الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم أن كرهت الأرجوحة(من سيرتي الذاتية)

سما حسن

2010 / 1 / 31
الادب والفن


كان جارنا الفقير كثير العيال يقيم أرجوحة خشبية أمام بيته الصغير، كانت الأرجوحة من الخشب، ولها حبال قوية وغليظة ومتينة من اللوف الخشن الذي يؤذي اليدين، ولكنني كنت مولعة بركوب الأرجوحة، وكنت أنفق كل ما أحصل عليه من مال من أمي وابي من أجل ركوب الأرجوحة، حتى أصبحت " الزبونة" المستديمة لدى صاحب الأرجوحة الذي عهد بمسئولية " حساباتها وادارتها " لابنه الصغير والذي كان يكبرني بأعوام قليلة.

لم ألتفت في خضم لهفتي على ركوب الأرجوحة إلى تبدل القائمين على الخدمة، ولكنني كنت أتوق فقط إلى وضع قدمي على القاعدة الخشبية لها، وأن أحرك قدمي الصغيرين روحة وجيئة في ثبات وسرعة من أجل أن تتحرك، وأبحث بعيني عن صاحب الأرجوحة لأستحثه كي يدفعني دفعة قوية أطير بها نحو ………. أحلامي

نعم كانت الأرجوحة بالنسبة لي هي سفينة الزمن التي تأخذني عن كل ماحولي، حين تحلق بي عاليا وأعانق بصفحة وجهي البيضاء لون السماء الأزرق، كنت أشعر بالسماء تربت على وجنتي، وكنت أسمع أصواتا تناديني وتستحثني وتكلمني، وكنت أرى ما لا يراه البشر، خاصة حين تتوسط الشمس كبد السماء فتلك كانت هي اللحظة التي أحلم بها حين أرى الشمس كبيرة متوهجة، وحولها السماء وتحتها مباشرة يطير رأسي الصغير في رحلة لا تستغرق سوى ثانية من الوقت، ولكنني كنت أتمنى لو تطول الرحلة، وكت أتمنى لو مددت يدي وتعلقت بالشمس التي ستأخذني لعالم جديد، وكنت أحلم وأحلم حتى تحولت علاقتي بالشمس والسماء لموعد غرامي كل يوم، في عز الظهيرة حين يخلو شارعنا في صيف غزة القائظ، وحين تعد أمي وجبة الغداء ويتحلق حولها اخوتي، انسل من بينهم كقطة تبحث عن مكان لقضاء حاجتها، واتسلل إلى الأرجوحة، فأدس في كف صاحبها القطعة المعدنية الصغيرة، وأطير نحو عالمي…..

أصبحت أفقد وجبة غدائي كل يوم من أجل موعدي مع الشمس والسماء، وأعود إلى البيت، وقد تناولت عائلتي الوجبة الرئيسية، وتركوني دون طعام عقابا لي، ولكنني كنت انزوي في غرفتي الهث من فرط الانفعال، واستعيد في وحدتي كل ما رأيته في السماء في رحلتي القصيرة………

ولم أنتبه إلى تبدل المسؤول عن الأرجوحة، وأناأعود كل يوم في نفس الوقت، ووجنتاي تتضرجان بالحمرة القانية، وشعري يتناثر حول وجهي المستدير، وتتلوث ساقاي بالرمال الجافة، ولكنني كنت أفكر فقط باحلامي وخيالاتي وموعدي الغرامي…

كانت أمي تلبسني فساتين قصيرة ترتفع عن ركبتي بمسافة كبيرة، لدرجة أنني حين انحني يظهر فخذاي البضان المكتنزان بوضوح، ولكن هذه كانت الموضة الدارجة في أواخر السبعينات، ولم أنتبه إلى أن المسئول عن الأرجوحة كان يدعو أصدقاءه كل يوم ممن هم في سنه وأكبر وأصغر ليتحلقون حول الأرجوحة، وينظرون لأعلى وتحديدا وتركيزا للفستان حين أطير، وتتوجه كل العيون المحملقة الجائعة إلى ماتحت فستاني الصغير,,,,,,

كنت ارى اللهفة والاستعداد حين اقبل من بعيد، وأن الفتى المسؤول عن الأرجوحة أصبح يطيل لي المدة المقررة، والتي كانت تنتهي سريعا مقابل قروشي القليلة، ولكنني لم أفكر بالسبب، وربما فكرت للحظة، وعزوت ذلك لقلة المرتادين في ذلك الوقت، خاصة أن كل جيراننا من الطبقة الفقيرة، وكنا نحن العائلة الثرية في المنطقة……..

مرت الأيام كثيرة في العطلة الصيفية، وأنا أزور أرجوحتي، وأطير مع أحلامي،اتنازل عن وجبة الغداء، ويقرصني الجوع، وفي كل مرة أطير اجد عالما جديدا يرسمه خيالي، حتى كان اليوم الذي سمعت كلمة نابية وأنا أطير…….

سمعت من يصف فخذيّ المكتنزين في وصف قبيح بذيء، وفي تلذذ لا يخلو من نهم……

صحت وأنا أحلق عاليا بالمسئول عن الأرجوحة أن يوقفها...الدموع اندفعت من كل مكان في وجهي……..

احتقن وجهي أكثر وأكثر بحمرة الغضب والخجل وكل المسميات التي يمكن أن تطلق على موقفي، عدا السعادة التي كنت أشعرها وأناأحلق…….

وجدت الجمع الغفير من أبناء الحي المتحلق والمفتوح العيون أسفل قدمي حين نزلت عن الأرجوحة….

شعرت كم أنا غبية

وكم كنت عرضا مثيرا ومغريا وأنا منطلقة ببراءة نحو احلامي

وسعادتي الوهمية……..

اطلقت سبابا خافتا مخنوقا بالدموع،وهرعت للبيت وبكيت كما لم ابكي

ومن يومها لم أعد للأرجوحة ولم أرد على سؤال أمي: لماذا أصبحت أول من يجلس علىمائدة الغداء؟

تعلمت الكثير من هذا الدرس...

اول ماتعلمته انه من السهل أن تحلم ولكن من الصعب ان يدعك من حولك تواصل الحلم……..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا