الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة كازانوفا

احمد ثامر جهاد

2004 / 7 / 4
الادب والفن


من الأدب إلى السينما
نجد في اختيار القصص الرومانسية ما يغري طرفي المعادلة السينمائية ( المخرج – الجمهور ) للذهاب نحو صناعة أفلام درامية تتمسك بمتعة تفترش الأعماق وبحضورها يكتمل جمال الأشياء . خاصة ما يستند منها إلى اصل أدبي تخلق جدارته نوعا من التواصل الحي ما بين الكلمة والصورة بوسعه إذكاء الشعور الإنساني .
ومن دون تصميم مسبق تعود القصص إلى فناء الشخصية – الأسطورة أو لنقل بقدر ما تتلون أصداء الشخصيات المتعرشة في ذاكرتنا (كمتلقين ) خلال ظهورها المتناوب ، تصبح جديرة بالحياة مرة أخرى ، فتستحق محاولات المبدعين - بمختلف فنونهم - لتخليدها في صورة عصرية تنفتح أمام أي تفسير جديد لها ، قد يجرب في حدوده القصوى قلب معادلتها التاريخية أو تفعيل حضورها على ضفة التأويل عبر الاحتفاء بها أو تأمل مغزاها المتجدد .
ومع أن هناك مسافة طويلة واحتضار شاسع بين حاجة الجمهور إلى هذا النمط من الأفلام وبين إدمانهم قصصا تفضي بتكرارها إلى تقليد ساذج ، فثمة ضوء إنساني مسه الجنون دائما ، يوصف بأنه فرحة مستفزة للوجدان البشري
تطالب بانتزاعها من الدوامات الغائمة ومن صفرة التدني في نسق الحياة أو الشعور بها .
إن السينما بوصفها إحدى أهم أساليب القرن الفنية اقترابا من حس المتلقي ، بدا نصيبها من الأدب كبيرا إلى درجة ندر فيها وجود شخصية معروفة ( سياسية ، اجتماعية ، فنية ) لم تنل نصيبها في عمل سينمائي يوثقها قديما أو حديثا . بل أن الغالبية منها تعرض إلى أكثر من صياغة سينمائية قدمت فهمها وتفسيرها الخاص لها وبما تجده ملائما ومقبولا . أفلام لا يتسع المجال لذكرها عن أبطال ملاحم الإغريق والشكسبيريات وعن تاريخ الشرق وأساطيره . وبلا شك لا تملك كل الشخصيات الأدبية ذات الامتداد في ذاكرة الشكل الفني . بعضها يلقي بظله طويلا على الأثر المكتوب ، بينما يندثر بعضها الأخر . أجمالا تبدو الشخصية التي تتعدد وتتفاعل ميول العصر فيها أكثر إصرارا في حضورها الممتد عبر ذاكرة الأجيال وأشد إسهاما بتخليق " المعنى" وتجديده .
 كازانوفا السينما الفرنسية :
وفقا لزاوية حديثنا هذا ، يكون اختيار المخرج (إدوارد نيرفن ) جميلا في تقديم فيلمه ( عودة كازانوفا ) الذي اعتمد نص الكاتب (آرثر سنتزلر) ، وطريفة أيضا محاولته تقديم العاشق المجنون (كازانوفا) بحلة مختلفة ، تصوره وقد خابت بطولاته وغادرته وسامته ، وهو الذي ليس لسواه تذوى قلوب العذارى ، طمعا في حبه أو بحثا عن اثر حقيقي له . و(كازانوفا ) السينما الفرنسية سيكون متجاورا مع (كازانوفا آخر) كان المخرج فلليني- عبقري السينما الإيطالية -
قد قدمه سابقا برؤية خاصة تنسجم مع تصوره للسينما .
في هذه المرة سنشاهد المحاولات الأخيرة ( لكازانوفا ) وقد خانته حيلته في إغواء الفتيات وغزا الشيب رأسه وما عاد ذاك الشاب الساحر بطلعته ولباقة حديثه ، إن لم تكن شعريته الفائقة .
فإليه يلجأ متعلما كل عاشق عاجز عن الحديث الجريء ! لكنه (كازانوفا) ذاته ، المغامر الذي تسبقه سمعته مثل فارس أو شاعر نبيل إلى أي مكان يحط فيه ، متنقلا كضيف مرغوب ومحتفى به من قبل الجميع ، وذلك بعد أن توارت حياته الماضية في موطنه " إيطاليا " .
ليس ( كازانوفا ) شخصية سهلة يمكن اكتناهها أو تقليدهـا بسـهولة ، ففيها تتجسّد كل الطموحات التي تنسجم مع إبداع يحققه رجال يمتلكون عبقرية فذة في الحصول على مبتغاهم لينالوا إعجاب الناس ، إنْ بحدة مواهبهم أو ببراعة أسلوبهم . أما حياته المكرسة لفنون الحب فتبدو جديرة بالملاحظة مع حيوات أخرى وَسَمت أسماء مبدعين كبار مثل ( بتهوفن ودافنشي ونيجنسكي وبيكاسو ). من جهته لم يتوغل الفيلم كثيرا في تقصي أسرار مغامرات (كازانوفا) أو في تفسير طبيعة قلقه الوجودي ، ناهيك عن عبثه المتأصل . واكتفى بالوقوف عند أجزاء من سيرته التي طرحها عبر مشاهد سريعة عرضت شيئا عن أيامه المتعثرة مع فتاة طموح بشكل غير اعتيادي ، عجزت لباقته المدهشة في استمالتها بعيدا عن اهتماماتها العلمية والفنية ، لذلك صعب عليه وضعها في مخيلته كموضوع جنسي يسهل نيله . وكما هو معروف من النادر أن يتساءل (كازانوفا ) : إذا ما كانت تلك رغبة صادقة تستحق المغامرة ؟
يحاول الفيلم بإيقاعه الهادئ أن يرينا شيئا من سيرة هذا الشاعر التي احتوت على قدر كاف من المتعة والبراعة بحيلٍ لا نهاية لها ، جعلت من جنون طبيعته مبدأ معقولا لتجاوز لا انتمائه . لقد أدرك (كازانوفا) انه أسطورة عصره ، مثلما خبر أن ميزة فيه ستنصبه مثلا لأجيال لاحقة ، فدون أغلب غزواته الجنسية في مذكراته التي أصبحت نموذجا للنفسية الدونجوانية … وعنها يقول (كولن ويلسون ) في كتابه ( أصول الدافع الجنسي ) : إن مذكرات كازانوفا هي تحفة أدبية رائعة ، ظن بعض النقاد أن مؤلفها هو ستندال ، ذلك لبراعتها في السرد وشاعريتها المحظورة ، وفيها يذكر كازانوفا إن أول حادثة غرامية وقعت له كانت في سن المراهقة ، أما تجربته الجنسية الأولى ، فلم تحدث مع امرأة واحدة بل اثنتين . وفي مكان أخر يقول الكاتب :" من النادر أن يلاقي كازانوفا إعراضا أو مهانة من النساء التي وقــع عليهن اخــتياره ، وان حدث وعارضت واحدة منهن غزله ( مثلما حدث في الفيلم ) فنجده وقد التجأ إلى الحيلة …"
وفي الحيلة تحديداٌ تظهر قدراته الذاتية الحقيقية على التحدي والمراوغة ، وتحقق بداهته الذهنية قدحاً سريعاً يُقاد لقوة نزواتهِ ، وهي أسلوبه الأصيل في معرفة الذات والسيطرة عليها . ولكي يتوقف كازانوفا عن التفكير بالمرأة ( بسعة دلالتها ) عليه أن يلاقيها ، مستعيداً هيبته إذا ما وضعها في المسار الصحيح ، ساخراً من مراهقتها المغالية في تصديق هراءات ( فولتير وروسو ) ، فلا شيء يعادل جوا مشحونا بالعواطف يخلقه لنفسه أو كشفا لمفاتن اللذة الآسرة أو حديثا هامسا عن أمنيات الشيطان وجنون الجسد ، وكلها في النهاية ضرب من التحرر الواثق من سلطة العقل أو غروره .
أما تلك الحيل الجميلة فهي ذخيرة خياله المتقد ، ولا يمكن لها- بحال من الأحوال- أن تستنفد لأن حياته ببساطة تبدأ مع كل مغامرة جديدة ..
بالتأكيد ليس كل ما دونه ( كازانوفا ) في مذكراته ، قد وقع له حقيقة ، إنما ما تمناه على نحو خاص سيكون حدثا عظيما لو انه نال الوصف بطريقة مؤثرة ، فحياته الجميلة وخياله الخصب يتبادلان التأثير لجعل الواقعة ممكنة .
وفي عودة للفيلم الذي يكشف عنوانه ( عودة كازانوفا ) عن استراحة قصيرة للمحارب قبل الخوض مجددا في الحياة وإعلان حالة الحب أو التظاهر به ، تبدو غزوات ( كازانوفا ) سهلة قياسا بهمومه الكبيرة ، فهل هي المراوغة التي التجأ إليها الفيلم للدلالة على أصالة هذه الشخصية ومواهبها العديدة ؟
ربما يبدو الطريق مفتوحا أمام وضع هذه الشخصية الحية مع صف آخر طويل من ذوي الثقة بالنفس .
وهنا بودنا أن نشير في زحمة الحديث عن ذاك العاشق ، أن لكازانوفا صديـقا ورفيقا دائما اسمه (كميل) ، كان بمثابة الظل اللصيق له . مثلما في معـــظم شخصيات الأدب الكلاسيكي القـديم ( سانشو- دون كيشوت )
و ( سجاناريل - دون جوان ) . و ( كميل ) هو الممهد لأفعال ( الشخصية – كازانوفا ) كاتم أسرارها وأول المتضررين بمشاكلها لكنه على الدوام صديق وَفي وظل تابع وهو الصوت الراوي لإحداث الفيلم من موقعه المؤثر . وكأن الأمر بتكراره الملحوظ إشارة دالة إلى ثنائية ملازمة تبرز مسألة الذات وظلها ، انسجامها أو انشطارها ستحتاج من الدارس وقفة أخرى لتأملها .
ذلك الفنان البارع ( كازانوفا ) الذي جسده على الشاشة النجم ( ألن ديلون ) بتمكن وحب للشخصية ، صيَّر الحب ممارسة طيعة ، نوعا متفردا لفن الحواس ليقول بلسان بارع :
( إذا لم تعرف أن سريرك قاسيا ، ستنام نوما هانئا …) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح