الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كونونغو ، فصول من ماساة أنسانية
شاكر الناصري
2010 / 2 / 8الادب والفن
من يعيش في مخيمات اللجوء حتى لو كان ذلك لعدة ايام فإن ذكريات تلك الايام ومرارتها لن تمحى من ذاكرته مطلقا وستبقى ترافقه أينما ذهب وستثار بداخله ما ان تصادفه حكاية ما تشابه حكايته. لم أعش في مخيمات اللجوء سوى ايام قليلة قضيتها في منطقة سيران بن الايرانية بعد أحداث الثاني من آب من عام 1996 . لم تكن أيامي في المخيم المذكور كثيرة غير أن الامها ستبقى وذكرياتها ، بناسها ومصادفاتها وحكاياتها ومفارقاتها ، ستتواصل معي . هناك شعرت كيف يكون الأنسان منزوع الارادة وتتحكم به سلطة وقوة لاعلاقة له بها ، بل ، يختلف معها تماما وتعمل من أجل التحكم بحياته . وكيف تكون لقمة العيش وسيلة للأذلال المباشر وإن عليك تأجيل جوعك وأن تعيش أوقات عصيبة مادامت تريد الأحتفاظ بكرامتك وبجزء من ارادتك التي يتحكم بها من أمتلك السلطة في المخيم . سيكون التفكير بالمصير والمستقبل المجهول أشبه بممارسة العقاب القاسي ،إذ لا تعرف ما الذي سيحل بك وبحياتك وهل ستبقى في هذا المخيم حتى صباح اليوم الآخر أم يتم نقلك الى مكان مجهول آخر .
حين شاهدت فلم كونونغو – دارفوريون في مخيم المنفى للاعلامي والصديق محمد اليحيائي فإن كل تلك الذكريات قد تفجرت بداخلي حد البكاء ، ثمة ذكريات متشابهة وتكاد أن تكون علامة مميزة في مسيرة كل من عاش اللجوء والتشرد في مخيماته وذاق قسوة ومرارة الحياة وأمتهان الكرامة .
يسعى فلم (كونونغو- دارفوريون في مخيم المنفى )،لأيصال رسالة مفادها إن اقتلاع الانسان من جذوره نتيجة الحروب أو التسلط والاستبداد والتمييز العنصري يسبب حالة من الأضطراب والتراجع النفسي والمعنوي وفقدان الارادة وأنعدام الامل والشعور المتواصل بالخوف والضعف . الأقتلاع من الجذور هنا هو أن تتمكن قوى ما من إجبار شخص أو مجموعة أشخاص، بفعل الحرب أو الاستبداد ومصادرة الحرية والتمييز العنصري ، على ترك اماكن معيشتهم وبيوتهم ومدارسهم وذكرياتهم وعلاقاتهم الانسانية والانطلاق في آفاق الهجرة والتشرد والبحث عن ملاذ آمن سيتحول فيما بعد الى انه حلم عصي المنال ، فثمة من يريد ان تتواصل مسيرة الضياع والتشرد وفقدان الامل وأدامة الرعب حتى لو كان هذا الأنسان أو المجموعة البشرية المبتلاة خارج الحدود وتعيش مرحلة تيه أنساني مريع وسط الصحراء . لم تكن دارفور الا واحدة من الاماكن التي تحولت الى منطقة جحيم وشيوع المأساة بأكثر صورها تجليا . فثمة أكثر من ثلاثة ملايين أنسان سيتحولون الى ضحايا فصول حكاية مريرة وبشعة يديرها حكام ورجال عصابات ومليشيات مسلحة . منطقة تحولت سريعا الى منطقة منكوبة ومسرح لعمليات القتل والاغتصاب وحرق البيوت والمدارس واماكن العبادة ، ماساة جرت وتجري بشكل متواصل وسط صمت عربي مريع حد التواطىء والمشاركة في عمليات القتل والتهجير والاغتصاب والانتهاكات المروعة ، فما قامت به الحكومات العربية هو دعم نظام عربي يمارس التمييز والاضطهاد ضد جزء من السكان الخاضعين لسلطته لانهم من الافارقة ومن غير العرب حتى لو وصل عدد القتلى من اهالي دارفور الى أكثر من 300 الف أنسان .
على الرغم من أن الفلم لم يقدم صورا أو مشاهد تفصيلية عن ممارسات النظام السوداني ضد أهالي دارفور، وأكتفى بعرض صور الاماكن المحترقة وجماجم من تم قتلهم ، الا أن شهادات من عاش فصول تلك المأساة التي لم تتنته بعد ، كانت مذهلة ومريرة وتحمل الكثير من الاسى والخذلان ولكنها تحمل الكثير من الأمل ، أمل العودة الى المكان الذي أقتلعوا منه عنوة وبدء حياة أخرى لعلها تكون آمنة . شهادات ابسط ما يقال عنها إنها وليدة تجربة قاسية وإن من يتلو شهادته لم يكن على يقين انه سيعيش حتى يروي ما تعرض له .
هو فلم عن اصرار الأنسان ومهما كانت الضروف والأوضاع التي يتعرض لها قاسية ومرعبة لكنه يريد ان تتواصل حياته وأن يعيش ويعمل ويحلم وان ينجب ويحب ويتزوج وإن يربي أطفاله ويفكر في مستقبلهم بان يكونوا أطباء او تجار ولكن ليس جنودا لان في ذلك ما يعرضهم للموت في الحروب ومخافة ان يتم تجنيدهم من قبل الحكومات أو المليشيات المسلحة ليكونوا ادوات تقمع وتقتل وتحرق وتغتصب . عن الأنسان الذي يبني وطنا في عمق الصحراء حين تصبح العودة الى موطنه الأول أشبه بالمستحيل .
كونونغو – دارفوريون في مخيم المنفى يسرد ، ولأول مرة فصولا من تاريخ سلطنة دارفور بعيون معاصرة وتكشف حجم الأجحاف والظلم الذي تعرض له أهالي دارفور منذ عام 1917 بعد ان تم ضم سلطنة دارفور من قبل بريطانيا الى السودان وجعلتها جزءا منها بالقوة كما فعلت في مناطق كثيرة أخرى كانت خاضعة لها .أذ تقوم بتأسيس الدول والكيانات بعد ان ترغم مجاميع سكانية مختلفة ، الاعراف والثقافات والأعراق على الانضمام الى هذه الدول قسرا كما فعلت في العراق في عام 1921 خلال تأسيس الدولة العراقية .
لمشاهدة كونونغو –دارفوريون في مخيم المنفى
http://www.youtube.com/watch?v=1ro6DhS1cT8&feature=SeriesPlayList&p=6B19689CC28AC887
http://www.youtube.com/watch?v=f-ePMp-C9Lc&feature=SeriesPlayList&p=6B19689CC28AC887
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن
.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •
.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا
.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى