الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما هتف المتظاهرون بالقاهرة .. - كلنا أقباط -

جمال الشربينى

2010 / 2 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ردا على قيام أمن الدولة فى مصر بالقبض على ثلاثين شابا من النشطاء الذين سافروا - معا - للعزاء فى شهداء مذبحة عيد الميلاد المجيد ..
تجمعت حشود من النشطاء السياسيين من مناصرى ومؤيدى المقبوض عليهم فى وسط القاهرة مطالبين بالافراج عنهم فورا - وهو ما تم بالفعل - ومرددين هتافات كان اهمها هتافهم " كلنا اقباط " !! ..
والشائع ان الاقباط هم المسيحيون فى مصر او الغالبية العظمى منهم واذ تتواجد طوائف ليست مصرية الاصل - ولها مللها – ولكن القلبل من " المثقفين " من يعرف ان كلمة " قبط " هى كلمة الجبت التى هى فى اللغات الاجنبية " لـ يجبت " او إيجيبت وهى مصر كلها ..
ولهذا أو بناء على هذا فإننا كلنا أقباط ..
بالفعل نحن المصريون وايا كانت ديانتنا .. .
وهذا الهتاف إن دل على شئ فإنما يدل على اصالة الوعى الوطنى لدى الانثلجنيسيا المصرية باننا جميعنا عنصر واحد لا عنصران .. لقد تغيرت لغة المصريين كما تغيرت ديانتهم عدة مرات ..
وهذا ثابت تاريخيا .. الا انهم ظلوا عنصرا واحدا تذوب فيه كل الاقليات الوافدة التى تستوطن مصر دون أن يفقد ذلك العنصر واحديته برغم كل التناحرات الطائفية بين ابناء العنصر الواحد والتى حدثت إحداها مؤخرا فى " نجع حمادى " وقد سبقتها احداث اخرى وستلحق مثلها طالما بقيت الاسباب وبقى المستفيدون

وأما الحل - وهو معروف للكافة - فهو المواطنة الكاملة فى ظل سيادة القانون موضوعيا والمراعاة الجادة - لا الزائفة - لحقوق الانسان بكل ما يتطلب ذلك من إصلاحات دينية وقانونية وسياسية وقبل ذلك وبعده ثقافية - كل هذا معلوم وهو يعلن دائما وكأنما يكتشف للمرة الاولى - ثم نعود الى البدء فى كل مرة ولا جديد ...!!

ثمة جديد بالتأكيد أود ان اضيفه هنا وهو ما اثاره فى ذهنى ومشاعرى هتاف المتظاهرون بأننا جميعا أقباط
لقد عدت أو عاد بى هذا الهتاف ثمانية عشر عاما للوراء الى حين انعقد الملتقى الاول للوحدة الوطنية بنقابة الصحفيين بالقاهرة وقد تمخض ذلك الملتقى عن ابداع تمثل فى مسرحية ( سيرة الموت الجميل ) للشاعر والكاتب المسرحى مصطفى اللبان والمنشورة بمجلة القاهرة عدد اكتوبر 1995 ضمن أحد عشر نصا

مختارا فى عدد خاص بعنوان " المسرح يخاطب الانسان "
ومما اذكره جيدا فان دلك العدد قد طبعت منه عدد طبعات نفدت جميعها فورا ... ولهذا النص المسرحى الذى لم يسبقه دليل ولم يلحقه مثيل قصة تتصل بذلك الملتقى للوحدة الوطنية وهى لا تقل جمالا عن قصة النص ذاتها ...
وتبدأ القصة - كتابة النص - كما علمت وعايشت منذ لحظة انطلاق السيارة التى حملت وفد مدينة بورسعيد الى الملتقى وقد كنت من ضمن ذلك الوفد والذى تشكل من عناصر من مختلف الوان الطيف السياسى والدينى ببورسعيد
ما ان تحركت السيارة حتى لاحظت إننى اجلس بالمقعد المجاور لمقعد يضم كلا من الكاتب والشاعر مصطفى اللبان والاستاذ / عما نويل إسحاق المحامى وهما محاميان جمعهما المقعد بالمصادفة البحتة بعد فترة من الوقت لم يلتقيا خلالها ( اخبرنى بذلك زميل الكفاح والدرب صديقى مصطفى الللبان ) ..
كان الاستاذ / عما نويل إسحاق المحامى من قيادات حزب الوفد ببورسعيد ومن أكثر العقليات استنارة بها وقد تمثل ذلك فى حضوره بكل المناسبات الوطنية والقومية ومشاركته الفعالة وتطوعه فى قضايا عمالية ذات أهمية خاصة مثل قضية نقل النائب فيما بعد والنقابى البدرى فرغلى الى منفاه فى سفاجة وقد أعاده الى بورسعيد بقوة القانون ..
هذا هو الاستاذ المحامى العظيم وهو شقيق للاستاذ / جورج اسحاق الذى هو من اهم المناضلين الديمقراطيين فى مصر حاليا ..
ولدهشتى كان الجاران المسافران ضمن الوفد من أجل مناصرة الوحدة الوطنية لا يكفان عن إطلاق النكات حول كل ما يمس علاقة المسلمين والمسيحيين فى مصر ويضحكان بدون أدنى حساسية وبرغم حساسية تلك العلاقة وما يشوبها أحيانا من توترات تتجلى فى نكات لاذعة تكشف كما تبينت ويتمناه من عدم إصالة الصدام ثقافيا او شعبيا وعدم قبوله مما تمثل فى إطلاق تلك النكات للسخرية منه وهى سلاح المقاومة السلبية التى يلجا اليها المصريون فى مواجهة أعتى المشكلات التى لا يملكون لها حلا ..
وهناك فرق بين أن تعرف الحل وأن تملك الحل ... !
وعن هذا الملتقى أخبرنى الكاتب الشاعر مصطفى اللبان انه كان قد قرا مؤخرا ترجمة لكتاب ( وصف مصر ) الذى أعده علماء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798
وقد لفت نظره بشكل خاص ما ذكره العالم الفرنسى " شابيرول " فى الجزء الخاص بالسكان عن المسيحيين فى مصر أو الاقباط كما اسماهم واذ قال تحديدا : ( وهؤلاء ليسوا مسيحيين وإنما هم مهرطقون على ملة نسطريوس وأوطاخيوس ) وهنا سال مصطفى اللبان جاره المحامى عن رايه فى ذلك فانتقل الحوار الى الجد المثير وحيث رد المحامى على السؤال بسؤال الكاتب وما رايك أنت فى هذا الكلام ؟

فأجاب الكاتب فى ثقة الحاصل على الجائزة الاولى فى التاليف المسرحى :
أنا أعلم أن هذا غير حقيقى فالاقباط أو المسيحيون فى مصر - هم - الاصل وقد أضافوا للمسيحية الكثير فهم الذين تحملوا اضطهاد الرومان بالقتل والمطاردة فيما يعرف تاريخيا بعهد الشهداء وكان من اضافتهم إبتكار الاديرة وقد جاهدوا وثابروا ! الى ان آمن الامبراطور الرومانى " ثيودسبوس " بهذه الديانة الجديدة

فانتقل التاريخ المسيحى الى مرحلة اخرى انتشر الدين خلالها من خلال سيطرة الامبراطورية الرومانية على معظم انحاء العالم القديم حتى لقد قيل فى ذلك إن كل الطرق تؤدى الى روما

وكنت اظن ان المحامى سيسره ما سمع من الكاتب إلا انه على العكس رد قائلا :
هذا تبسيط مخل لا يجوز من كاتب مفروض انه قارئ للتاريخ ثم اضاف :-
نحن الذين اكتشفنا هرطقة نسطريوس هذا كما اننا نحن ايضا الذين تصدينا لهرطقة اوطاخيوس الذى تبرا منها واعلن التوبة ظاهريا وقبلت توبته فيما كان ينشر هرطقته سرا وقد ضبط بها متلبسا فاتهمنا نحن بها

ووصمنا فى إيماننا بالرغم من ان القديس أثناسيوس المصرى هو الذى وضع قانون الايمان المسيحى وهو ايضا مؤسس علم اللاهوت وبالرغم ان القديس كيرلس المصرى كان يسمى " عامود الدين " وكان معلوما ان كل من قال أنا على ملة أثناسيوس وكيرلس هو على سليم الايمان المسيحى ؟

كيف اذن لا يعتبرنا هذا الـ " شابيرول " مسيحيين ؟
ومن الذى أعطاه الصلاحية أو الكفاءة لتقرير من هو هكذا ومن ليس كذلك ؟ ثم اضاف :
ان هذه الفترة من تاريخ مصر ينبغى ان تنال اهتمامك أكثر من فترة تحتمس ورمسيس .. إلخ فهى الاقرب اليك تاريخيا واجتماعيا وهى الاغنى دراميا ايضا فتاريخ القديس أثناسيوس مثلا حافل بالمطاردات المثيرة والفكر والتاريخ لا يغفل ذلك ومن العبارات المأثورة فى التاريخ ..

" إذا وجدت كلمة من كلمات أثناسيوس ولم تجد ورقة لتكتبها عليها فاكتبها على قميصك فى الحال "
وكان من مفاخر الغرب حين يبدى احدهم نبوغا ان يشيروا اليه بقولهم " هذا هو أثناسيوس الغرب "
وسوف تعلم اذا قرأت التاريخ جيدا ان مصر حملت المسيحية بمفردها لاكثر من خمسة قرون كان الرومان خلالها يستمتعون بقتل المؤمنين بصور شتى ومنها إلقاءهم للوحوش المفترسة بينما كان المصريون يقبلون على الاستشهاد بحماس مذهل للرومان أنفسهم وكان ذلك هو السبب الذى لفت انظار الامبراطور ثيودسيوس للايمان وهو الذى أمر بوقف المذابح ويقال إنه أوقفها أولا حتى لا تتعرض روما وشعوبها للموت جوعا فمصر هى التى كانت تطعمهم بالقمح وبعد ان كادت المذابح ان تفنى هذا الشعب عن آخره !!

وسيتعرف من يتبحر فى التاريخ ان التقويم القبطى يسمى تقويم الشهداء بسبب كل ذلك الاستشهاد وان ايقاف المذابح كان يتم لفترات قصيرة ثم لا تلبث ان تستمر حتى بعد ايمان الرومان بالمسيحية والسبب اختلاف المذهب المصرى عن المذهب الذى آمن به بعض الاباطرة وخروج اساقفة الكنيسة المصرية ومعها كنيسة اورشليم وغيرهما من الاجتماع الذى أقر هرطقة اسقف " لاون " فى مجمع خلقدونيا وكان ديسقورس المصرى قد حرم اسقف لاون هذا بسبب الهرطقة !!

أتذكر كل هذا تفصليا لانىى وجدته مفصلا بصورة اكبر فى النص المسرحى " سيرة الموت الجميل " الذى عرض لتاريخ مصر وإضطهاد مسيحييها عبر العصور المختلفة من مختلف الشعوب وحتى عصرنا الحاضر وتحديهم العبقرى بالصمود وذلك بحرفية درامية عالية لم اعرف مثيلا لها فى نص يتناول التاريخ !!
واذا كانت وقائع الملتقى قد تلاشت تقريبا من ذاكرتى فاننى اذكر حضور الفنانين حمدى غيث ومحمود ياسين وعلى الحجار واحمد الحجار وغيرهم .. كما اذكر افتتاح الملتقى بكلمة للبابا شنودة بدأها بقوله :
" بسم الاله الواحد الذى نعبده جميعا "
ومما لا انساه ايضا وقد عدنا بنفس السيارة الى بورسعيد وحرص كل من الكاتب والمحامى على التجاور لاستئناف الحوار أو بالاحرى محاضرة المحامى ما قاله الاستاذ / عما نويل إسحاق رحمه الله فى الختام من ان " الكنيسة المصرية منذ شنودة الاول الذى حرم على مسيحيى مصر الصلوات بلغة المحتل الاجنبى كما كان شائعا وحتى شنودة الثالث الحالى الذى حرًم عليهم الحج الى الاراضى المقدسة فى ظل الاحتلال الصهيونى قد كانت دائما مؤسسة وطنية ولها حضورها فى النضال الوطنى ’ دعك من تفاصيل ثورة 1919 الشهيرة وابحر الى ما قبل ذلك بكثير وحتى يومنا هذا وقد ذكر من الامثلة لابطال النضال ما لا يحضرنى ذكره الان وان كنت لا انسى اسم الفريق المرحوم فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى ومن الذى لا يذكره ويتذكر بطولاته فى حرب اكتوبر 1973 كما لا انسى ايضا اسم الملازم / عبد المسيح مرقص أحد زعماء الفدائيين فى مدن القناة خلال الاحتلال البريطانى وقد وقف بجوار زميله الملازم مصطفى رفعت يقرآن الفاتحة على ارواح شهداء الشرطة الذين تصدوا لقوات الاحتلال بالاسماعيلية فى 25 يناير 1952
هنا قطعا اكتملت فكرة المسرحية فى ذهن الكاتب الذى قرر منذ تلك اللحظة ان يبحث فى تلك الفترة من تاريخ مصر وتنحدر الى 750 عاما قبل الفتح الاسلامى والتى يلفها الكثير من الغموض برغم كونها من أخصب فترات النضال الوطنى ولا بد ان البحث كان شاقا بقدر ما اثمر من روعة تجسدت فى ذلك النص المسرحى والذى لشديد الاسف لم يقرأه بعد مخرج متفهم ! ! ! أو ناقد مهتم باستثناء الدكتور طلعت شاهين الذى ترجمه الى اللغة الاسبانية .. والدكتور رمضان بسطويسى الذى ترجم اعجابه عمليا بتسليم الاصل المكتوب بيده الى الدكتور غالى شكرى رئيس تحرير مجلة القاهرة فى ذلك الوقت ..
وأما الاجهزة الثقافية الرسمية التى يتعين ان تهتم أو ترعى الاعمال الادبية الفذة أو المتميزة ذات الصلة بالقضايا الوطنية الكبرى فقد كانت دائما مشغولة " بما هو أهم " ..
وهذا حديث آخر قد يطول وأنا الليلة مشغول !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا