجزأ من المسرح نفسه، فهو لم يكن مضافاً اليه من الخارج شيئاً غريباً عنه، أنما كان مسرحه نفسه شعراً. ولا ينسى بريشت في الاداة الشعرية الموظفة لفنه المسرحي، من اجل الاهداف الجمالية فحسب، بل من أجل التعبير الدقيق والصائب والمكثف عن مشكلات القرن العشرين الاساسية.
وفي معرض حديثه عن توظيف الشعر في المسرح العربي، يتخذ من صلاح عبد الصبور أنموذجاً لهذا التوجه، ويرى أن اسلوبه يتسم بالبساطة، كما أن في فتره التماعات ورؤى انسانية تصارع الزيف بكشفه وتبديده، انه يندمج لأبطاله اندماجاً تاماً، وقد استطاع شعره بما يعتوره من حسن الحبكة وسلامة التناول وشفافية المعنى ووضوح الرؤيا أن ينقل الينا صفحة مشرقة من تاريخ الفكر الحر، متمثلاً برجولة الحجاج وروحه الجهادية الالقة.

ملاحظة
في رحيل الناقد المسرحي الكبير يوسف عبد المسيح
ثروة، نشرت مقالاً عن سيرة حياته وكتاباته النقدية في صحيفة المؤتمر،
وحاولت الرجوع اليه للاستفادة منه في هذه الحلقة،
الا انني للاسف لم اعثر عليه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان