الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنة الخلد مثواك ايها المعلم.. فلامكان لك بيننا

حسين التميمي

2010 / 2 / 8
حقوق الانسان


قال لي مدير احدي المدارس المتوسطة وبوجل بعد ان قرأ لي بعض الاعمدة والمقالات المنشورة في الصحف والتي تتحدث عن الواقع التربوي في ديالي : استاذ انت لاتعلم ماعاناه ويعانيه المعلم في ديالي . ولم ينتظر مني الاجابة بل راح يسرد : استاذ .. قبل اربعة اعوام كان هناك معلم كبير السن جاءني في احد الايام وطلب مني المساعدة في تخصيص احد الصفوف المدرسية له .. ولأنني مدير مدرسة متوسطة ودوامنا صباحي بينما دوام المعلم الكبير بعد الظهر فقد استماحني ان امنحه احدي قاعات الدرس الشاغرة كي يتمكن من اعطاء طلابه حصة اضافية قبل بدء دوامه وبدون مقابل !! ولأنني فوجئت بهذا الطلب الغريب الذي لن يكلفني اي شيء وافقت علي الفور ورحت اتابع الموضوع .. واختلست بعض الفرص لأسأل طلابه .. واحيانا اولياء امورهم فأكد لي هؤلاء ان هذا المعلم هو مثال للامانة والشرف والخلق الرفيع وانه لايتقاضي لقاء مجهوده المضاعف هذا اي اجر!
ولم اكتف بهذا القدر بل سألت عن هذا المعلم في الوسط التدريسي وكان بينهم من يتسقط اي غلطة او سهو لأي من زملائه لكن فوجئت بان هؤلاء اجمعوا علي نزاهة هذا المعلم وحرصه الشديد علي ايصال الرسالة التعليمية بحذافيرها.
الرجل احيل بعد ذلك الي التقاعد ولم تكلف مديرية التربية نفسها الاحتفاء او الاحتفال به وبما قدمه للتعليم لأكثر من اربعين عاما .. ولم يكرم بل احيل الي التقاعد بين ليلة وضحاها وكأنه كان نسيا منسيا .
بعد ذلك تصاعدت اعمال العنف في المحافظة وحدثت الكثير من الاغتيالات وبدأ التهجير الطائفي وتحولت الكثير من حيطان المنازل الي لافتات ووسائل اعلامية للقوي المتطرفة .. وبدأ بعض هؤلاء بمزاولة هواية قطع الرؤوس ورميها بين اكوام النفايات في الازقة والشوارع .. وكان نصيب هذا المعلم العراقي الكبير الذي ربي وانشأ الكثير من الاجيال ان فصل رأسه عن جسده في منطقة الكاطون هو واحد اولاده دون اي ذنب او جريرة .. وقيل يومها ان بعضا من الاطفال او الصبية وبعد ان تعودوا علي مشاهدة الرؤوس المقطوعة صاروا يمرون بقربها دون اي احساس بالخوف .. وتطور هذا التبلد بالاحساس والتوحش واللا آدمية الي الاقتراب من تلك الرؤوس والعبث بها وكأنها مجرد كرات يمكن قذفها واللعب بها !!
قد يقول قائل انها مبالغة .. لكن ومما يؤسف له ان هذه المبالغة تحولت الي واقع معاش في تلك السنوات وكانت بعض النسوة (في مناطق اخري) يزغردن ويقمن بانفسهن وباستخدام الفؤوس والبلطات للاجاهز علي ما تم نسيانه من المغدورين ..وبطرق بشعة تفوق مافعله دراكولا. اقولها وبعتب كبير علي مديرية التربية لماذا ننسي هؤلاء الاساتذة الافاضل..؟ هؤلاء الذين افنوا زهرة شبابهم وواصلوا العطاء حتي في شيخوختهم ثم قتلوا شر قتلة ولم يحصلوا في النهاية علي اي تكريم او حفل تأبيني او استذكار متواضع لما قدموه . هل يصح هذا ؟! هل يصح ان يعامل هكذا من قيل فيه انه كاد يكون رسولا ؟! اخيرا ودعني صديقي مدير المدرسة وهو في غاية الحزن والشعور بالاحباط .. خيل لي وانا اغادر المدرسة انه تصور انني استمعت اليه من باب المجاملة وانني سانسي ماقيل لي ، سيما وانني لم اكن احمل قلما واوراقا كي ادون تلك القصة .. لكن تذكرت وبعد ان ابتعدت لمسافة طويلة عن تلك المدرسة انني سبق لي ان سمعت بقصة هذا المعلم الكبير في وقتها والهمتني كتابة قصة قصيرة جدا بعنوان (الرأس مقطوع الجثة) والاغرب من هذا كله انني تخيلت في لحظة ما ان مدير المتوسطة كان يتحدث عن نفسه بطريقة ما او انه كان يخشي ان يلاقي هو ايضا مصيرا مشابها ولكن بشكل معنوي وفقا لقراءة ترسخت في دخيلته بعد ان عاني طويلا ولسنوات عديدة دون ان يحظي بأي تقييم حقيقي ... يستحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحمك الله يا صدام
محمد احمد ( 2010 / 2 / 8 - 17:58 )
رحمك الله يا صدام على الرغم مما ارتكتب من جرائم في حق هذا الشعب.. لم اتصور ان يتحول العراقيون الذين اعرف الكثير منهم الى هذه الدرجة من التوحش والبدائية !!!!
(بعضا من الاطفال او الصبية وبعد ان تعودوا علي مشاهدة الرؤوس المقطوعة صاروا يمرون بقربها دون اي احساس بالخوف .. وتطور هذا التبلد بالاحساس والتوحش واللا آدمية الي الاقتراب من تلك الرؤوس والعبث بها وكأنها مجرد كرات يمكن قذفها واللعب بها !!
وكانت بعض النسوة (في مناطق اخري) يزغردن ويقمن بانفسهن وباستخدام )الفؤوس والبلطات للاجاهز علي ما تم نسيانه من المغدورين ..
حقيقة درجة من التوحش لا أتصور ان يصلها حتى الشعب البدائي في الأمزون او غابات افريقيا، فما بالك في البلد الذي شهد أو خطوات الحضارة الانسانية..
شكرا للكاتب على هذه الصراحة التي لا بد منها حتى يعي العراقيين الى درك وصلوا بعد ان سلموا بلدهم للاحتلال واعوانه

اخر الافلام

.. منظمة هيومن رايتس ووتش تدين مواقف ألمانيا تجاه المسلمين.. ما


.. الخارجية السودانية: المجاعة تنتشر في أنحاء من السودان بسبب ا




.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ