الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية الثقافية ..البعد الباهت !!

بشير خلف

2010 / 2 / 3
الادب والفن



يعتبِر العديد من المختصين أن تغيير البنية الثقافية للمجتمعات هو المدخل الصحيح إلى التنمية، كما أن مفهوم التنمية ليس مرتبطا بالعوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وحدها، بل بثقافة المجتمع كله. ذلك أن العديد ممّا يسمّى دول العالم الثالث أدركت أن الثقافة، هي المفتاح السحري، والدواء الناجع والحل الأمثل لكل أمراض التخلف، وعوائق التنمية. حيث أن هناك ثقافتين تؤثران في التنمية: الأولى ثقافة التقدم التي تدفع بعجلة التنمية والأخرى ثقافة التخلف التي تحيل أحلام التنمية إلى كوابيس.
إن الثقافة الأولىـ ثقافة التقدم ـ هي ثقافة الاستنارة التي تُعطي الأولية للعقل وتنحاز إلى الابتداع على حساب التقليد، وتشيع مفهوما موجبا عن الإنسان القادر على صُنع العالم الذي يحلم به بإرادته الخلاقة مختارا، فاعلا، مريدا دون قيد مفروض عليه.(1) إن ثقافة التقدم في نظر جابر عصفور، إذا كانت ثقافةً للتنوع الخلاق من منظور إنساني واسع؛ فهي ثقافة الحرية، والعدل، وحق الاختيار، والاختلاف، وحرية التعبير، والتفكير.
تقدم التنمية ..مشروطة بثقافة التقدم
إن الدليل العملي، ومن خلال تجارب الأمم أثبت أن تسارع معدلات التنمية، ومجالات التقدم مشروطة بثقافة التقدم، بينما وكم هو معروف أن ثقافة التخلف، أفشلت محاولات التنمية التي اعتمدت على الاقتصاد وحده، أو الإصلاح السياسي الفوقي.. فضلا عن الصناعة، والأبنية التحتية الأساسية اللازمة لتقدم العلم في كل مجالاته.والأمثلة في هذا الشأن لعديدة في دول العالم الثالث، ومن بيتها الدول العربية بما فيها بلادنا..أغلب برامج التنمية منذ الاستقلال لم تقف على رجليها، فأين الثورات الثلاث، وأين برامج المخططات التنموية في كل صيغها لأنها جميعا خلت وتخلو من برامج التنمية الثقافية. إن التنمية الاقتصادية كالتنمية الصناعة مثلها التنمية السياسية والاجتماعية ، محكوم عليها بالفشل إذا صاحبتها ثقافة مضمحلة، غير مخطط لها أوّلاً، ولا تجد السند السياسي له والمادي ثانيا.
إن دور الثقافة في التنمية يجب ألا يفهم على أنه يؤلف جزءا من التنمية وأهدافها الرئيسية أو أنه دور ثانوي، أو مساعد على انجاز التنمية بنجاح فحسب وإنما يجب أن ينظر إليه على انه جوهر العملية التنموية التي هي عملية إنسانية تتعلق بكيان، ووجود، وكرامة الكائن البشري الذي هو مصدر التنمية وغايته. إن التنمية البشرية الشاملة في كل مناحيها وصيغها تتضمن عنصرا أخلاقيا " لأنها تمس حياة البشر في المحل الأول؛ فالإنسان هو مصدر التنمية وغايتها " كما أن قرار التنمية هو " قرار اجتماعي أخلاقي وليس قرار اقتصاديا خالصا ".(2)
إن العلاقة بين الثقافة والتنمية هي علاقة عضوية, وأن دور الثقافة في التنمية الشاملة هو أساسي. فتحسين ظروف العيش الإنساني لم يعد يترجم فقط بزيادة المداخيل, بل يفرض تحسيناً مستمراً لنوعية الحياة نفسها, كما يفترض تطلّعاً إلى قيم جديدة. هذا البحث الدؤوب عن القيم هو بالنتيجة مسار ثقافي يعبّر الفرد من خلاله عن كرامته الأساسية، وتساويه مع الآخرين عبر الاتصال، والخلق، وإعطاء معنى للحياة. , إنّ الإنسان هو محور وهدف التنمية في آن معاً. فمن جهة, تهدف التنمية إلى بناء الإنسان بناء معنوياً, وعن هذا الهدف تتفرّع بقية الأهداف الثانوية الأخرى من إقتصادية واجتماعية. ومن جهة أخرى, فإنّ الإنسان هو الذي يسير ويشارك وينفّذ التنمية. وهو بالتالي “جسداً وفكراً مليئاً بالمشاعر والأحاسيس والأفكار والمعتقدات والمواقف والاجتهادات والتطلّعات والرغبات. وهذا كلّه يشكّل عوامل حاسمة في عملية تسيير التنمية وتوجّهها في هذا الاتجاه أو ذاك, أو في هذا المجال الاجتماعي أو ذاك الخ(3)
لا استقامة لتنمية خارج الإطار الثقافي
إنّ الحديث عن العلاقة بين الثقافة والتنمية هو أيضاً حديث عن المستقبل, وتحديداً مستقبل الخطط التنموية ودور الأجيال الشابة في تحقيقها. ولا غلوّ في القول ان الثقافة تلعب دوراً حيوياً في حركة التغيير وتنمية المجتمع عن طريق بناء المواطن الصالح الواعي والحكيم. بكلمة أخرى, لا يمكن لمجتمع اليوم أن يتطوّر وينتمي إلى الغد, أي أن يضع نفسه في خدمة الإنسان وشروطه ورغباته المادية والمعنوية, إلاّ إذا تمكّن ذلك المجتمع من استيعاب كامل للعلوم والتقنيات. وكلّ ذلك يتطلّب التفكير في المناهج الدراسية وفي المسارات الهادفة إلى ترجمة أهداف التنمية في الدول المعنيّة إلى خيارات حقيقية. وهنا يأتي دور ما يسمى بالسياسة الثقافية الناتجة عن تفاعل ما بين المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية, المحلية والدولية, في بلورة آفاق جديدة تكون المشاركة الشعبية والشبابية الواسعة إحدى أهم قواعدها. وفي رأي غسان تويني فإنه “لا استقامة للديمقراطية خارج الإطار الثقافي، والخلْق الفكري الذي هو منظار المستقبل للذين ينظرون دائماً إلى المستقبل”"
فكرة التنمية الثقافية فكرة عظيمة وضرورية للبناء الاجتماعي؛ ففي التنمية الثقافية تتغير المسارات الاجتماعية نحو الأفضل، ويمكن من خلالها أن ندير العمليات الفكرية للمجتمع بطريقة ايجابية بل نستطيع من خلالها قراءة المستقبل، وإدارته بطرق سهلة.. التنمية الثقافية يبدو أنها لاتجاري مثيلتها الاقتصادية في مجتمع يتطور بشكل كبير، فليتنا نسمع عن مشروع ثقافي في مقابل كل مشروع اقتصادي أو اجتماعي، كل ما نملكه حول الثقافة في مجتمعاتنا هو تظاهرات ثقافية لا تعدو كونها فعاليات تنتهي وتنسى بانتهاء الحدث.
هل نملك استراتيجية للتنمية الثقافية؟؟ !!
لكن هل تبلورت عندنا حقا في العالم العربي والجزائر بخاصة استراتيجية واضحة ودقيقة للتنمية الثقافية، بدءًا لنعرّج على العقد العربي للتنمية الثقافية( 2005 ـ 2014 ) ونرى ما اتفق عليه وزراء الثقافة العرب في هذا الموضوع الحسّاس الذي خرج من صلب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم /ALECSO إن هذا العقد طموح جدّا حيث يضع مجموعة من الأهداف منها:
أ - وضع الثقافة في محور عملية التنمية في الوطن العربي.
ب – تأكيد الهويّة الثقافية وتعزيزها والحفاظ عليها.
ج – تشجيع الإبداع وتعزيز المشاركة في الحياة الثقافية في الوطن العربي وتأهيل الثقافة العربية لمواجهة المستقبل ومجابهة تحديات العولمة.
د – دعم التفاعل والحوار بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى وتعزيز السياسات والممارسات الثقافية.
هـ – تعزيز التنوع الثقافي في عصر العولمة
و – دعم الموارد البشرية الكفيلة بتحقيق التنمية الثقافية الشاملة والمستديمة.
ز – تفعيل دور البحوث والدراسات والمؤسسات في رسم السياسات الثقافية.
ح – إكساب التعاون العربي الثقافي البيني ومع الخارج مزيدا من النّجاعة والفاعلية والارتقاء به من مستوى التبادل إلى مستوى التنسيق والمعرفة والتكامل.(5)
وطالما أن العقد اتُفق على بداية تنفيذه بداية من سنة 2005 فهل بدأ التنفيذ فعلاً من ذاك التاريخ؟ وماذا تحقّق من العقد؟ وماذا لم يتحقّق؟ ولعل التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي تتولاه مؤسسة ثقافية عربية غير حكومية، حيث ينطلق التقرير من اعتبار التنمية الثقافيّة العصب الأساسي لعملية التنمية البشرية عموماً.. هذه التنمية البشرية التي تفترض، وتتطلّب استثمار العناصر البشرية، وتنمية العلوم، والمعارف العملية والنظرية، والقدرات، والمهارات التقنية والتطبيقية وصولاً إلى الإبداع في كلّ مجال من مجالات التنمية الثقافية.
التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية ومرتبة الجزائر
يسلط التقرير الذي أشرف على إعداده نخبة من الأساتذة والباحثين من بينهم الجزائري محمد فاضلي، الضوء على واقع التنمية الثقافية في المجتمع العربي، وأدوات الإنتاج الثقافي في مجالات الإعلام ،والإبداع الفني والأدبي، وحركة النشر إضافة إلى قطاعات التعليم والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات وإعداد خريطة معرفية للمؤسسات الثقافية العربية في مختلف قطاعاتها.
من هذا التقرير الذي رصد الحركة الثقافية في العالم العربي وفي 22 قطرا تحديدا بما فيها الجزائر، والمكانة التي احتلتها الثقافة ضمن حركة التنمية الشاملة، علمًا أن سنة 2007 هي سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية؛ يُطلعنا التقرير عن صورة ثقافية غير مرضية حيث أعطى أرقاما مرعبة عن واقع الثقافة في الجزائر خصوصا ما تعلق بحركة النشر والسينما، في حين سجل أن المسرح الجزائري عرف بعض الانتعاش مقارنة بالسنوات السابقة.
إن هذا التقرير غير دقيق، ووجود جزائري فيمنْ أعدّوه ليس مبرّرا كي تكون به المعطيات صحيحة ، حينما يذكر معدّوه بأن ما طُبع من كتب في سنة 2007 لا يفوق 597 عنوانًا بينما في تحديد نوعية هذه المطبوعات من أدب وبلاغة، وتاريخ وجغرافي، وعلوم اجتماعية وغيرها في حال ما إذا جمعناه سنجد عدد العناوين المطبوعة 815 عنوانا..وفي الحقيقة وهذا مؤكد أن العناوين التي أصدرتها وزارة الثقافة خلال سنة 2007 في إطار الجزائر عاصمة للثقافة العربية بلغت حوالي 1221 عنوانًا في كل مناحي الفكر والأدب والتاريخ والعلوم، وبطبيعة الحال فالإبداع الأدبي يحتلّ نسبة مرتفعة، كما أن التقرير أهمل الأسابيع الثقافية التي شاركت بها كل ولايات الوطن بالعاصمة، كما أهمل التظاهرات الثقافية والندوات الشعرية وغيرها من النشاطات الثقافية.
أمّا التقرير الثاني للتنمية الثقافية والصادر في شهر ديسمبر 2009 والذي تضمن التقرير خمسة ملفات، تعكس المقومات الخمسة الأساس للتنمية الثقافية وهي: المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية، التمويل، واستقلالية الإدارة في التعليم العالي، الخطاب الثقافي في وسائل الإعلام، الإبداع، الحصاد الفكري السنوي..فقد ركّز على هذه الجوانب المهمّة، ورتّب الدول العربية فيها ترتيبا تنازليا، ولا أحسب بلادنا أن تكون في الطليعة في المجالات المذكورة، فالتقرير ارتأى هذا، وليس بأيدينا ما يدحض هذا الرأي.

هوامش :
(1) ـ د.جاير عصفور/ الثقافة..التنمية..التغير الاجتماعي. شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/01/2007
(2) ـ د.أحمد أبو زيد/ الثقافة ومسيرة الإنسان.المرجع السابق.
(3) ـ الديك, اسكندر والأسعد, محمد مصطفى. دور الاتصال والإعلام في التنمية الشاملة. بيروت: المؤسّسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ 1993 ـ ص 20.
(4) ـ د. كميل حبيب/ الثقافة عامل أساسي في التنمية الشاملة.بحوث ومحاضرات .موقع الجيش اللبناني.
(5) ـ أ.حواس محمود. عن التنمية الثقافية في العالم العربي/ جريدة الاتحاد الإماراتية.29 مارس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو