الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


Iranophobia

مرح البقاعي

2010 / 2 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


تكاد تكون واقعة الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني للعام 1979 في السفارة الأميركية بطهران واتخاذ الدبلوماسيين الأميركيين في حينها رهائن لمدة 444 يوما، حجر الأساس لدراما الارتجاج الأمني والنزوع الجهادي الانتحاري الذي يحمل هوية محاربة "النصارى" وثقافتهم في الغرب الأميركي ـ العدو، وذلك في شريط من العنف الموصول اندلع متواقتا مع اضطرام الثورة الخمينيّة الشيعيّة منذ نيف وثلاثين عاما، مارّا بتفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت في العام 1983، بالغاً ذروته العنفيّة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الانتحارية في العام 2001، وهذه المرة في العقر من الدار الأميركية.

اتخذت إدارة الرئيس جيمي كارتر الديمقراطية قرار دعم ثورة الإمام الخميني إثر اشتداد أوارها، مُشَيِّدة قرارها هذا على نظرية "الحزام الأخضر" التي صاغها آنذاك مستشار الأمن الوطني في حكومة كارتر زييغنيو بريجنسكي، والتي مفادها أن نشوء أنظمة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، مدعومة أميركياً، سيكون بإمكانها، وبما لديها من دعم جماهيري قاعدته الإسلام، أن تشكل بدائل حقيقية للنظم الاستبدادية القائمة من جهة، وأن تكبح جماح حركات اليسار المناصرة للاتحاد السوفييتي، قبل انحلال عقده، من أخرى. ومن أجل إشهار دعمه لنظام الملالي الوليد في إيران قام الرئيس الأسبق كارتر برفع الحظر عن بيع الأسلحة والبضائع لإيران الذي كان ساريا منذ العام 1978، وللتأكيد على ميوله لنصرة أصحاب العمائم رفض منح شاه إيران تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج في نيويورك!

أما لغة الاعتذار والاستعطاف التي تعامل بها الرئيس كارتر خلال أزمة الرهائن، كأن يخاطب الخميني مباشرة، في رسالة خطية خاصة منه، ملتمسا حل مشكلة الرهائن من "رجل يؤمن بالله"، ناهيك عن لهجة مبعوثه للأمم المتحدة، أندرو يونغ، الذي توسل لآية الله الخميني أن يظهر "شهامة ورحمة" مطلقا عليه صفة" قديس القرن العشرين"، فقد جاءت لتغذّي النزعة العنفيّة لدى المجموعات الإسلامية المتطرفة، وتؤجج لغة التعنت في التعامل مع الأميركيين لما لمسوا فيهم من ضعف وتخبّط في مواجهة مشهد دبلوماسييهم يساقون معصوبي الأعين ومكبلي الأذرع أمام كاميرات العالم؛ ما دفع بالرئيس الجمهوري رونالد بريغان أن يخاطب الخميني حال فوزه على منافسه الديمقراطي كارتر في انتخابات الرئاسة للعام 1980 قائلا:"لو كنت في موقعك لسعيت إلى التوصل إلى حل مع كارتر فهو رجل لطيف، وأنا على ثقة من أن موقفي حينما أصل إلى البيت الأبيض حيال هذه القضية لن يعجبك"! أما ردّ الفعل الإيراني فجاء مباشرا وحاسما بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين في اليوم الأول لدخول الرئيس ريغان ومباشرته لمهامه الرئاسية من المكتب البيضاوي.

هذه العلاقة الملتًبسة بين الولايات المتحدة وإيران ما لبثت تثير إشارات الاستفهام، والتعجب أيضا، على غير صعيد. فعلاقة المد والجزر بين البلدين "العدويّن" إنما تخضع لبوصلة المصالح الاستراتيجية التي تتفاوت بين تقارب وتباعد في غير منطقة من العالم. فأولوياتهما الإستراتيجية المشتركة كانت قد جمعتهما خلال الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 حين سقط نظام طالبان الأصولي هناك، وشعرت إيران بالبراء من وجع التشنج السلفي ذي الميول الوهّابية في خاصرتها اليمنى؛ بينما استأصل الأميركيون نظام صدام حسdن الشوفيني القومي عن خاصرتها اليسرى، فكانت العافية السياسية الإيرانية في بدر اكتمالها.

يحتشد الخطاب الإيراني السياسي الرسمي بمصطلحات الترويج للعداء للغرب والولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل، بينما تجد أميركا في دولة الملالي مكمنا للشر المنتظر ذي المخالب النووية الذي ينذر بتقويض أمن العالم بأسره. ومع عودة التصعيد الإيراني الأميركي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، تداولت الصحافة العالمية أنباء مفادها أن إيران تعاونت عن كثب مع الولايات المتحدة، ومن خلال قنوات دبلوماسية في أقسام رعاية المصالح في سفارات باكستان وسويسرا في واشنطن وطهران، ومن خلال لندن حليفة واشنطن في حرب العراق، من أجل حشد دعم العراقيين للانتخابات العراقية الأخيرة، وتهيئة المناخ السلمي لقيامها. وفي حدث سابق، وخلال المواجهات مع ميليشيات مقتدى الصدر في النجف أعلن وزير الخارجية الإيراني آنذاك، كمال خرازي، أن الولايات المتحدة الأميركية طلبت من طهران مساعدتها في تسوية الأزمة من خلال التأثير على الجماعات الشيعية العراقية النافذة، ودفعها باتجاه التهدئة، ما من شأنه حقن الدماء الأميركية التي قد تذرف في مواجهات محتملة مع رجال الصدر المدجّجين بالعقيدة والسلاح.

من نافل القول أن لإيران طموحها النوويّ المُلحّ، معزّزاً بهاجسها الإمبراطوري التليد. وهي ما فتئت تسعى لامتلاك أوراق رابحة على الساحة الدولية تقايض بواسطتها مضيّها الموتور في هذه المشروعين. ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل/ نيسان من العام 2003 لعبت إيران دور محامي الشيطان المزدوج المهام في المسألة العراقية، وسعت بانتظام إلى الاتخاذ من نفوذها الشيعي هناك ورقة ضاغطة لمساومة الأميركيين وشراء صمتهم خلال سعيها لامتلاك السلاح النووي، ومدّ حبال نفوذها الإقليمي، والتمادي في استعراض عنجهيتها على مسمع ومرأى من دول الجوار وعلى رأسها دول الخليج "الفارسي" كما يطيب لإيران "الفارسية" أن تدعوه.

فصل المقال هنا يأتي على لسان ويد ابن الثورة الخمينية الأسبق، وزعيم المعارضة الإصلاحية الحالي، مير حسين موسوي، الذي ترأس الحكومة الإيرانية في فترة حربها مع العراق بين عامي 1980-1988، حين أقرّ علنا بفشل الثورة الإسلامية قائلا: "إن الحركة الخضراء لن تتخلى عن معركتها السلمية إلى أن يتم مراعاة حقوق الشعب كاملة". وهو لا يتوانى أن يدحض شرعية دكتاتورية ما بعد الشاه، التي قامت باسم الدين، مؤكدا في تصريح له على موقعه الالكتروني: كلمة، أن "جذور الظلم والدكتاتورية مازالت موجودة في إيران، وأن الثورة الإسلامية لم تحقق أهدافها بإلغاء الاستبداد من البلاد"، مشيراً إلى أن "كمّ أفواه الإعلام، وزجّ الإصلاحيين في السجون، وانتهاج العنف المنظّم في مواجهة المواطنين العزْل الذين يطالبون سلميا في الشارع باحترام حقوقهم، لهو دليل دامغ على أن مظاهر العسف والتسلط التي سادت في حقبة الشاه مازالت حيّة ترزق، تحرسها عصيّ ورشاشات الباسيج المسعورة".

هكذا، بين"الحزام الأخضر" الكارتري 1979، و"الحركة الخضراء" الموسوية 2010، وبين رحيل الاتحاد السوفييتي وبقاء المستبدّين، يقف المراقب للشأن الإيراني حائرا في قراءة الأوراق الإيرانية ـ الأميركية، التي بدأ الحبر يتداخل فيها مختلطا بين الأحمر والأزرق والأخضر، بما يتعثر فكّ مفرداته، وتضيع منه شفرة اللغة لكشف طلاسم ذاك الرهاب الذي زجّ الطرفين، الأميركي والإيراني، في زواج متعة ممتدّ، مع سابق العمد والترصّد!

سلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط