الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقص اخيرا

فاتن الجابري

2010 / 2 / 5
الادب والفن


رقص أخيراً
فجأة انقلب حفل العرس إلى هرج ومرج وظلام دامس بعد انقطاع التيار الكهربائي , أقدام مهرولة وأجساد تتصادم وسط صرخات الصغار الخائفين ، هرب المغنون والموسيقيون حملوا آلاتهم واختفوا من الحلبة , تركوها ممددة وسط تدفقات دمها النازف , قبل دقائق كانت تسحر العقول بتموجات جسدها المتناسقة ، تتمايل مع الموسيقى في دلال بين الحاضرين , في العتمة تلقفت يداه جسدها الطري وحملها بين ذراعيه القويتين منطلقا كالسهم الى داخل البيت وقد غطت ملامح وجهها الدماء التي تسيل بغزارة من جرح عميق في رأسها, يشق طريقه بين الناس ، صارخاً :
ابتعدوا ستموت الراقصة
كثور هائج يرعد ويزبد ويشتم :
أولاد الكلاب أفسحوا الطريق
منذ صباح اليوم كان متهيئاً لحضور حفلة العرس ، شهد تحضيراتها و رائحة اللحم والمرق التي تفوح من القدور غازلت شهيته المفرطة للطعام ، عند الغروب تراكض الأطفال باتجاه حفلة العرس تحلقوا خلف الكراسي وسط الشارع وقد رصت الموائد الحديدية وعليها صواني كبيرة عامرة باللحم والرز دخل فوزي بقامته الفارعة وكرشه المتدلي متبخترا ببزته الخاكية التي تضفي على مقدمه حضورا وهيبة خادعة لمن لا يعرفه، أستهل كلامه بتلك البطولات التي خاضها على جبهات القتال وعن أجمل ذكرياته يوم أسر تسعة جنود في إحدى المعارك ، يتهامس الحاضرون وينصرفون عن مواصلة الاستماع ويستمر بالثرثرة ، يتأتئ بلغة طفولية غير مفهومة قدراته الذهنية توقفت عند سن الرابعة من عمره جسد رجل ضخم وعقل طفل مشاكس عنيد ، رغم تخلفه العقلي لكنه لم يعفى من الخدمة الإلزامية أمضى جل خدمته يجمع القمامة ويرميها في الحاويات الكبيرة , بمزاج طفولي حين يمل لعبته يتركها ويغادر المعسكر غير مبال بالعقوبات العسكرية التي سوف تنفذ عليه ، والتي جعلت خدمته تمتد لأكثر من عشرة أعوام , يتسكع ذارعاً الشوارع ببزته العسكرية حين يطرده والده من البيت ، لما يثيره من مشاكل للعائلة والجيران , يتسكع بالأزقة تلاحقه أصوات الأطفال خلفه في زفة وهم يرددون هيهه فوزي المجنون ، يلتفت إليهم والشرريتطاير من عينيه يجري ورائهم محاولا الأنقضاض عليهم ضربا وركلا يختفون من أمامه بسرعة شيطانية ويتركونه للمشهد ذاته يتكرر كل يوم ، لحظات غضبه لا يطفئها سوى سيجارة يتوسل المارة بطلبها , وأن شحت عليه ينحني إلى الأرض يلتقط أعقاب السجائر، منذ ثلاثة أيام لم يدخن سيجارة كاملة تلك البقايا لا تروي غليله يحلم بعلبة سجائر سومر زرقاء يضعها في جيبه ويتباهى أمام شباب الحي , لم يذق وجبة طعام خلال تلك الأيام التي أصبح فيها مشرداً ، أكل بشراهة وحشية واحتسى سبع قناني من البيرة وانتشى يرقص على موسيقى الأغاني الصادحة التي تتراقص على أنغامها مجموعة من الراقصات الغجريات ، يحركن رؤسهن يميناً وشمالاً قاذفات شلالات من الشعر الأسود ، يلامسنه بعطرهن النفاث ، تشتعل الغريزة الفطرية في رأسه يترنح يحتضنها ، تنزلق من بين أحضانه ، بعد أن لوح لها بنصف دينار هو ما تبقى من ثمن ساعة أخته التي باعها قبل أيام ، يقرص فخذها ويغمزها أن تعيد له ربع دينار ، لكنها تنفلت هاربة كفراشة راقصة إلى حضن رجل آخر ، لوح لها بدينار كامل ، يتبعها مذكراً إياها بربعه المتبقي ، تتجاهله ، يفور قلبه ، مردداً على مسامع الجميع ، أعيدي لي ربعي أيتها العاهرة ، يلقي به الرجال خارج حلبة الرقص ، يقف في زاوية بعيدة ، عينيه الخضراوين الواسعتين تقدح نيراناً ، وقد أحمرتا من فرط الخمرة التي أفقدته توازنه ، وأسقطته أرضاً ، لكنه أفاق وشب واقفاً مثل أسد جريح وسط الظلمة ، حمل زجاجة فارغة ، دس جسده بين المتدافعين ، أجهز ضرباً على رأس الراقصة من الخلف تهاوت متخبطة بدمائها ، وقد أطلقت صرخة واحدة ، حملها بسرعة حين غابت عن الوعي بين يديه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى