الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آناهيتا.. رسالة المطر للعشاق

مسعود عكو

2010 / 1 / 30
الادب والفن


طأطأ رأسه من عبارتها القاسية كأسواط انهالت على كتفيه، أدار ظهره إليها وباتجاه الباب مشى، توقف هنيهة ثم أكمل طريقه. وهو يسير بدون وجهة عاد بحكايته معها كشريط سينمائي لحظة بلحظة، أخرج من جيبيه سيجارة غولواز حمراء، وحاول أن يشعلها لكن ما فلحت القداحة التي كانت بحوزته، رماها بعيداً وطلب من يافع كان يسير بعكس اتجاهه، شعلة نار. الشاب أشعل سيجارته بنفسه، رفع له يده وكأنه شكره بطريقة ما.

سار باتجاه الحانة الوحيدة القريبة من الشارع العام، المطر كان يرسل زخاته كشاعر يقرأ قصيدته كلمة كلمة، قطرات المطر كانت تحاول التطفل على دخان سيجارته، لكن ما كانت تنفع، دخنها بشراهة وكأنه ينتقم ويصارع أحداً ما، ما بالك إنها سيجارة وليست شيءً أخر.

الدخان يملئ المكان وأصوات متفرقة، كانت أغنية أم كلثوم "فكروني" تمتزج من طرقات الكؤوس وقهقهات بعض السكارى الذين تجمع البعض منهم بجوار البار، طلب زجاجة من بيرة الشرق، وبدأ يتناول بعض حبات الفستق التي وضعت أمامه. سيجارة مرة أخرى، ولكن لا نار، كانت قداحة الساقي لبت سريعة نداء الاحتراق الذي صرخت به السيجارة لتحترق بين أصبعيه.

أحببتك بكل ما لدي من حب، لقد قرأت لك كل قصائدي ولم اكتف بما كان موجوداً لدي، بل لجأت إلى كل أشعار الحب التي قيلت في العشق والعشاق، حفظتها عن ظهر غيب كي أنعم بلحظة غرام معك، وإن ابتعدت عن عيني ولو قليلاً، أسترجع وجهك في مخيلتي كي لا تفتني لحظة العشق معك، لكن لماذا فعلت بي ذلك؟

كلامه هذا بصوت عالٍ التفتت إليه فتاة كانت ترتكي إلى طرف البار، اقتربت وطلبت سيجارة منه، أعطاها وطلبت الشعلة، فرد بأنه لا يملك، وأدار سيجارته لها، وقال أشعليها بسيجارتي إن أردت. نفخت في وجهه بدخان سيجارتها، وقالت لا تيأس ستجد من هي أجمل منها وتستحق عشقك، إن النساء لا يحبن الرجال الذي يحبنهن.

أنزل الزجاجة بعدما أفرغ محتواها في جوفه، نظر إليها، هز رأسه وقال في نفسه، لم أسكر بعد، من هذه الجميلة التي تشرب الخمر في بار مليء بالرجال. حقاً كانت ملفتة للنظر، الكثير من كان في البار استغربوا من اقترابها منه وبدأت بالحديث معه، بالرغم من أن الكثيرين تمنوا ولو نظرة منها، جميلة هذه السيدة، شعرها أسود كشلال الليل المتساقط من السماء، وعيناها كانتا كذلك. كانت ابتسامة حزينة ترتسم على شفتيها.

أحببتها بكل جوارحي، كانت قصائدي تحكي قصتنا معاً، لم أكتب إلا لها، وتأتي في نهاية الأمر ترد علي بكل برودة، كان حبي لك نزوة، فأنت لست الشخص المناسب لي، سأبحث عن شريك أخر، وأنت عليك أن تجد من تستحقك أفضل مني. كتبت لي نعوتي بهذه الكلمات، لماذا الأن؟ بعد كل هذه السنوات من الحب والغرام.

نعم عليك أن تجد من هي أفضل منها لك، ردت عليه، وطلبت كأساً من النبيذ الأحمر، وتابعت، أحببت مثلك، وحبيبي قال لي الكثير عن الحب والعشق والجمال وغيرها من كلمات الغزل، أخذ نزوته مني ومن ثم أدار ظهره وابتعد، لا أعرف حتى اسمه الحقيقي، صار وهماً، حتى اسمه بات وهماً. والأن أنا هنا أسكر معك.

أحلامي تتآكل، وآلامي تزداداً التهاباً كما جرح لا يندمل، أحاول أن أنسى نفسي لا هو، أتمنى لو أفتح عيني ذات صباح وأرى نفسي قد فقدت ذاكرتي، لو كان بيدي لحذفت معلومات دماغي كما الكومبيوتر، وأنت كذلك، إنك تكتب الشعر، وإحساسك بالحب يبدأ من قلبك، وهو معك دائماً، لا تعر اهتماماً لأي أنثى حطمت قلبك، حقيقة الأمر هي من تحطمت وليس قلبك، ما زال قلبك ينبض بالعشق، وستكتب قصائد أخرى وكثيرة.

دفع ما بحوزته ثمناً لزجاجتي البيرة التي شربها في البار، كانت بوابة البار تتمايل أمام عينيه، إلا أنه أدرك تماماً ما كانت تقوله تلك السيدة، السيدة التي لا يعرف عنها سوى وجهها، وربما سينساه عندما يفق من سكره، المطر كان يعزف موسيقى جميلة تلك الليلة، لم يشعر بالبرد بالرغم من أن المطر قد بل ثيابه وشعره، سار باتجاه منزله، وقرر أن ينسى كل شيء، حتى قصائده قرر أن يحرقها، وسيكتب من جديد قصائد سيهديها لسيدة البار التي انتشلت روحه من غياهب بحر الضياع الذي غرق فيه. سيكتب هذه المرة قصيدة عن المطر والعشق، نظر إلى آناهيتا، اللوحة المعلقة على جدار في غرفته، وأخذ قلمه وبدأ بكتابة قصيدته الجديدة، آناهيتا رسالة المطر للعشاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات