الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمــل أبيـض .. سحابة داكنة

برهان شاوي

2004 / 7 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إننا مطاردون، نعم مطاردون، يطاردنا تاريخ هائل من القمع والأرهاب
والتخلف، والعنف المبطن والمغلف بآلآف الرقى والتعاويذ والحكم السلفية
والأحكام الشرعية والشعارات السياسية التي تلوح بالديموقراطية والمساواة
وبناء دولة القانون، وتعدنا بالسعادة والاستقلال والإكتفاء الوطني.

نحن مطاردون من قبل تاريخ من التجارب السياسية الفاسدة، التي لا زالت
تقود عقليتنا السياسية، وتظلل الفضاء الآيديولوجي لدولتنا الجديدة الوليدة،
فهي للأسف، لم تتخلص بعد من أدران الماضي العفن والقذر، لا سيما وان
بيضة الأفعى لم تحطم بعد، فهي لا زالت في كهف بعيد عن الأنظار.

**** ***** *****

وأخيرا تم نقل السيادة الرسمية للعراق، ولا أقول السلطة، الى أول وزارة
عراقية تشكلت بعد سقوط نظام البعث الدكتاتوري الفاشي في العراق،
فالسلطة لا زالت خيوطها بيد أشباح الظلام وبعض دول الجوار.

كما بدأت أولى جلسات المحاكمات لصدام حسين وزمرته علنا، وشاهدها
القاصي والداني من على شاشات التلفزيون. لكن الغريب والمثير للشبهات
حقا، على المستوى العلمي والتحليلي للخطاب البصري الذي وزع على قنوات
التلفزة في العالم، ان (المونتاج) الذي جرى على التسجيل الصوتي لم يبرز
الى الآذان والسمع سوى كلمات صدام التي تبرر هجومه على الكويت، كون
الكويتيين قالوا سنجعل الماجدات العراقيات يباعن بعشرة دولارات، مما دفعه
لإجتياح الكويت، ولا أدري لماذا لم يبرز التسجيل تبريراته لغزو ايران او
هولوكست الأنفال ضد الأكراد، او جرائم المقابر الجماعية؟؟؟؟

أترى يراد إثارة مشاعر الشرف والحمية والنزعة الذكورية عند رجال
الشعب العراقي ضد الكويتيين!!

علما ان نظام البعث نفسه، ورجالات السلطة، إغتصبوا المئات، بل
الآف من النساء العراقيات، بل هناك مئات من اللقطاء من ابناء السجينات
العراقيات السياسيات في العراق نفسه، كما ان تاريخ الأنتفاضة الشعبانية
في البصرة يروي لنا كيف ان أجهزة الأمن العراقية أعتقلت الفتيات الباكرات
من عوائل الساسيين وممن يشك بمشاركتهم في الأنتفاضة، وهناك شهود
عيان عن تجميع المئات من الفتيات الباكرات وجرهن الى مراكز الأمن
والأستخبارات العراقية، وقد كانت النشيطات في الاتحاد العام لنساء العراق
يقمن بدور القوادات للمسؤولين البعثيين، والعوائل العراقية نفسها تعرف ذلك.

كما ان نظام البعث نفسه، بعد غزوه للكويت جعل الماجدات العراقيات
يباعن بأقل من عشرة دولارات في الأردن والإمارات ودول عربية أخرى،
وفي فنادق بغداد، بل ان الدعارة المنظمة لم تزدهر في تاريخ العراق مثلما
ازدهرت في مرحلة ما بعد غزو الكويت، نتيجة للحصار، ولنسف بنية
العائلة العراقية، عبر مؤسسات السلطة الفاشية في المجتمع العراقي.

ولماذا لم يبرز التسجيل تبريراته للمقابر الجماعية، وأجتياح العتبات المقدسة
وقصفها، كي يعرف الشيعة العراقيون ، ويسمعون ابن العوجة وتبريراته!!

هل هناك لعبة سياسية وراء هذا التلاعب بالتسجيل والمونتاج الصوتي، ومن
ترى قام بهذا المونتاج ؟؟ فلا يوجد موقف بريء من الفلسفة كما يقول
(جورج لوكاش) في كتابه ( تحطيم العقل).

***** ****** ******

في كتابه المهم ( الفاشية والدكتاتورية، الايديواوجية والسلطة) يشير المفكر
الفرنسي (نيكوس بولنتزاس) الى انه لن يجري (تحطيم) الأجهزة الآيديولوجية
بالوقت نفسه وبالطريقة ذاتها التي يجري فيها ( تحطيم ) جهاز الدولة، كما ان
تحطيم كل من الأجهزة الآيديولوجية لن يجري باسلوب وزمن متماثل.

وفي الحالة العراقية، تحطمت الدولة، لكنه لم يجر تحطيم أجهزتها الآيديولوجية
بشكل كامل، بل ان السلطة الجديدة تحاول بث الحياة في هذه الأجهزة بشكل
أو بآخر، وأول إجراء للسلطة الجديدة في هذا الشأن هو تجميد لجنة إجتثاث
البعث!!!

العراق يعيش أزمة سياسية، على الأقل بين أحزابه وأقطابه السياسية
الحاكمة، وكل فريق منهم يحاول، بكل السبل المشروعة وغير المشروعة،
ان يحقق ما يستطيع من المكاسب.

أخطر لعبة محتملة في المستقبل القريب، والتي بدات منذ فترة هي بين
فريق الوفاق وبين فريق المؤتمر الوطني، والتي قد تكشف لاحقا عن
لوحة سوريالية من التحالفات السياسية التي لا تخطر على بال أي كان!!

وبدا هذا واضحا من إسقاط الحكومة الجديدة الكويت من ديون الشكر
والعرفان، بينما شكرت دولا، يعرف الجميع انها صدرت الأرهاب
والأرهابيين الى العراق ووقفت، علانية، ضد مجلس الحكم في الفترة
السابقة، وجاء إعتذار الحكومة عن ( سهوها ) أكثر غرابة من الاسقاط
نفسه، فبينما تنسى شكر هذه الدولة لدورها الاستثنائي في تخليص العراق
من النظام الفاشي، نسيت الحكومة الإساءات التي جاءت من دول مجاورة
أخرى ايضا، بل بدأت الحكومة ترقص على أنغام الدبكة البدوية !!

****** ******* *******

لا نريد ان نقوض ثقتنا بالظن، لكن الوعي النقدي للذات يعني سياسيا وتاريخيا،
هو الاستماع لهدير الزمن وهو يتدفق حاملا متناقضاته المتلاطمة، فأملنا
الأبيض يرقب بعين القنفذ السحب الداكنة التي بدأت تزحف على سماء العراق
من الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب