الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقدان البوصلة الايرانية يربك حركات الاسلام السياسي الشيعي

جهاد الرنتيسي

2010 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


مثلما جرت العادة ، في التعاطي مع ازمات المنطقة ، يتسع اطار الجدل ، حول اسباب وتداعيات قرارات هيئة المساءلة والعدالة العراقية ، لكل التناقضات الطافية على السطح ، ويضيق حين يقترب من العلة الحقيقية .

فقد بقيت السجالات الدائرة ، بين الاطراف المهددة بالخروج من العملية السياسية ، والاطراف المستميتة دفاعا عن مكتسبات حصلت عليها ، في غفلة من الزمن ، تتمحور حول قانونية الهيئة، وظروف تشكيلها ، والقائمين عليها ، واثبات تحولها الى اداة ايرانية ،لابتزاز الولايات المتحدة ، مع تسارع تفاقم ازمة الملف النووي الايراني ، والخلل الذي يمكن ان يلحقه ابعاد ممثلي شرائح اجتماعية وسياسية واسعة،عن مراكز صنع القرار،في عراق ما بعد الاحتلال،وجدوى التحرك الاميركي السريع لانقاذ ما يمكن انقاذه من عملية انتخابية تحيط الشبهات بنزاهتها .

ولم يأخذ الحديث ، منحى اكتشاف خلل مفارقة التفكير والتحليل ، للتجريد المطلوب في مثل هذه الحالات .

ففي لعبة عض الاصابع التي لم تتوقف بين تيارين يتم توصيف تضادهما بالعروبي ـ الايراني مرة ، والديني ـ العلماني مرة اخرى مغريات لمتابعة المجريات دون البحث في التفاصيل .

وقد تتوفر مبررات لمثل هذه القراءات ، التي تمليها الرغبة في مواكبة احداث متسارعة ، ويسهل توظيفها سياسيا ، الا انها تبقى في اطار الاستخدام الاستهلاكي ، الذي يغلب عليه الطابع الآني للاحداث .

لكن للاكتفاء بمثل هذه القراءات ـ رغم استخداماتها الانية بين التيارات المتصارعة ـ بعده التضليلي على المدى البعيد .

فالضجيج الذي تحدثه سرعة التطورات الداخلية في العراق ، وامتداداتها الخارجية ، ومحاولات اللحاق بها ، يكفي لتغييب مؤثرات حقيقية في حركة الاحداث ، قد يكون حضورها مجديا لاضاءة بعض جوانب المشهد .

بين هذه الجوانب ما يتعلق بمؤثرات صراع الاجنحة الايراني على المعادلة الداخلية العراقية .

فالواضح من خلال تراكمات ما حدث في ايران ، منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة ، ان طهران التائهة بين اكثر من اتجاه ، وصلت الى مرحلة غير مسبوقة ، من العجز عن تزويد حلفائها في العراق ، برؤية موحدة ، قادرة على توفير الحد الادنى من التماسك المطلوب للاحتفاظ بما تم اختطافه من مكاسب ، خلال السنوات الخمس الماضية، او تحقيق انتصارات جديدة على الخصوم ، سواء ظهروا بصورة النقيض العروبي او العلماني .

بعض هذا الخلل يكشفه الخروج المفاجئ لخلاف الصدر ـ الحكيم عن رتابته التي اعتادت عليها القوى السياسية العراقية .

فقد جاء تصعيد مقتضى الصدر ضد شركائه في زعامة ظاهرة الاسلام السياسي الشيعي في العراق ، على ارضية اختلاف وجهات النظر ، حول مقاومة قوات الاحتلال الاميركي للبلاد ، التي يؤيدها زعيم التيار الصدري ، ويعارضها قادة المجلس الاسلامي الاعلى .

وفي حال الانسياق ، وراء رغبة تتبع خيوط خلاف التيارين ، حول هذه المسألة الحيوية ، لا بد من تجاوز الجغرافيا العراقية ، وربما مفاهيم العصر ، وصولا الى المرجعيات الدينية والسياسية الايرانية ، المترنحة بين قداسة التاريخ وبراغماتية السياسة .

فالمسافة الفاصلة بين براغماتية السياسة ، وقداسة الفكرة ، تتفاوت لدى الملالي المراجع في ايران ، لتنعكس على الملالي الاتباع ، وبالتالي تختلف الرؤية لكيفية التعاطي مع الاحتلال الاميركي .

وتبدو الامور اكثر وضوحا اذا تم التوقف عند السياقات التي جاء فيها تصعيد الصدريين ضد المجلسيين .

فقد جاءت التصريحات الصقورية لمقتضى الصدر ردا على تصريحات حمائمية لعمار الحكيم تتناول اعمال العنف التي تستهدف القوات الاميركية بانتقادات خجولة بعض الشئ .

بعض الغموض الذي يكتنف اثار ازمات ملالي ايران ، على حلفائهم في العراق ، وبقية بؤر التوتر الاقليمية ، المستخدمة ساحات مواجهة مع المجتمع الدولي ، تكشفه الظروف التي جاءت فيها اقوال عمار الحكيم ، والتي اخرجت مقتضى الصدر ، عن اطوار الخلاف الهادئ بين دفتي قيادة تيار الاسلام السياسي الشيعي في العراق .

فالتصريحات التي جاءت فيها عبارات زعيم المجلس الاسلامي الاعلى اعقبت لقاء عتب مع ـ اقرب حلفاء الحليف الايراني ـ زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله في بيروت .

والواضح من التصريحات ان لقاء العتب بين الحكيم ونصرالله تركز حول خروج الاخير عن حياده حول اعمال العنف التي تتعرض لها القوات الاميركية في العراق واشادته بالمقاومة الامر الذي يعد ابتعادا عن المجلس الاعلى واقترابا من التيار الصدري .

الا ان بواعث خروج نصر الله عن حياده لا تعود لحسابات عراقية بقدر ما تتعلق بالوضع الداخلي اللبناني والتطورات المحتملة على جبهة الجنوب الهادئة منذ حرب تموز.

فقد ترافق الخروج الخجول الذي احرج زعيم المجلس الاعلى ـ وهو يقف على اعتاب انتخابات نيابية ستحدد مستقبل العراق السياسي خلال السنوات الاربع المقبلة ـ مع توقعات بحرب اسرائيلية جديدة على جنوب لبنان .

ومن شان اي تصعيد اسرئيلي ان يؤدي الى مضاعفات حادة على الهدوء الداخلي اللبناني الهش الذي اعقب تفاعلات اقليمية كان لمقتضيات السياسة السعودية والسورية الدور الابرز فيها .

الا ان الحسابات المحلية لحزب الله اللبناني ، وزعامة الاسلام السياسي الشيعي في العراق ـ رغم اهميتها في التكتيك السياسي ـ لا تقلل من مسؤولية طهران عن صراعات حلفائها .

فالمقاومة العراقية في الفهم السياسي الايراني لا تتجاوز الاداة التي يمكن استخدامها حين تتفاقم ازمة الملف النووي مع المجتمع الدولي .

وعلى ارضية هذا الفهم يبني صانع السياسة الايراني علاقاته مع الجماعات المسلحة في العراق ، مع مراعات تناقضات هذه الجماعات ، والاستفادة من تضارب رؤاها في توسيع نفوذه .

فالعداء المذهبي مع تنظيم القاعدة لم يحل دون ظهور مؤشرات تفيد بوجود علاقات معه .

واذا صحت المؤشرات المتراكمة ـ بدء من الاسلحة الايرانية التي يتم اكتشافها بين الحين والاخر في الاراضي العراقية ومرورا بوجود افراد من عائلة زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في طهران ـ لا يوجد فيتو ايراني على اقامة علاقات مع هذا التنظيم الذي تستهدف عملياته الاحياء والتجمعات الشيعية في نفس الوقت الذي يرتبط فيه ملالي ايران بعلاقات مع تيارات الاسلام السياسي الشيعي التي تستهدف اجنحتها العسكرية احياء سنية في مناطق مختلفة من العراق .

سياسة الفهلوة والتذاكي ، التي تتبعها طهران في تكتيكاتها لا تخلو من ارتدادات عكسية ، وان مكنتها من توسيع نفوذها في بؤر التوتر ، ومن بينها العراق ولبنان وفلسطين.

فالشكوك التي تثيرها هذه التكتيكات لدى القوى الحليفة ، وتضارب تكتيكات المركز مع السياسات المحلية التي يتبعها وكلاء بؤر التوتر ، يبقي الابواب مفتوحة امام اتساع تباين وجهات النظر وربما تضارب المصالح على المدى المتوسط .

وزوبعة الحكيم ـ الصدر التي اثارها اختلاف المواقف تجاه خروج نصرالله عن نصه التوفيقي ليست المؤشر الوحيد على مأزق طهران في تعاطيها مع اذرعها في بؤر التوتر .

فقد عجزت طهران من قبل عن توحيد حلفائها لخوض الانتخابات النيابية المقبلة في العراق ، مما اضطرها الى اللجوء لتوجيه ضربات سياسية مباشرة ، للقوى العلمانية والعروبية ـ التي استفادت من اخفاقات حكم القوى الطائفية المتمثلة في عجز حكومة نوري المالكي ، عن بسط الامن ، وايجاد الارضية المناسبة للمصالحة الوطنية ـ باصدار قرارات تقصيها عن المشاركة بقوة وفاعلية في الانتخابات.

كما وجد الحليف الفلسطيني الابرز حركة حماس نفسه غارقا في اوحال عداء السياسة الايرانية للمحيط العربي ، مما اضطر رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل الى الطواف على العواصم العربية ، لينفي عن حركته شبهات التنصل من عروبتها وفلسطينيتها .

وفي لبنان لم يخرج الامر عن اطاره التقليدي ، حيث اضطرت طهران لاستخدام قوى هامشية فلسطينية ، بقيت تراوح على الدوام تحت الطلب والاستخدام الايرانيين ، لتعويم ازمة حليفها الاستراتيجي المرشحة للتفاقم .

لكن تفاصيل المأزق الايراني واذرعه في المنطقة ، التي بدأت مؤشراتها تطفو على السطح ، لا تقلل من حدة وخطورة المنعطف العراقي ، في حال اقصاء ممثلي التيار العروبي والعلماني ، عن الانتخابات النيابية المقبلة ، وتحويلها الى نسخة مشوهة للمشهد السياسي الايراني الداخلي الغارق في عجزه عن التعامل مع مشكلة الاختلاف والتنوع بابعادها السياسية والمذهبية والعرقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سياسة معروفة
كنعان ( 2010 / 2 / 1 - 01:17 )
أؤيد الكاتب واقول اه من الواضح لجميع المراقبين ان سياسة الملالى فى ايران تستخدم مبدأى الغاية تبرر الوسيلة واكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس او استمر فى نفى التقارير التى تدينك وهذه كلها اساليب غير اخلاقية تدينها شرائع كافة الاديان المعروفة على سطح الارض هذه الانظمة السياسية التى تتخذ من الدين غطاءأ لممارساتها القذرة مصيرها مزبلة التاريخ وهاهى اوروبا قد سبقتنا بنفس الطريق ووصلت قبلنا باستخدام العقل والاخلاق الى التمدن والتحضر والعتب يقع على قادة شعوبنا اللذين لم يكافحوا الدجل والتخلف بطريقة فعالة وكل الاديان تدعو فى ادبياتها الى التعلم والتنور
اتمنى للكاتب كل التوفيق

اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟