الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع في اليمن بين مسؤولية النظام والتدخل الإقليمي

نقولا الزهر

2010 / 2 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


لا يمكن فصل ما يجري في شمال اليمن و جنوبه ووسطه عن أزمته الداخلية الشاملة، إن كان على صعيد النظام السياسي أو على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وإن التمرد الحوثي لا يخرج عن مفاعيل هذه الأزمة وتأثيراتها ، التي يتحمل النظام جزءاً كبيراً من مسؤوليتها.
فالحرب التي تدور في الشمال في منطقة صعدة، ليست جديدة على اليمن وهي الآن في جولتها السادسة، ولمَّا يتمكن النظام الحاكم من حسمها عسكرياً. وإن فصائل المعارضة كافة لا ترى أنه يمكن حل هذه الأزمة عسكرياً، وتطالب هذه الفصائل منذ بداية الصراع النظام إلى وضع حل سياسي لها عبر حوار وطني شامل تتمثل فيه كل القوى السياسية والاجتماعية.
إن حرب الحوثيين باتت أقرب إلى الحرب الأهلية، وكان اليمن قد شهد مثلها سابقاً، وفي المنطقة ذاتها، بعد حركة عبدالله السلال العسكرية التي أطاحت بحكم الإمامة في 26 ايلول عام 1962. وفي تلك الفترة كان الملكيون يستمدون دعمهم من السعودية في الوقت الذي كانت مصر تدعم الجمهوريين. وفي النهاية لم ينته ذلك الصراع إلا عبر الحل السياسي.
كذلك ما يجري في الجنوب باسم "الحراك الجنوبي"، هو من مخلفات حرب عام 1994 التي انتهت بتوحيد اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي. لكن يبدو أن النظام السياسي القائم في اليمن، لم يستطع أن يقوم بمنجزات ذات أهمية، على مستوى التوحيد الوطني، وعلى الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا بعد انقلاب 26 ايلول عام 1962، ولا بعد حرب توحيد اليمنين في عام 1994 .
-1-
إن محور الأزمة في اليمن يكمن في النظام السياسي؛ الذي لم يتمكن من أن يخطوَ خطوة جدية ملموسة على طريق بناء الدولة الحديثة. فالنظام الجمهوري بقي عنواناً فقط، والديموقراطية لم تكن أكثر من لبوس ظاهري، ولا يزال الرئيس على عبدالله صالح حاكماً لليمن منذ أكثر من ثلاثة عقود. وكذلك بعد توحيد الشمال والجنوب عسكرياً، فشلت السلطة الحاكمة في تأسيس دولة وطنية ديموقراطية موحدة قائمة على المواطنة والمساواة والمشاركة. و إن الكلام المتواتر الذي يدور على لسان الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين من اليمن وخارجه، يشير إلى وجود وصاية شمالية على أهل الجنوب، وعملية نهب كبرى لأراضيهم يقوم بها المتنفذون من أعوان السلطة.
إن سياسة الإقصاء والتهميش لا تطال الجنوبيين فقط، إنما تتناول معظم سكان المناطق الطرفية اليمنية النائية. وكذلك لايمكن تجاهل الوضع العشائري المتخلف في اليمن. ولم تحرز السلطة اليمنية في عهد الرئيس علي عبدالله صالح تقدماً ملموساً في تقليص وإنهاء العلاقات والعادات القبائلية والعشائرية، باتجاه بناء المجتمع المدني الحديث. وترافق هذا الوضع القبائلي، مع قضية السلاح المنتشر بقوة في كل أنحاء اليمن بدءاً من الأسلحة الفردية وصولاً إلى المدافع الثقيلة والدبابات أحياناً. وهذا يعني في المحصلة أن النظام لا يسيطر تماماً إلا على العاصمة و بعض المدن الرئيسية. وفي هذا السياق يمكن مقارنة اليمن ببعض البلدان الفاشلة مثل الصومال وأفغانستان وحتى باكستان، التي يخوض جيشها منذ فترة معارك ضارية مع القبائل في مناطق مختلفة. وفي الواقع علينا ألا نقلل من خطورة هذا الوضع القبائلي، ولا ننسى أنه كان سببا رئيساً في الصراع الدموي بين (الرفاق الاشتراكيين) والذي أدى إلى انهيار اليمن الجنوبي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة تتفاقم في اليمن يوماً عن يوم، ويكاد لا يتجاوز متوسط دخل الفرد فيها 400 – 600 دولار سنوياً. ويبدو أن الواردات النفطية لم تستخدم في تحسين المستوى المعيشي للناس، وقد انخفضت هذه الواردات حوالي 75%. وكذلك كرست البنية السياسية والاجتماعية للنظام الحاكم الفساد الإداري الشامل، وهذا أدى إلى تزايد جيش المهمشين والفقراء، وعمل على تركيز الثروة في أيدي طبقة صغيرة من السكان.
لذلك من الطبيعي أن يخلق هذا الوضع المأزوم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بيئة خصبة جداً للعودة إلى المشاريع السياسية الماضوية التقسيمية المستدعاة من التاريخ على أسس عشائرية أن تصبح اليمن مركزاً هاماً لنشاط جماعات "القاعدة" ومخزناً ومصدراً للنشطاء الإرهابين، وقد رأينا في الفترة الأخيرة تحركاتهم العسكرية العلنية في (أبين ) و(أرحب) و(شبوة) وحتى صنعاء. وهنالك من أخذ يصنف اليمن في المرتبة الثالثة بين الدول المنتجة للإرهاب بعد أفغانستان والباكستان. وبعض آخر يتوقع لليمن أن تكون في الطريق إلى وضعها تحت الوصاية الدولية كدولة فاشلة.
-2-
لا يوجد شك ، في أن الوضع السياسي والاجتماعي الراهن في اليمن، يشكل سبباً رئيساً للتمرد الحوثي في صعدة والملاحيظ وحرف سفيان والجوف، وكذلك سبباً للحراك الجنوبي الذي يدعو إلى الانفصال عن الشمال.. وإذا كان يدور الحديث كثيراً في هذه الفترة عن دور للنظام الإيراني في دعم التمرد الحوثي، ويعمل على استثماره سياسياً لصالحه فهذا طبيعي جداً؛ فالفراغ والضعف يجذبان التدخل الخارجي. ويقول المحلل السياسي السعودي البارز خالد الدخيل عن هذا الدور:"أنه استمرار لسياسة طهران الثابتة في الاستفادة من تداعيات الحالة العربية في منطقة الجزيرة والخليج العربي. بدأت هذه الحالة مع الغزو العراقي للكويت وانتهت بالغزو الأميركي للعراق وتدميره وبتعاون إيراني مكشوف". من هنا، علينا ألا نهمل مسؤولية النظام اليمني ومسؤولية السعودية وباقي دول الخليج عن هذا التدهور القائم في اليمن، الذي يشكل عاملاً مباشراً في هذا التدخل.
إن مسألة الحوثيين ليست في الأصل تدبيراً إيرانياً، لكن الاستراتيجية السياسية الإيرانية الراهنة تقوم على استثمار أي أزمة داخلية في الإقليم الشرق أوسطي للتدخل فيها من أجل توسيع نفوذها فيه، وتدعيم أوراقها السياسية التفاوضية في أزمتها الحالية مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.
ومن الخطأ ابتسار الدعم الإيراني للتمرد الحوثي على خلفية الصراع السني- الشيعي. فعلى هذا الصعيد، منظمتا حماس والجهاد الإسلامي على الساحة الفلسطينية لا تأخذان دعمهما من ايران على خلفية شيعية. وقد رأينا أيضاً في أوائل التسعينات إبان الصراع على ناغورني غارباخ، أن ايران لم تقف إلى جانب الأذريجانيين الشيعة بل كانت في موقفها أقرب إلى الأرمن. فقد كان من مصلحتها آنذاك أن لا يتعاظم النفوذ التركي في القفقاس وآسيا الوسطى.
وعلاوة على ذلك، فاليمن في بنيتها لا تتسم مثل بعض الدول العربية الأخرى بالفسيفسائية الديموغرافية، وهي ليست كالعراق ولبنان، فالعرب يشكلون فيها نسبة 97% واليهود والهندوس وباقي الفئات لا يشكلون أكثر من 3%، وكذلك الحال بالنسبة إلى هويتها الدينية، فيشكل المسلمون فيها 97%، الشوافعة بنسبة 55% والزيديون بنسبة 42% وباقي الفئات من يهود وهندوس وآخرين لا تتجاوز نسبتهم 3%(هذا بحسب الأطلس الدولي/ الفرنسي إصدار عام 2000). والزيديون ليسوا شيعة تماماً؛ فقد تفارقوا تاريخياً عن الخط الجعفري/ الإثنى عشري بزعامة الإمام زيد ابن الإمام الرابع زين العابدين علي ابن الحسين. وكذلك علينا ألا نطابق بين الحوثيين كقبيلة والزيديين كمذهب ديني.
لكن المسألة اليمنية ازدادت تعقيداً وخطورة مع تسلل الحوثيين إلى السعودية عبر الحدود اليمنية. فهذا التسلل، وفي المنطقة الجغرافية التي يجري فيها، قد أحدث تداعيات أمنية وسياسية محلية وإقليمية، والخطورة هنا هي إمكانية نشوء إمارة حوثية، وبالتالي تفاقم وجود النفوذ الإيراني في جنوب الجزيرة العربية. وقد كانت الاستراتيجية العسكرية للحوثيين تسعى إلى هذا الهدف، بتوسيع منطقة تواجدهم والوصول إلى البحر والسيطرة على ميناء (ميدي) لتأمين مواصلة إمدادهم بالمؤونة والسلاح. وحاول الحوثيون خوض حرب استنزاف مع الجيش السعودي مستغلين وعورة المنطقة والبنية العشائرية التاريخية المتماثلة في(منطقة عسير). والوجه الآخر لهذه الخطورة أخذ بعداً دولياً؛ حيث التهديد هنا لمنابع النفط وطرق نقله إلى العالم وإمكانية فقدان السيطرةعلى(باب المندب). ولكن الجيش السعودي كان تدخله سريعاً وتمكن من إعادة سيطرته على مناطق التسلل قبل نهاية الأسبوع الثاني من بدء المواجهة العسكرية، وعمل على محاصرة مرفأ ميدي، و سيطر جوياً على منطقة عازلة جنوب الحدود في داخل اليمن. وكان رد الفعل الإيراني سريعاً ضد الموقف العسكري السعودي على لسان نجاد ومتكي ولاريجاني وأوساط جزب الله في لبنان.ولكن رغم تمكن السعوديين من ردِّ التسلل الحوثي على أعقابه يبقى التساؤل قائماً؟ فهل يستطيع النظام اليمني حسم معركته مع الحوثيين عسكرياً في هذه الجولة؟ وإذا استطاع حسمها هذه المرة فهل يضمن عدم تمردهم في حرب سابعة؟
-3-
لا نعتقد أن الصراع مع الحوثيين يمكن أن يحسم عسكرياً. وأكثر المحللين السياسيين، وكذلك المعارضون للنظام بمختلف فصائلهم، يجمعون على عدم إمكانية حل المسألة الحوثية عبر القوة العسكرية، إنما حلها مع حل باقي المشاكل اليمنية قي الجنوب وغير الجنوب، لا يتم إلا عبر الحوار الوطني، من أجل التوصل إلى حلول سياسية لإشراك كامل أطراف النسيج اليمني في القرار السياسي، والعمل على المساواة في الحقوق بين الجنوبيين والشماليين، وبين الشافعيين والزيديين وكل المواطنين الآخرين. فلا بد من إنهاء سياسة الإقصاء والتهميش والوصاية التي يستخدمها النظام الحاكم. وأي تحصين لليمن من التدخل الخارجي يبدأ من التغيير والإصلاح الداخلي. وإلا فالكرم البور يتسابق عليه الحراثون من الخارج! وليس من خارج واحد وإنما من خوارج!
وهذا ما نشهده الآن، إذ لم تعد تطورات المسألة اليمنية محصورة في اليمن، إنما أخذت تشكل أخطاراً وتهديدات أمنية للجزيرة العربية كلها؛ ورد فعل الولايات المتحدة والغرب عموماً لم يكن خافياً على أحد، وفي الواقع الخوف على السعودية ودول الخليج أكثر من الخوف على اليمن. فهنا أكبر مستودع للنفط العالمي. وبدأ وزراء الخارجية الغربيون يتقاطرون إلى اليمن بما فيهم وزير الخارجية الألماني، والوزيرة كلينتون تعتبر الوضع اليمني أنه صار يشكل خطراً على العالم بأسره، وجاءت الصدامات المتوالية بين الجيش اليمني وعناصر القاعدة لتعطي معالجة الوضع اليمني في مقدمة الاهتمامات الدولية، ويطرح براون رئيس الوزراء البريطاني عقد مؤتمر دولي في لندن.
وقد سارع أيضاً المحللون السياسيون في دول الخليج، إلى تحميل دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولية مباشرة فيما يتعلق بمعالجة الوضع اليمني. و بعضهم أخذ يطرح ضرورة قيام "مشروع مارشال" خليجي للنهوض باقتصاد اليمن ، ولكن في آن شكك هؤلاء في نجاح مثل هذا المشروع إذا لم تجر تغييرات سياسية جدية في اليمن، تضمن إمكانية نجاحه وخروج اليمن من أزمته الراهنة. ويبدو أن الأزمة اليمنية بما تحمله من هواجس جيوسياسية إقليمية، قد انعكست على العلاقات العربية ونشهد في الأفق محاولة جديدة لإحياء التضامن العربي.
في كل الأحوال، الوضع اليمني يبعث على القلق، فالفقر يطال أكثر من 60% من اليمنيين، والفساد يشمل كل مؤسسات الدولة، والموارد النفطية تتراجع، و لا نعتقد أن اليمن بوضعه الراهن قادر على مواجهة أزمته وحده، فلا بد من أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي، وبالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية، بخطوة إنقاذية يمكن أن تمهد الطريق لضم اليمن إلى مجلس التعاون وفق مشروع إصلاحي شامل. وإن أي تقاعس عن القيام بمثل هذه الخطوة الإنقاذية ، لا يعرض فقط اليمن ووحدته للتفكك والفوضى، وإنما محيطه أيضاً!
دمشق في 6/1/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-