الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المسألة الإيرانية: كيفما اتفق وليس أبعد من ذلك

مرزوق الحلبي

2010 / 2 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


مرة أخرى يبدو لي أننا نقصّر عن إدراك المتغيرات في الواقع الجيو ـ سياسي في المنطقة. أو إننا لا زلنا نعتمد لغة لا تُحيط بهذه التحولات ولا تقاربها. ومن هذه التحولات أن مركز الصراع في الشرق الأوسط لم يعد القضية الفلسطينية والنزاع التاريخي الإسرائيلي ـ العربي. فقد طغت عليه حسابات استراتيجية جديدة تتعلق بالحرب على مصادر الطاقة وتلك المواجهة القادمة بين الغرب وإيران. ونرجح أن هذه المواجهة ذاهبة نحو تصعيد بسبب من طبيعتها المميزة. فهناك القلق الغربي على مصادر الطاقة من استحواذ إيراني، وهناك التعارض في مشاريع الهيمنة، وهناك قلق غربي وأكثر إسرائيلي من المشروع النووي الإيراني، وهناك الصدام الذي بدأته الثورة الإسلامية مع الغرب المسحي، وهناك متطلبات العولمة التي تُعيقها إيران. كلّها مجتمعة فرضت وستفرض قوى دفع جديدة تنقل مركز الثقل من الصراع العربي الإسرائيلي إلى المواجهة الغربية مع إيران.
إن ما أشرنا إليه حاصل منذ زمن. بمعنى أن له سياسات وتطبيقات وتحركات معلنة أو مستترة في الراهن آتية من سنوات مضت. ونرجح أن هذه المفاعيل ستدفع بالتطورات نحو مواجهة عسكرية مع النظام الإيراني الذي يبدو في سباق على أربع جبهات هي: الأولى ـ سباق مع الزمن ومع الضغوط لإنجاز المشروع النووي الإيراني العسكري الذي لا ينتهي من وجهة نظرنا إلا بامتلاك القنبلة النووية أو ما يوازيها. الثانية ـ جبهة الصراع الداخلي الذي تريد أن تحسمه القيادة الإيرانية الحالية لجهة استتباب الأمور لها حتى بثمن تصعيد للقمع والانكفاء إلى حالة مشابهة لما كانت عليه إيران السبعينيات آخر سنوات الشاه. الثالثة ـ إدامة بؤر العنف المسلح أو العنف السياسي في الدول المحيطة لإيران أو المتاخمة لإسرائيل على أساس استثمارها أوراقا للعب في المشروع الأساس وهو المشروع النووي. الرابعة ـ الرهان مع الغرب ومحاولة فرض إيران قوة كونية وليست إقليمية فحسب على أساس افتراض الصدام مع الغرب المسحي وإنجاز مشروع ولاية الفقيه في مستوى العام.
مثل هذا السباق يضع إيران في مركز الأحداث في مستوى العالم الجديد ويقتضي من كل اللاعبين الدوليين إنتاج سياسات للردّ على هذا التحدي. أمكننا أن نكتفي بقراءة ما يحصل من خلال لغة العلاقات الدولية التقليدية ولكن سنحسن صنعا أن اعتبرنا المسألة الإيرانية أخطر المسائل الكونية في المرحلة المقبلة. وأخطر ما فيها هو ذاك التطابق بين مكونات تُنتج ميولا عالمية موحّدة في التعامل مع إيران التي خطفتها قيادتها من الشعب وثورته إلى مشروع كوني يضعها على منزلق الصدام. فمثلا، هناك قلق غربي من تحول إيران إلى قوة عالمية ومن إمكانية هيمنتها على منطقة هي الأغنى بمصادر الطاقة التقليدية ـ منطقة الخليج ـ وبين قلق إسرائيلي من امتلاك إيران للسلاح النووي. وهناك تناقض في المصالح بين القوى المحركة لسيرورة العولمة وبين إيران النازعة إلى تعطيل السيرورة من خلال التخريب على مشاريع قواها الأساس. هناك تصادم حتمي بين رغبة إيران في مشاغلة العالم من خلال توتير لبؤر عنف سياسي ومسلح في الدول المحيطة بها وبإسرائيل وبين سعي عربي وغربي مشترك لفرض نوع من التهدئة والاستقرار وإرساء عدد من المصالحات المتعثّرة. لكني على اعتقاد أن العامل الأكثر دفعا باتجاه المواجهة العسكرية مع إيران على كل تبعاتها وتداعياتها هو الموقف الإسرائيلي الذاهب بقوة نحو هذا الخيار في المرحلة المقبلة. فمن يعرف طبيعة النظام والوجود الإسرائيلي في المنطقة يدرك أن إسرائيل لن تسلّم بإيران نووية حتى لو اضطرت إلى استخدام السلاح النووي وتكبّدت خسائر فادحة غير مسبوقة بالأرواح والموارد. بل نحن على اعتقاد بأن كل سياسات إسرائيل وتحركاتها وتنقلات مبعوثيها السياسيين والأمنيين ومشترياتها من السلاح واستعداداتها العسكرية الاستراتيجية، منذ حرب لبنان 2006 وصولا إلى يومنا هذا معدّة لمواجهة إيران وليس لمواجهة الفلسطينيين. ولأن مواجهة كهذه مدفوعة بهدف تعطيل المشروع النووي الإيراني فإنها معلومة الأجل بوجه عام. فلا بدّ أن تحدث قبل أن يحقق الإيرانيون خطوتهم الأخيرة نحو امتلاك فنبلة نووية! وعليه، فقد كان يُمكن أن تقع أمس، أيضا!
مواجهة كهذه ستحمل على متنها الموقف الإسرائيلي الرافض للسياسات الدولية مع إيران وقلقا وجوديا إسرائيليا حقيقيا، لكن سيكون فيها متسع لأماني غربية وعربية. بل أن المصلحة الاستراتيجية العربية في عمقها ومنتهاها تبدو متطابقة ضمنا مع المصلحة الإسرائيلية، أعلن العرب المعنيون ذلك أو لم يُعلنوا. وكذلك مصالح في بعض المواقع الغربية ترى الخطر الإيراني على باب بيتها مهددا لمصالحها الوطنية حيثما هي. في مثل هذا الوضع تدنى منسوب المسألة الفلسطينية في الحراك الاستراتيجي الكوني أو الإقليمي. أما انضواء حركة حماس بشكل شبه تام تحت المظلة الإيرانية فإنه لم يشفع للمسألة الفلسطينية كما يعتقد البعض بل وضعها في خانة تصريف الأمور بالنسبة لقيادات الإسرائيلية وفي جعبة أوراق اللعب الإيرانية. هذا في حين أن الداخل الفلسطيني والإسرائيلي، أيضا، أنتجا ديناميكا جديدة أفضت إلى انحسار المسألة الفلسطينية بشكل واضح عبرت عنه النُخب الإسرائيلية بكثير من التراجع عن مواقف سابقة وعن رغبتها في إيجاد حلّ نحو الاعتقاد بإمكانية إدارتها على نحو ما!
إن مثل هذه المتغيرات دفعت قوى فلسطينية وعربية دينية المذهب أو علمانية إلى الارتماء كيفما اتفق في القلعة الإيرانية دون أي تفكير في ما قد تؤول إليه الأمور. وبدوا كأن ما يدفعهم هو "الضدية" من إسرائيل" و"أمريكا" و"الغرب" وليس ما هو أبعد من ذلك. وأخشى أن تكون المحصّلة على شاكلة الدافع، كيفما اتفق وليس أبعد من ذلك. ولا أقول هذا من قبيل معرفتي بهوية الرابح والخاسر في مواجهة مشار إليها بل لأن مثل هذا الموقف سيذهب بالعرب ـ وهم في ضعف شبه مزمن ـ إلى خانة لا أحد يكيّل بصاعها. وسيكون الفلسطينيون قد أمضوا نحو مئة عام من الصراع والتضحيات ستندثر في ثنايا مواجهة مُقبلة مع إيران!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟