الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستنقع التطرف

محمد مليطان

2010 / 2 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


اليمين الشعبوي المتطرف في كل الأديان عادة ما يتسبب في إحراج تيارات اليمين المعتدل والوسط واليسار خاصة مع المجتمع الدولي وتحديدا تجاه قيم الديمقراطية والمواطنة والتسامح والتعايش بسبب ثقافة العنف التي تسم وتسيطر على علاقة هذا اليمين مع الآخر سواء أكان هذا الآخر ممثلا في ديانات أو أعراق أو ثقافات مختلفة أو مغايرة.
عندما أحرج اليمين الإسلامي الشعوبي المتطرف بقية الاتجاهات والتيارات الإسلامية الأخرى في أعمال عنف ضد أهداف غربية وقف العالم بأسره – بما في ذلك العالم الإسلامي- ضده واتخذ مواقف تدرجت من الحرب والرد بالعنف المضاد، كما هو حاصل في أفغانستان، إلى المقاومة الناعمة ممثلة في دعم التيارات الدينية الموصوفة بالمعتدلة والسماح لها في بعض الدول بالمشاركة السياسية في محاولة لإعادة برمجتها وفق مفاهيم الدولة الحديثة.
الحال مع اليمين المسيحي الشعبوي المتطرف في سويسرا ليس أفضل منه مع اليمين الإسلامي الشعبوي المتطرف، وبالتحديد على مستوى الذهنية والفكر المتطرف والموقف العدواني من الآخر، غير أن اختلاف الظروف المحيطة والوسائل المستخدمة تسهم في إظهار نموذج التطرف الإسلامي أشد عنفا، خاصة مع اقترانه بالعنف الدموي، لكن البنية الذهنية المتضمنة للعنف لكلا الطرفين تظل واحدة، فاستخدام الديمقراطية لتمرير ممارسات متطرفة تمس الأديان الأخرى ومشاعر معتنقيها هو من أبشع صور العنف الرمزي.. فالديمقراطية سواء أكانت على مستوى المفهوم السياسي أم على مستوى المفهوم الاجتماعي لا تعني مطلقا ممارسة القمع أو المنع، قمع الأقليات أو الأفراد أو منعهم من ممارسة شعائرهم والترويج لها بالطرق العلنية والسلمية، فحكم الأكثرية وفق المفهوم السياسي للديمقراطية يقترن اقتران شرط بحماية حقوق الأقليات والأفراد ومن هذه الحقوق الحق في ممارسة الشعائر الدينية، وهذه الشعائر الدينية ضمن المبدأ نفسه يجب أن تحترم بكل طقوسها وأشكالها، فلا يجوز باسم الديمقراطية قمع أو منع أي شكل من أشكال التدين أو أنماطه، ذلك أن الإطار الديمقراطي غير معني بهذه التقاليد الداخلية لأشكال الطقوس الدينية، ولا ينبغي المساس بها مطلقا، فهذه التقاليد تتم مراجعتها وتصحيحها وتعديلها ونقدها ونقضها داخل منظومة الدين نفسه أو داخل أطر علمية أو فكرية أو ثقافية بعيدة عن المؤسسات السياسية.
تصرف اليمين المسيحي الشعبوي المتطرف في سويسرا تجاه منع بناء المآذن يحمل جملة من المساوئ على المستوى السياسي أيضا ففي الوقت الذي كانت تتمتع فيه سويسرا بصفة الدولة المحايدة وضعها هذا اليمين في صف الدول المنحازة، وليس الانحياز فقط، بل الانحياز إلى أقصى اليمين، ما يسمح بظهور ممارسات مماثلة في الدول الإسلامية وتتخذها بعض التيارات الإسلامية، وهنا تستوي المنعوتة بالمتطرفة والموصوفة بالمعتدلة، مبررا للضغط في اتجاه اتخاذ موقف مماثل لمنع وقمع أشكال التواجد الديني عامة والمسيحي خاصة وإسكات الأجراس والتميز الديني الشكلاني للأفراد ودور العبادة، مستدعين من التراث ما يشحن الشارع الإسلامي مستشهدين بالواقع السويسري الذي شوهته ثقافة التطرف.
مستنقع التطرف فيه ما يكفي من الأوحال لإغراق سفن النجاة العابرة بالإنسان إلى مجتمعات أكثر تسامحا وانفتاحا قابلة للتعايش، وارتكاب مثل هذه الأفعال العداونية المتطرفة تحرج المجتمع الثقافي الإنساني الطامح إلى غد متسامح ويعيده في مشروع حوار الثقافات إلى المربع الأول بعد أن ظن، أو زعم، أنه تجاوزه بلا رجعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا