الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب المهزومة من الداخل وانتصاراتها الزائفة

محمود عبد الرحيم

2010 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ليس غريبا ان يذهب نجلا الرئيس مبارك الى انجولا لحضورمباراة نهائي كأس الامم الافريقية، أو أن يتوجه رئيس الجمهورية بنفسه مع اركان نظامه الى المطار لاستقبال اللاعبين،كما لو كانوا جنودا منتصرين عادوا للتو من حرب الاستقلال أو تحرير القدس، أو علماء صعدوا القمر، وصنعوا القنبلة النووية ،وليس غريبا كذلك ان يكرس الاعلام السلطوي نفسه لهذه الحملة الدعائية ،وان يصبغ عليها صفات البطولة والانتصار والانجاز التاريخي.
فهؤلاء مستفيدون مباشرة من مثل هذه التضخيم لحدث لن يقدم ولن يؤخر، ولن يضيف أي شئ لرصيد مصر السياسي او الثقافي او حتى الاقتصادي.. مستفيدون مباشرة من حالة الالهاء المتعمد للجماهير، وتبديد طاقاتها ،والتنفيس عما في داخلها من كبت ، وصرف انظارها بعيدا عن همومها الحقيقية وقضاياها الملحة ، واستحقاقات التغيير التى يهال عليها التراب ، وحالة الفساد المستشري، والانهاك المنظم للوطن والمواطن المصري، وضياع الاستقلال والمكانة.
لكن ماذا عن الغالبية التى لا مصلحة لها من قريب أو بعيد من وراء هذه الضجة ،وهذه المعارك المصطنعة والنصر الزائف؟! أليس من العبث أن يخرج الالآف من ابناء الشعب الى الشارع من اجل كرة قدم ،ولا يخرجون من اجل حقوقهم المنتهكة
معيشيا وامنيا .. ان يسهروا حتى الصباح في الشوارع يصيحون ويهللون من اجل فوز في مباراة ،ولا يتظاهرون من اجل تغيير اوضاع يعترف القاصي والداني بانها مزرية ، ونظام يقود مصر الى حافة الهاوية؟!
من المؤسف حقا ان نرى هذا الانجراف الجماهيري، والانسياق وراء الاعلام السلطوي الذي دأب مؤخرا على اختزال الوطنية في مثل هذه الاحداث الرياضية ،والعزف على هذه الاوتار الشريرة والالحاح عليها ،وتسويق افكار من قبيل ان التشجيع الكروي بهذا الهوس المبالغ فيه ،دليل على الوطنية وحب الوطن ، وان رفع العلم امر واجب في مثل هذه المناسبات التى رفُعت بغير حق الى مستوى معارك التحدي والكرامة ،على نحو يبتذل من قيمة وقدسية هذا الرمز الوطني الجليل.. عنوان الاستقلال والسيادة ،والتعامل معه بمنطق "الموضة" ،على غرار موجة العلم الامريكي والعلم السعودي والعلم الفلسطيني التى سادت لبعض الوقت ، ثم تلاشت،فضلا عن تشويه الشعور بالانتماء الذي يجب ان يكون لصيقا بالمواطنين صبح مساء ،وفي كل موقع وموقف ،ويُترجم في سلوكيات يومية ومعادلة الحقوق والواجبات ، وليس تحويله الى امر عابر يحكمه منطق ال"هوجة" الفوضوية ، واحتفالات تفريغ الشحنات السالبة المختزنة ،بفعل الواقع المحبط والحريات المفقودة والعدالة الغائبة.
من يريد ان يبرهن على وطنيته وانتمائه لهذا البلد عليه ان يتحرك لايقاف تشويه صورة هذا البلد الذي وصفه اخر تقرير لمنظمة "هيومان رايت ويتش" بانه "دولة بوليسية" تقمع الحريات.
من يريد ان يرفع العلم الوطني عليه ان يعرف متى وأين على نحو يحفظ له هيبته ووقاره ؟وقبلها عليه ان يقف في وجه انتهاكات السيادة المصرية التى اخرها.. السماح بلجنة الحريات الدينية بالكونجرس الامريكي بالتحقيق في حادث نجع حمادي ذي الصفة"الطائفية" ،بل وفتح الباب لمثل هذه التدخلات الخارجية بسياسات تمييزية على المستوى الديني والطبقي ،وخلق مناخ من الاحتقان العام والنزعات المتعصبة ، المترافقة مع التوظيف السياسي الكثيف للدين ورجالاته.
من ينتمي الى هذا البلد حقا عليه ان يعطي الاهتمام المادي والاعلامي والجماهيري للعلماء والمفكرين والادباء والفنانين صناع النهضة في اي مجتمع ،وقيمتها الحقيقية المضافة ،وليس الى لاعبي كرة لا يمثلون اية اضافة ذات معنى لتاريخ ومستقبل هذه الامة.
ان الشعوب المهزومة من الداخل.. فاقدة الوعى هي وحدها التى تستجيب لمنطق الحشد وسلوك القطيع.. لا تعرف فقه الاولويات وتغرق في الثانويات ،وتوافه الامور، فيما تولي وجهها بعيدا عن قضاياها المصيرية، وما ينتظرها في غدها ،وكأنه ليس لها من الامر شئ، ولا يعنيها.
الشعوب المهزومة المستجيبة للقمع والاستغلال ذات القابلية للاستعباد هي التي تخوض معارك افتراضية، وتبحث عن انتصارات زائفة يمنحها بعض السلوى،والشعور بالتحقق الوهمي ولو لبعض الوقت.
واخيرا اقول للجميع حكومة وشعبا .. اتقوا الله في مصر، وكفى عبثا ولهوا بها
وبمصيرها.. يكفي ما وصلنا اليه من انحدار، واتساع لحجم مثلث التخلف باضلاعه الثلاثة الجهل والفقر والمرض ،على نحو يضعنا في مؤخرة العالم الثالث ،وليس الاول.. فمصر بتاريخها وامكاناتها لا تستحق هذه الوضعية بأي حال من الاحوال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص