الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذهب الزرزور إلى الغراب…-

أوري أفنيري

2004 / 7 / 2
القضية الفلسطينية


زانية عجوز ومهترءة، تنتظر رجلا يطلب خدماتها دون جدوى، هي مشهد يثير الشفقة. حزب العمل يعاني من مثل هذه الحالة السفيهة، غير أن من الصعب أن نشفق عليه.

منذ شهرين ينتظر حزب العمل بجانب باب حكومة شارون الموصد، آملا أن يدعى ليدخل في أية لحظة. بين الفينة والأخرى يفتح الباب وينظر إليه شارون نظرة ازدراء ويطرق الباب في وجهه. لقد حدث ذلك هذا الأسبوع مرة أخرى.

جرت العادة على اتهام شمعون بيرس بهذا الوضع. هذا صحيح بالطبع. بيرس يطوق إلى منصب وزير الخارجية كشخص يتوق للماء في قلب الصحراء. لقد كان بإمكانه، كعضو في الحكومة، الالتقاء بالملوك والرؤساء، المشاركة في المؤتمرات، التصريح بتصريحات رنانة والقيام بكل ما يضفي معنى على حياته. إنه يعتبر الحياة في المعارضة ليست حياة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا اختير هذا الرجل لتولي منصب الرئيس الفعلي لحزب العمل؟ فكل منتخبيه يعرفون ما هي وجهته، بعد أن كان قد تقلد منصب وزير الخارجية في حكومة أريئيل شارون السابقة. في ذلك الوقت أقنع العالم بأن شارون ليس شارون، وأن النمر قد قلب جلده المرقط كإحدى النعاج في مزرعته.

بكونه رئيس أكبر كتلة برلمانية خارج الائتلاف الحكومي، يتقلد بيرس لقب "رئيس المعارضة". ليس هناك أي لقب يناسبه أقل من هذا اللقب. ففي الوقت الذي جلس فيه مناحم بيغن في المعارضة وقضى فيها 29 سنة مثمرة، ذبل بيرس في المعارضة مثله مثل زهرة بلا ماء. بيرس لا يعرف ماذا عليه أن يفعل هناك. من الممكن أن يقدموا له فكرة معارضة على طبق من ذهب، ولكنه لن يعرف ماذا سيفعل بها.

منذ بداية مسيرته كمرشد في حركة "الشبيبة العاملة" كان بيرس رجل سلطة. بكونه مساعد بن غوريون، مدير عام وزارة الدفاع، وزير ورئيس حكومة – كان يتعاطف مع السلطة ويعمل من أجلها ويمثلها. حين أجبره بن غوريون على الاستقالة من مباي والمشاركة بإقامة حزب رافي، الذي بقي في المعارضة، كان مسكينا واستغل أول فرصة سنحت له للعودة إلى الحزب الحاكم. حين خسر الانتخابات وبقي في المعارضة، انتظر أول فرصة لإقامة حكومة ائتلاف وطني.

من هذه الناحية بالذات يعبر بيرس عن حزبه. منذ ارتقاء هذا الحزب السلطة في الهستدروت الصهيونية عام 1933 وحتى انقلاب عام 1977، كان هذا الحزب هو الحزب السلطوي بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لقد فاجأ الجميع الانتصار الذي أحرزه الليكود في الانتخابات، حتى أن أحدا لم يكن ليصدق، حتى اللحظة الأخيرة، أن حزب العمل يمكن أن يكون خارج السلطة أصلا.

لم يكن من الممكن أن تكون عضو كنيست في ذلك الوقت دون أن تشفق على أعضاء حزب العمل، الذين حلت بهم الكارثة. كانوا يتجولون في أروقة الكنيست كأشباح. حين كانوا يصعدون إلى المنصة لإلقاء خطاب حول موضوع ما، تحدثوا، كما جرت العادة لديهم، كرجال سلطة، وبالكاد كانوا يتذكرون أنه كان يتحتم عليهم أن يكونوا ضد هذه السلطة.

من غير الممكن أن نجد، في السنة الأخيرة أيضا، أية إشارة لوجود حزب العمل في المعارضة. صحيح أنها تقدم اقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة، وهي مناورة أسبوعية فارغة من المضمون، لا ينظر إليها أي شخص في الكنيست أو في الجمهور بجدية.

إلا أن حزب العمل لا يناضل ضد الحكومة في أي موضوع من المواضيع. إنه يتعاطف مع السياسة الاقتصادية التاتشرية التي ينتهجها بنيامين نتنياهو، والتي تمس بالطبقات الضعيفة (التي تنتخب الليكود بالذات) وتخدم الطبقة المتمكنة اقتصاديا (التابعة لحزب العمل). لا يمكن لحزب العمل محاربة المستوطنات، لأن شمعون بيرس هو الذي أقام، في حينه، مستوطنة كدوميم، وهي أول مستوطنة في قلب الضفة الغربية. الجدار الفاصل الذي يعزل الفلسطينيين في جيتوهات، اخترعه حزب العمل، وما فعل شارون ما كان سوى تغيير مسار هذا الجدار وفقا لاحتياجاته. إن من اخترع أهزوجة "لا شريك للسلام" كانوا زعماء حزب العمل، إيهود براك وشلومو بن عامي. إن من اخترع ضم "الكتل الاستيطانية" كان يوسي بيلن الذي كان في ذلك الحين من زعماء حزب العمل.

التقارب بين شمعون بيرس وأريئيل شارون ليس محض صدفة. وكما قال النبي عمواس (ج 3): "هل يتوافق اثنان معا ما لم يكونا على موعد؟" لقد جاءا من نفس المكان: بلاط دافيد بن غوريون. كلاهما يعتبران نفسه كمكمل لطريق "العجوز". كلاهما يطرحان أشكالا مختلفة من نفس الأيديولوجية. وكما يقال، "لم يذهب الزرزور إلى الغراب دون سبب، بل ذهب لأنه من نفس جنسه".

إن الاسم "حزب العمل" لا أساس له من الصحة فهذا ليس "حزبا" وليس له أي علاقة "بالعمل". إنه يفتقر إلى الجذور في أربعة من العناصر الخمسة للمجتمع الإسرائيلي: المتدينين، الشرقيين، القادمين الروس الجدد والعرب. إن ما يقتصر عليه هو العنصر الخامس - الشكناز القدامى، وخاصة المسنين منهم. هذا هو جمهور مقتدر اقتصاديا ومدلل، يتمتع بالوضع القائم؛ جمهور لا يقضّ مضجعه شيئا ولا يتوق إلى التعامل مع الشؤون الحزبية.

وبالفعل، فإن هذا الهيكل الحزبي مدمر، بدون أي فروع محلية. هناك مجموعات صغيرة من الوصوليين فقط. والأنكى من ذلك: ليست هناك أي بوادر لنشوء زعامة جديدة، بتفكير جديد، بعد أن وصلت المفاهيم القديمة إلى طريق مسدود. هناك مجموعة من السياسيين منهوكي القوى، الذين يهتم كل منهم بنفسه فقط، وكل ما يتمناه هو بعض اللحظات على شاشة التلفزيون ليكرر فيها شعارات أكل الدهر عليها وشرب. أما رد فعل الجمهور فهو التثاؤب. هؤلاء الوصوليون اختاروا بيرس لأنهم غير قادرين على التوصل إلى اتفاق فيما بينهم حول مرشح. هذه ليست أوركسترا سمفونية، بل مجموعة من عازفي الشوارع التي يعزف كل منهم فيها لحنه الخاص.

لم يكن كل هذا مهما لو لم يكن له تأثير بعيد المدى. إن اختفاء المعارضة الحقيقية يترك بؤرة سوداء على الحلبة السياسية ليخلي المسرح لشارون وزمرته. حزب ميرتس الصغير، الذي أصبح يدعى الآن "ياحد"، لا يشكل معارضة ناجعة وذلك ليس بسبب حجمه فحسب، بل لأنه قد التصقت به الكثير من آفات حزب العمل. ناهيك عن أن هذا الحزب لا يأخذ قسطا في النضال الميداني اليومي، فهو لا يتصدى لذلك الجدار الوحشي. وفضيحة رشوة رئيس الحكومة، التي كان من شأن أي حزب معارض حقيقي أن ينهشها بأسنانه، لم تحظ بأي رد فعل حقيقي من قبل "ياحد". حزب العمل يلتزم الصمت، بطبيعة الحال.

الأحزاب التي تمثل المواطنين العرب أكثر نشاطا بكثير، غير أن أغلبية الجمهور اليهودي يتجاهلها، كما يتجاهل الجمهور العربي برمته.

هذا وضع يحمل في طياته كارثة. إنه يزرع اليأس في الجمهور الذي يتوق إلى التغيير، إلا أنه لا يرى بديلا سلطويا. هذا الوضع هو الذي يؤدي إلى نتائج استطلاعات الرأي الغريبة: أغلبية الجمهور مستعد لدفع ثمن السلام، وأغلبية الجمهور يصوّت لصالح شارون.

لا يمكن تغيير السلطة دون تغيير المعارضة. ويمكن لمعارضة جديدة أن تثير الجمهور إذا كان جدول أعمالها مخالفا تماما ومتعارضا تماما مع جدول أعمال السلطة فقط. يحتاج هذا الأمر إلى الشجاعة، الإيمان والروح القتالية. وبانعدام وجود مثل هذه المعارضة داخل حزب العمل أو بدلا عنه، لا احتمال لحدوث تغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب