الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روناك شوقي واشكالية المسرح المهاجر

عبد الله حبه

2010 / 2 / 6
الادب والفن


لا يماري أحد في ان الفنان المسرحي العراقي يفقد الكثير من هويته الابداعية لدى وجوده فوق خشبة خارج اجواء الوطن والاهم بعيدا عن جمهوره الواسع. وقد فجع المسرح العراقي بهجرة العديد من خيرة فنانيه من ممثلين ومخرجين الى ارض الله الواسعة بعد ان عانى من القيود والاذلال في ارض وطنه. ومحنة المسرح العراقي هي جزء من محنة الثقافة العراقية عموما. وحاول البعض مواصلة العمل في الخارج مع فرق مسرحية غير عراقية ، بيد ان الفنان المسرحي قد ينجح في عمل او آخر في الخارج ، لكنه لا يستطيع الاستمرار في ذلك الى الابد. لأن الممثل العراقي يتجاوب بعمق اكبر مع افكار المخرج من ابناء بلده من الممثل العربي مهما كانت درجة موهبته.وكان ذلك حال عوني كرومي وقاسم محمد وبدري حسون فريد ومحسن السعدون وغيرهم.
والمخرجة والممثلة المبدعة روناك شوقي احدى الفنانات العراقيات العاملات في مجال المسرح في بلاد الغربة. والحقيقة ان اصرارها على مواصلة العمل المسرحي والتفاف فريق من المسرحيين الآخرين حولها أمر يبعث على الاعجاب. ولكنها منذ ان تركت فرقة مسرح بابل التي عملت في الثمانينيات في دمشق، حيث كانت توجد جالية عراقية كبيرة ويتوفر الجمهور العربي ايضا، وانتقلت للأقامة في بريطانيا صارت تجد صعوبة كبيرة في تحقيق قدراتها وايجاد ساحة عريضة لموهبتها.
لقد نشأت روناك (1953) في بيت ممثل كبير هو خليل شوقي وتذوقت منذ نعومة اطفالها رحيق حب المسرح ، كما ان جميع اقاربها كانوا يرتبطون بهذا القدر او ذاك بالمسرح والسينما. فكان من الطبيعي ان تلتحق بقسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة في بغداد حيث تخرجت منه في عام 1977 ، ثم سافرت الى موسكو للدراسة في معهد الدولة للفن المسرحي (غيتس) ، وهو المعهد الذي درس فيه قاسم محمد ومحسن السعدون وفاصل القزاز وغيرهم. وانهتروناك دراستها في قسم الاخراج في المعهد في عام 1984. وبعد ذلك بدأت رحلة الغربة حيث عاشت في سورية ومن ثم انتقلت الى لندن حيث شكلت فرقة " استديو الممثل" واخرجت عدة عروض مسرحية منها " شهرزاد" و"على ابواب الجنة" و" ابيض اسود.. واخضر" و"جلجامس" و" الخادمات" وغيرها. علما ان اكثر المسرحيات المقدمة ليست مأخوذة عن نصوص مسرحية جاهزة بل لجأت روناك الى اسلوب "الاعداد" لغالبية العروض المقدمة. والعرض المسرحي الاخير المقدم في لندن هو " خارج الزمن" قد تم اعداده ايضا بالاقتباس من رواية " حفلة التيس" للكاتب البيروي ماريو فارغاس يوسا، وساهم في هذا العمل الشاعر عواد ناصر. واعتقد ان " الاعداد "هذا يمثل نقطة الضعف الرئيسية في العرض المسرحي المذكور. فالمسرحية عموما تشبه السيمفونية في الموسيقى تتألف من مقدمة وعرض للفكرة ثم الذروة والخاتمة. لكن البناء الدرامي في عرض " خارج الزمن" كان يفتقر الى التدرج في نقل المشاهد الى هذه الذروة والختام. فقد كانت الخاتمة باهتة جدا. والمسألة ليست ان تظهر الدكتاتور بكل تناقضات شخصيته وقسوته ونزعته الى اذلال الاخرين وتكريس سطوته عليهم. ولربما ان اختيار النص المسرحي جاء بسبب ظروف الحياة في المهجر. فالعراقي في الغربة هو ليس كالعراقي في ارض الوطن من حيث اسلوب التفكيراذ يقع هناك تحت تأثيرات المناخ الذي يعيش فيه. ولو قدم هذا العرض في بغداد لكتب باللغة العامية الدارجة ولأحدث اثرا اعمق مما احدث لدى المشاهدين في العاصمة البريطانية الذين هم ايضا من ابناء الشتات. ان مشكلة الفنان المسرحي والسينمائي في الغربة عانت منها شعوب كثيرة وجدت فيها انظمة شمولية ودكتاتورية. فمثلا ان ستانيسلافسكي رفض البقاء في امريكا لدى زيارة فرقة مسرح موسكو الفني الى الولايات المتحدة بعد ثورة اكتوبر ونشوب الحرب الاهلية في روسيا. اذ قال للراغبين في البقاء ان جمهورنا الذي يفهمنا هناك.. اي في روسيا، وهكذا عاد الى وطنه بالرغم من عدم تقبله للنظام الجديد في قرارة نفسه. اما المخرج السينمائي العبقري اندريه تاركوفسكي فقد وجد نفسه بعد هجرته من الاتحاد السوفيتي في مأزق نفسي وفكري وجاء فيلمه " الحنين" ليس كأفلامه الاخرى التي انتجت في روسيا مثل "اندريه روبليوف" و" طفولة ايفان".
لكن لا يمكن التقليل من أهمية عمل روناك ، فهي مخرجة ذات موهبة متميزة. ولها اسلوبها الخاص في التعامل مع العرض المسرحي. وبالرغم من الامكانيات المحدودة في مسرح "كوكبيت" في لندن فقد استطاعت تكوين ميزانسيه جيد وتوزيع حركة الممثلين بشكل جذاب. لكنها ربما اخطأت حين ادت بنفسها دور الصبية ابنة الوزير التي يغتصبها الدكتاتور . وكان التأثير لدى المشاهدين سيكون اعمق لو ادت ذلك الدور احدى الممثلات الشابات. وعموما ان حبها للتمثيل واداء الدور الرئيسي بالذات الى جانب قيامها بمهمة الاخراج قد سلبها الكثير من الامكانيات في جعل العرض أكثر تألقا. لأنها لا تشاهد نفسها من جهة المتفرجين ولا تعرف مواضع الضعف في الاداء، مما جعل بعض المشاهدين يقول بعد العرض انها ربما " تتكلف" ولو ان هذا بعيد عن الواقع اذا توخينا الانصاف في الحكم.
ولا يسعنى سوى الاشادة بالممثل الذي ادى دور الدكتاتور (رسول الصغير) والوزير (علي فوزي) وهند الرماح(الفتاة) ومي شوقي (المربية) وبقية الممثلين.وكل ما اتمناه ان تجد روناك شوقي الفرصة لتقديم عروضها القادمة ليس في قاعة "كوكبيت" البائسة في احد اقبية لندن بل في المسرح الوطني في بغداد وامام جمهور غفير من العراقيين. ان المسرح العراقي بأمس الحاجة اليوم الى المواهب المنتشرة في اصقاع العالم من اجل تهيئة الظروف المناسبة للعمل والابداع . وهنا تقع مسئولية كبيرة على وزارة الثقافة العراقية في تحقيق ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
عادل حبه ( 2010 / 2 / 7 - 18:52 )
كاتب المقال هو أخي عبدالله حبه وليس الداعي عادل حبه. أرجو من الأخوان في الحوار المتمدن تصحيح الأمر مع جزيل الشكر.

اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل


.. عوام في بحر الكلام - قصة حياة الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: الأسطورة الخالدة الأغ


.. عوام في بحر الكلام - ما قاله الكاتب الصحفي منير مطاوع عن الش




.. عوام في بحر الكلام - المناصب التي وصل لها الشاعر إسماعيل الح