الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و سيجارتي...و القهوة

رامي مراد
باحث مهتم بقضايا التنمية - فلسطين

2010 / 2 / 11
الادب والفن


جلست في صباحي الباكر على شرفة غرفتي التي تطل بنوافذها على بحر غزة الهائج بسبب تكالب العواصف الرعدية في سماءه.
القهوة بفنجان أبيض و بين إصبعي السيجارة، بينما أشهق بنفس سيجارتي العميق و التقط فنجان قهوتي لأرتشف منه مستمعاً لنغمات فيروز و هي تقول " أنا لا أنساكي فلسطين...." ثم تقلب لتغني لأجراس العودة التي تنتظر أن تدق من عشرات السنين، جال بخاطري عودة غزة إلى حضن الوطن الدافئ، أو ربما عودة الإنسان إلى فلسطين.
سحابة تكاد تسقط قطراتها فوق شوارع و أزقة غزة و ربما واديها الذي أغرق الناس من حوله، فسارعت حكومته بتقديم مساعدة عاجلة بقيمة مائتا دولار للأسرة التي فقدت معظم حاجياتها....؟
يبدو لي أن هذه السحابة قد امتنعت عن إسقاط حمولتها على أرض سمعت فيها أصوات قيادات تتنافس في ندوة يبدو أن جامعة بيرزيت قد نفذتها لتناقش حق مسلوبي الإرادة في اختيار من يمثلهم...عفواً من يكمل مراسيم دفنهم.
بينما أنا غارق في استشعار ما قد يكون في المستقبل القريب و إذ بي أشعر بلسعة اصباعي مما تبقى من سيجارتي. لم أفهم أن السيجارة سبب تلك اللسعة بل اعتقدت أنه ألم المستقبل بات يضرب جسدي باكراً.
و بسرعة البرق الذي أضاء سماء غزة في سوينات قليلة رميت قمعة السيجارة على أرض الغرفة، و قمت سائراً باتجاه طفلتي لأحتضنها بعد أن بكت كثيراً... يبدو لأنها سمعت صوت شبح مستقبلها المظلم يخيم سماء غرفتها...لا تحزني إنها برقة السحابة التي أبت أن تنزل حمولتها. ثم أدركت أنني قد أخطأت بإلقاء القمعة في أرض الغرفة، فلماذا إذاً قد صنعت المتكات؟...أسرعت لالتقطها...و بينما أنزلت يدي و ملت رأسي لالتقاط قمعة السيجارة و إذا بي أرى جموعاً من الناس تنتظر هذه القمعة لتسبرس ما تبقى من نهايتها....، انتظرت برهةً من الوقت إلى أن سمعت و أنا لا أزال في الأسفل جموعاً و جموع منهم من ينتظر أن يلقى إليه قشرة الموز ليوفر لأبنائه لقمة عشائهم...و هو لا يدري أن من اتخموا من اللحم في عزائم الموت و تجمعات القادة يكفي لأن يطعم آلافا ممن مثله، بكيت على حال من هم تحت الأرض من البشر لكني خفت أن أسقط دموعي أرضاً فيغرقوا، و حينها أدركت أنني قد ظلمت السحابة حين اعتبرت أنها بخلت على غزة بمطرها...فيبدو أنها كانت أكثر بصيرة من قياداتنا فقد رأت هؤلاء الجموع من البشر تحت أرض الأزقة و الشوارع فخافت أن تسقط مطرها فيغرقوا في وحل تراب أقنعوهم مشايخها أنها مقدسةً، لدرجة أنهم استمرؤوا البقاء بين التراب....يا لها من قمعة سيجارة نزلت لالتقاطها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بليغ
ناهد ( 2010 / 2 / 12 - 13:03 )
للاسف هذا واقعنا المعاش في فلسطين ، اناس تحيا واخرين يموتون تماما كذلك المثل الذين يقول انهم يأكلون الحصرم ونحن نتشدق ، ساسة الوطن الغر الميامين المناضلين الاعزاء يعتاشوا على مصائب الشعب ، ويركبون السيارات الفارهة وابنائهم يلعبون في الجامعات ليتخرجوا ساسة ببزات رسمية واصحاب مشاريع تجارية والشعب ينظر ويشكر الذي لا يُحمد على مكروه سواه !!!
نعم الشعب نحن ، ونعم الساسة ، ونعم الاله الذي ارتضى هذه الحياه

الكاتب المميز ، كل الاحترام لك على تشبيهك البليغ للواقع المعاش
سلام

اخر الافلام

.. حول العالم | موسيقى فريدة بأنامل أطفال مكفوفين في تايلاند


.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم




.. الموسيقي المصري محمد أبوذكري يصدر ألبومه الخامس -روح الفؤاد


.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها




.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس