الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن حماية الدين دون الحد من حرية التعبير؟

عصام عبدالله

2010 / 2 / 3
حقوق الانسان


هذا السؤال هو الشغل الشاغل في الغرب اليوم،‮ ‬ومثار جدل دولي متأجج حول العلاقة بين الحرية الدينية وبين حرية التعبير،‮ ‬بالنسبة للأمريكيين ينظر إلي هاتين المجموعتين من الحقوق علي أنهما متداخلتان ومتشابكتان‮: ‬إذ إن حق المرء في التعبير عن أفكاره يتضمن بالضرورة القدرة علي اعتناق وممارسة أي معتقد ديني يختاره‮. ‬وقد ظلت المناظرات حول الخلافات اللاهوتية جزءا نابضا بالحياة في سوق الأفكار الأمريكية منذ عهد المهاجرين الأوائل،‮ ‬حيث أكد التعديل الأول للدستور الأمريكي حرية التعبير كقيمة أساسية‮.‬

بيد أن هذه النظرة لا تشكل الرأي العام السائد في الأمم المتحدة‮. ‬فقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة حملة لمحاولة التصدي لكراهية الأديان بمنع الكلام والتعبير بحجة تحريم الإساءة للأديان،‮ ‬من خلال سلسلة من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفي مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف‮.‬

تؤيد بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هذه القرارات في محاولة لفرض حظر دولي علي أي كلام يسيء إلي الأديان،‮ ‬وذلك من خلال إيجاد آلية ملزمة في القانون الدولي‮. ‬والمفارقة هنا هي أن مبدأ الإساءة إلي الأديان كان يستخدم في العديد من هذه الدول للتسلط علي الأقليات الدينية التي تعتنق معتقدات تعتبرها الدولة مسيئة للدين القومي أو الدين الذي تؤيده أغلبية السكان‮. ‬أضف إلي ذلك أن كثيرًا من البلدان التي تؤيد منع الإساءة إلي الأديان تطبق هذا المبدأ لحماية دين واحد فقط،‮ ‬وتقبل‮ - ‬في داخل بلادها‮ - ‬خطابا متشددا وأعمالا معادية تستهدف أديان الأقليات الأخري‮.‬

تدل هذه التناقضات علي أن الاندفاع إلي فرض حظر عالمي علي الإساءة إلي الأديان لا يحمي أتباع كل الديانات علي أساس من المساواة،‮ ‬مثل ما ينبغي لقرارات الأمم المتحدة والأعراف القانونية الدولية أن تفعل‮. ‬كذلك فهي لا تعالج الهواجس المحددة المشروعة تجاه سوء معاملة الأقليات المسلمة‮ - ‬علي سبيل المثال‮ - ‬عالميا‮. ‬فالقلق تجاه معاملة الأقليات المسلمة،‮ ‬يتطلب عملا جماعيا علي الساحة الدولية،‮ ‬ولكن من خلال خطوات وتدابير ناجحة فعلا بدلا من منع حرية التعبير‮.‬

وتقترح‮ ‬سوزان نوسل‮‬،‮ ‬نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لشئون المنظمات الدولية،‮ ‬من أجل تحقيق الهدف في تعزيز تعدد الأديان وتقبل الاختلافات الدينية،‮ ‬ما يلي‮: ‬سن وتطبيق قوانين تمنع التمييز،‮ ‬وتحظر جرائم الكراهية،‮ ‬واعتماد التعليم والتدريب والحوار لتعزيز التسامح الديني،‮ ‬وهو ما سيتم تطبيقه بالفعل خلال الشهور المقبلة من خلال اتخاذ خطوات ملموسة من شأنها تحسين حياة الأقليات الدينية في العالم دون المساس بحرية التعبير أو الرأي‮.‬

أما‮ ‬تاد ستانك‮‬،‮ ‬مدير السياسة والبرامج في منظمة حقوق الإنسان أولا،‮ ‬فيري‮: ‬أن القوانين التي تقيد حرية التعبير باسم حماية الدين أو العقيدة أو النظام السياسي لا تنتهك الحق في التعبير الحر أو تقيد ممارسة هذا الحق فحسب،‮ ‬ولكنها في كثير من الأحيان تحد من ممارسة الحرية الدينية،‮ ‬خاصة بالنسبة للأقليات،‮ ‬صحيح أن الكلام المهين والمفعم بالكراهية الذي يستهدف أتباع بعض الطوائف الدينية‮ ‬وكذلك الأقليات العرقية والجنسية‮ ‬موجود في كثير من دول العالم،‮ ‬بما في ذلك الدول الديمقراطية مثل الولايات المتحدة،‮ ‬حيث يوجد مناخ من الكراهية وعدم التسامح،‮ ‬فضلا عن جميع أشكال التمييز والعنف،‮ ‬فإنه لابد من مواجهة هذه المشاكل،‮ ‬وهناك العديد من الخطوات الفعالة التي ينبغي أن تتخذها الحكومات،‮ ‬وهذه الخطوات ليس من الضروري‮ - ‬ولا ينبغي لها‮ - ‬أن تنطوي علي فرض قيود علي حرية التعبير‮.‬

وحسب‮ ‬ستانك‮ ‬فإنه بمقدور كل الحكومات أن تفعل المزيد للرد علي ظاهرة العنف الذي يرتكب بدوافع التعصب،‮ ‬مثل العمل مع المجتمعات المحلية المتضررة للتحقيق مع المسئولين عن هذا العنف ومحاكمتهم،‮ ‬والتأكد من حصول قوات الأمن علي الأدوات والتدريب اللازم للتعامل مع هذه المشكلة،‮ ‬كما ينبغي تبني القوانين والسياسات الخاصة بمكافحة التمييز وتطبيقها،‮ ‬كما يجب توفير الدعم والموارد الكافية للهيئات القضائية وغيرها من المؤسسات الضرورية‮.‬

لقد حدد‮ ‬إعلان مبادئ التسامح‮ ‬الصادر عن اليونسكو في سنة‮ ‬1995،‮ ‬التسامح بأنه‮ ‬ضرورة سياسية وقانونية وليس فقط مجرد التزام أخلاقي‮.. ‬وما أراد إعلان اليونسكو التنبيه إليه هو‮: ‬أن التسامح ليس نوعا من اللياقة الأدبية التي نغلف بها الاختلافات الواقعية للآراء والمعتقدات المختلفة،‮ ‬وإنما هو ممارسة فعلية لهذه الاختلافات في إطار تعاقدي‮ ‬قانوني‮‬،‮ ‬يزاول فيه المختلفون اختلافهم دون عنف أو فرض أو قهر،‮ ‬الأهم من ذلك أنه أكد أن التسامح ليس مطلقا،‮ ‬فالتسامح اللا محدود يدمر التسامح نفسه‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و