الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الحذاء والنعل العسكري

فاضل فضة

2004 / 7 / 4
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


قال أحد الأصدقاء: لماذا تذكر أحذية العسكر في مقالاتك، لماذا لا تستخدم كلمة " نعال " وبدأ يشرح لي ما الفرق بين الحذاء والنعل.
نظرت بعدها الى حذائي. فرأيته هادئاً مسكيناً يحاول أن يختبئ من عيوني المتفحصة له في صدى معنى الحذاء أو النعل. ولأنني لا أعرف أي شيء عن العسكر، فإنني رفعت النظر عن الحذاء وأرحته من نظرات، أعتقد أنه خاف منها كونها ذكرّته بالعسكر العربي المعاصر ذائع الصيت بممارساته الحميدة وأدائه الوطني العظيم في تاريخنا المعاصر. ولا أدري إن كان يتوجب الحديث عن هذا العسكر. كونهم ما زالوا ومنذ زمن كابوساً في قلوب وعقول البشر في الأوطان العربية.
ينطوي العسكر في الدول المتقدمة، في كافة مظاهره تحت لواء السلطة السياسية المدنية، ولا يحق لهم التدخل بشؤون إدارة الدولة، إلاّ من خلال وزارة الدفاع. ويقسم العسكري بالولاء للوطن والعمل على حمايته. وأهم جزء هنا، هو قسم احترام سيادة الدستور والعمل بشرائعه، الهيكل الأساسي لبنية الدولة الحضارية.
لذا يحاسب العسكري الغربي على أدائه في مهماته اليومية والميدانية، يحاسب على نجاحه أو فشله، ويستقيل أو يتقاعد عند انتهاء مدة الخدمة الطوعية غالباً. يعود بعدها الى قواعده المدنيةً مواطناً عادياً، له حقوقه وواجباته المتساوية مع أيّ مواطن أخر مدني أو عسكري.
وفي بلاد العرب أوطاني، كان العسكري المكون الأساسي في كيان الدولة والسلطة السياسية، ونقمة مزمنة وهمّا قاتلاً في حياة المواطنين. وفي عصرنا الجديد مازال حامي إغتصاب حقهم وحرّيتهم، وحامي حمى الحاكم الغير مشّرع بسلطة الدستور أو القانون أو الإنتخابات. ومشاركاً في فساد السلطة وهدر الأموال العامة.
في الغرب، لايوجد مظاهر اللباس العسكري في الحياة المدنية، إلا قرب الثكنات ومراكز الجيش، كما لا يشاهد المواطن أي شرطي في ثياب الشرطة إلا في أوقات العمل، حيث يذهب إلى مركز الشرطة بثيابه المدنية، يغيرها ثم يبدأ ببمارسة عمله، وعندما ينته يعود إلى المركز ليعاود لبس ثيابه المدنية، وركوب سيارته الخاصة مغادراً إلى منزله، وليس غريباً الاّ يعرف جيرانه أنه يعمل في جهاز الشرطة!
هذا النمط المتقدم من عمل رجال الشرطة في بعض بلاد الغرب، غير موجود في البلاد العربية، إذ يبعث العسكر ورجال الشرطة الخوف الغير مباشر في حياة المواطن، كونه يستمد قوته من رتبته العسكرية علاقاته ولباسه وسيارته. لذا شاع في حياة الناس حذر وخوف ورعب من كل ماهو عسكري أو أمني أو شرطي. واصبح المواطن شبيها بمواطن الدرجة الثانية بعد كل كيان عسكري، وسادت هذه الحالة كعرف إجتماعي وتقليد تاريخي، يراه الجميع في الحياة العادية وفي المسلسلات التلفزيونية، عندما يترافق خوف المواطن من مقابلة أي لباس عسكري أو عند تقديم ولاء الطاعة لأي ضابط بمناداته "سيدي"، أو "سيادة الضابط" او أي لقب أخر بينما في الحقيقة لايفرق العسكري عن أي موظف حكومي، كونه موظف مستهلك، غير منتج خاصة في بلاد لاتعرف الحروب، كما هو حاصل في عديد من البلاد العربية.
وبدلاً من القيام بواجب حماية الوطن المهمة الأولى والأساسية له، وحماية الدستور والعمل من خلال بنوده – المهمة الحضارية الثانية - والمساعدة في تطور الدولة والمجتمع من خلال العمل الشرطي، أو عمل الدفاع المدني أو غيرها، كانت الجيوش العربية في معظم نتاجها التاريخي المعاصر، حراس النظام القمعي العربي والمشرع الأول لممارسة الفساد السطوي في شتى أنواعه. وكان حجر الطاحون الكبير الراقد على صدر المواطن والوطن، لا مؤسسة تابعة للسلطة المدنية المختارة من قبل الشعب.
قد يكون الجيش ضرورة تاريخية ووضعية لأي دولة لتأمين الحماية لها. وهذا ما هو حاصل في دول العالم. أما في العالم العربي فإنه كان وما زال مصيبة وسرطاناً وعقبة أساسية في المحاولات العديدة للخروج من أنفاق الظلام المحاصر لحياة المواطنين الذين لاهمّ لهم إلا أمان إقتصادي وإجتماعي لأأكثر.
كيف يتم صياغة دور العسكر وتوابعهم من مؤسسات أمنية منتشره في كل أركان الحياة والمجتمع المدني، ومؤسسات شرطية تعمل ضمن مفهوم توصيف العمل ووظائفه في كيان الدولة بدون أي دور سياسي. وكيف تتم المساواة بين المواطن المدني والمواطن العسكري في قيم حقوق المواطنة بدون أي أمتياز. هذه الكيف الصعبة الأن، قضية معقدة في تشعباتها كونها ذات أثار تاريخية مترسخة لمفهوم القوة السائد في كيان أي حكم عربي.
وقد يكون التحرر من نعال العسكر قضية هامة، كما يحب صديقي، أو قد يكون من الضروري إيجاد حلولاً استراتيجية لوطن جديد بعيداً عن تدخل الجيش والأمن والشرطة في تفاصيل الحياة السياسية والإقتصادية.
ولايشك أحداً أن المواطن العربي مع عسكر وطني، يقسم ويحترم بإنه سيحمي الدستور والوطن. وأنه في موقعه العسكري الشرطي أو الأمني، مواطن ومواطن فقط، في دولة سيادة القانون المنصف في أرقى صوره.
فلا حاجة إلى سيادة ضابط، ولا إلى سيدي إلاَ في الثكنات العسكرية. ولامزايا أو الحق بالتحكم بحقوق الأخرين واستعبادهم، او حتى لبس البذلة العسكرية في الشارع إلا في حالات الحرب وإقتضاء الضرورة، عندها لا يهم ابداً أن يكون للحذاء او النعل أية قيمة معنوية في حياتنا وفضاءاتنا الفكرية والمعيشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً