الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة جلاد الجماهير، صدام حسين، محاكمة للعروبة وللفاشية البعثية

يوسف محمد

2004 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


بإسدال الستار على الفصل الأخير من لعبة ما يسمى بـ"تسليم السلطة للعراقيين!"، أصبحت قضية تسليم المجرم صدام حسين وقادة النظام الفاشي البعثي الى الحكومة الجديدة ومحاكمتهم هي القضية التي تقف في الواجهة مثيرة الكثير من الغبار والمعارك والجدالات الساخنة، وتتركز تلك المعارك حول شكل المحاكمة وعدالتها ونزاهتها والتهم الموجهة للمجرمين وشرعية الجهة التي تقوم بالمحاكمات. ولن أخوض في جملة هذه المواضيع المتعلقة بمحاكمة المجرم صدام حسين ورموز وقادة نظامه، فقد تطرق الكثير منا لها، وقد اتضحت الصورة من خلال تلك الكتابات، ولكني سأتناول جوانب تمتلك أهميتها الخاصة وراهنيتها بهذا الصدد.
لا يراود الشك أحداً في أن محاكمة صدام حسين، بوصفه مجرماً مسؤولاً عن الكثير من الجرائم المرتكبة بحق الجماهير سواء في العراق أو على صعيد المنطقة، ومحاكمة رموز وقادة نظامه الفاشي هي مطلب جماهيري عادل ومشروع، وعدالتها ومشروعيتها تكمن في أنها ستعيد الأمور الى نصابها الحقيقي لا بهدف الانتقام ودواعيه، كما أنها خطوة ضرورية لتقصير يد أمثاله من المجرمين من التطاول على حقوق وحريات الجماهير الأساسية والبديهية، بمعنى أن هذه الخطوة تستهدف بالدرجة الأساس محو آثار الظلم والاضطهاد والقمع الممارس بحق الجماهير وبالتالي تمهيد السبيل أمام نضال واسع النطاق من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وبناء عالم حر خالٍ من القمع والاستبداد والاضطهاد.
فطوال أكثر من ثلاثة عقود ونصف من الزمن كان صدام حسين والنظام البعثي صورة حقيقة لأبشع أشكال الإجرام والفاشية والقمع بدءاً بقمع الحركة العمالية والشيوعية وإغراق حركاتها الاحتجاجية بحمامات الدم ((لا يغيب عن الذاكرة أن أول ممارسة وحشية قام بها صدام حسين بعد تسلط البعث هي القمع الدموي لإضراب عمال الزيوت النباتية في بغداد بعد ثلاثة أشهر فقط من مجيئهم الى الحكم))، وليس انتهاءاً بسحق ومصادرة الحريات السياسية والمدنية وعمليات التصفية العرقية والتصفيات القومية والاعدامات والمقابر ((أنظر عمليات تنظيف السجون السيئة الصيت وعمليات الأنفال والقصف الكيماوي ضد جماهير كردستان وسكان الأهوار جنوب العراق التي صارت أشهر من نارٍ على علم)). وبأية حال إن قائمة الجرائم هي أطول من أن تحتويها هذه الصفحة بل أطول من أن تحتوي تفاصليها الكتب والمجلدات، فقد عاشت جماهير العراق والمنطقة، في ظل هيمنة وسلطة النظام الفاشي البعثي وتسلط المجرم صدام حسين على وجه الخصوص، واحدة من أكثر المراحل بربريةً ووحشيةً وظلاماً في التاريخ.
النقطة الأساسية التي نسعى للتأكيد عليها والتي يجب أن تأخذ حيزاً في قضية محاكمة المجرم صدام حسين هي أن المحاكمة ليست فقط محاكمة أشخاص وتمر القضية بسلام، من غير شك أن للأشخاص دورهم الرئيسي في تلك الممارسات الإجرامية بل كان لهم الدور الفاعل. القضية هي قضية نظام سياسي أيضاً وقضية حركة اجتماعية يمثلها ويمثل تطلعاتها وأهدافها ومصالحها السياسية ذلك النظام. إنها قضية نظام البعث وقضية الحركة القومية العربية، الحركة التي قال عنها منصور حكمت ذات يوم أنها ليست تلك القومية القديمة الشعبية المناهضة للاستعمار، بل أنها راية البرجوازية العربية التي برزت بعد الأوبك. وهي لا تستمد قوتها من نفاذ صبر العرب الفقراء أو محنة السكان الفلسطينيين، بل من الإمكانيات المادية التي توفرت للدول البرجوازية العربية لتحسين مكانتها في تركيبة القوى الإقليمية والدولية والاقتصاد العالمي. إن محاكمة صدام حسين وفي الوقت التي هي محاكمة مجرم مشهود له بالإجرام مع وجود عامل سبق الإصرار والترصد وبالدلائل الملموسة المتوفرة لدى غالبية العراقيين، هي في نفس الوقت ينبغي أن تكون محاكمة سياسية تهدف، فيما تهدف إليه، الى محاكمة الحركة القومية العربية ونظامها الفاشي من أجل إزاحة الستار عن الحقائق وكشف وفضح الممارسات والماهية والطابع العدواني والإجرامي لها أمام جماهير العراق والعالم.
صدام حسين وغيره من البعثيين هم رموز وشخصيات وقادة الحركة القومية العربية الذين طالما تفاخرت ومازالت تتفاخر بهم وتنفخ في صورهم وتجعل منهم أصناماً مقدسة لا يمكن المسُّ بها أو الإشارة إليها بالسوء، إنهم "أبطال التحرير القومي!!" و"دروع الأمة العربية!!" و"سيوف العروبة المسلولة بوجه إسرائيل وأعداء الأمة العربية!!"، بالتالي محاكمتهم في محاكمة علنية تتكشف فيها كل الحقائق ويماط اللثام فيها عن ماهية الممارسات الإجرامية لهم لن تبقي أسطورة "البطل المغوار والقائد الفذ التاريخي!!" ذخيرة بيد الحركة القومية العربية لتضليل الجماهير وخداعها وقولبة فكرها ورؤيتها وجعلها حطباً للممارسات الفاشية وتعميق الصراعات والعصبيات والأحقاد القومية باسم العروبة و"الأمة الخالدة!!". ومن هنا تكمن ضرورة أن تكون المحاكمة في محكمة علنية على مرأى ومسمع الجماهير في العراق والمنطقة والعالم. وينبغي أن تؤدي تلك المحاكمة، من ضمن ما ستؤدي إليه، الى لفظ الحركة القومية العربية وطي صفحتها السوداء من تاريخ المنطقة، أي أن تحظى بمكانة شبيهة بمكانة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، فقد أدى القضاء على النازية والفاشية الى تمهيد السبيل أمام بناء مجتمع سليم نسبياً في أوروبا، وفسح المجال أمام بروز الصراع الطبقي جلياً من تحت غبار الصراعات العرقية والقومية وصراعات القوى والأقطاب الرجعية في تلك المرحلة، وكان لذلك الأثر الواضح في تحقيق البشرية جملة من المكاسب التاريخية المهمة التي تتركز في ميدان الحقوق الأساسية والحريات المدنية والفردية والمساواة بين المواطنين تحت ضغط النضالات العمالية الجماهيرية. بمعنى يجب أن تدفع تلك المحاكمة بالحركة القومية العربية والأنظمة القومية السائدة في المنطقة الى الهامش وتحييد دورها وشلها من الحركة والنشاط في خاتمة المطاف. من غير شك أن التصدي لحركة سياسية يمينية كالحركة القومية العربية أمر معقود ،في المحصلة النهائية، بقدرة العامل والاشتراكية، غير أن محاكمة عادلة وعلنية لرموز تلك الحركةالسياسية الرجعية ووضع تاريخها وفكرها وممارساتها ورموزها كلها في قفص الاتهام خطوة أساسية لا بد منها في هذا السبيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل