الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم عراقية السنكودباحيــة

إبراهيم إسماعيل

2002 / 7 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 

 

في أقصى الغرب الأفريقي، تقع سيراليون.. بلاد حباها الله بطبيعة خلابة، وطمر في أرضها ما شاء من الذهب والماس.. لكنه ولحكمة ما رزقها بكبشين كبيرين أحدهما أسموه سنكوح والأخر دباح ! أقتسم هذان الكبشان البلاد والعباد، فراح يتبع كل منهما جمهور واسع من الجياع والحفاة وممن تغطي أحدث الأسلحة عوراتهم بدل الثياب! وراحا بهذا الجمهور يتقاتلان حتى تنتهي ذخيرتهما فيعلنان الهدنة، وينهمك أتباعهما باستخراج الماس وتسليمه لهما، ليحملاه الى الشمال ويقايضانه مع السلاح حيث فتحت الشركات الغربية سوقا من أجلهم في السنغال .. يحمل التجار ذو العيون الزرقاء الماس لبلدانهم ويعود سنكوح ودباح بالسلاح لأتباعهما وتبدأ الدورة من جديد!

قد تبدو هذه الحكاية مضحكة للبعض ومؤلمة لآخرين .. لكني أزعم أنها حكاية خطيرة، تصلح أن تكون من سمات النظام العالمي الجديد.. إن السنكودبّاحية، ليست ظاهرة سيراليونية ، بقدر كونها ظاهرة عولمت أو تعولمت في زمن الانترنيت! وتتجلى في العشرات من الأحداث.. منها مثلاً الأصوات التي تتعالى كل يوم  لتبرير ما فعله " عز العرب " حين أهدر ثروة شعب مغلوب على أمره، ليبني بها رابع ترسانة عسكرية في العالم، ثم ليحطم بنفسه ما لم تدمره الحرب، وليدفع أجور الخبراء الذين أشرفوا على فعلته، وكيف راح أصحابها يتزلفون له ويحملون صوره ويفتدوه بالدم والأرواح! وأنظر على الضفة الأخرى كيف يتصارع بعض قادة " المعارضة العراقية " على شاشات الفضائيات، بطريقة " متحضرة " ، في الوقت الذي يتوحدون فيه أمام النقد المخلص مدعيّن علنا وعلى رؤوس الأشهاد قدسيتهم وعصمتهم من الخطأ وإصرارهم على مواصلة نهج صدام إن استخلفوه في الحكم. وإذا ارتحلت بعيداً عن دجلة العطشى والفرات الجائع، فستجد كيف تراشق الأفغان بالقنابل، وهدموا أخر ما تبقى من دورهم ودكاكينهم بعد أن حطموا المدارس والطرق وحتى الآثار، مدعيّن لأفعالهم أسانيد في القرآن والسنة ، وكيف انقسم الجياع في الولاء لتلك العمائم، وكيف دافع بعض دعاة التنوير عن تجار المخدرات هؤلاء بدل تكفيرهم على ما الحقوه بالإسلام من إساءات لا يمكن مقارنتها بما فعله كاتب مثل سلمان رشدي! وهناك وقريبا منهم ستجد سنكودباحية باكستانية .. جنرالات تتبختر كالديكة وهي تعلن عن نجاح تفجير القنبلة الذرية الأولى التي كانت قيمتها كافية لإطعام شعبهم الجائع وتعليمه، هذا الشعب الذي راح أبناؤه يرقصون حفاةً في الشوارع بهذا الإنجاز العظيم!! وهناك في فيتنام، يقدم (الأصلاحيون) تسهيلات عسكرية للأمريكيين ، نعم وليس لغيرهم ( لماذا كانت كل تلك التضحيات إذن ؟! ) وفي روسيا والهند ويوغسلافيا الخ . وهكذا ترى في أمكنة متعددة كيف فضّل الديكة الذهب على الحرية فأشاعوا في اوطانهم القتل وتحالفوا مع العدو ضد الشقيق وأطلقوا للجناة القدامى اليد لتكرر ما ارتكبته دوما من جرائم باسم القومية والدين.

وبعيداً عن السياسة التي تتجلى فيها السنكودباحية بوضوح يدعو لتأمل حجم الاغتراب والضياع وسعة وعمق اللاوعي الذي تعيشه الشعوب، فإن هذه الظاهرة قد دبت الى حقول الفكر والثقافة أيضاً ، إذ يمكنك أن ترى كيف يتحول الفكر من رافعة للأمة الى وسيلة للارتزاق ومن موقف يشير الى الوجع ويثير القدرة على الشفاء الى موقف يعرض للبيع كجواري ماضينا التليد .. مثقفون يدعون سراً وعلانية لإجهاض الانتفاضة الفلسطينية أتقاءا لشر شارون.. آخرون يلبسون الأنظمة القمعية لباس الديمقراطية والتجديد والعداء للإمبريالية . صحفيون يحولون الهزائم الى مغانم .. مفكرون يسوغون الاضطهاد والإرهاب .. إن السلوك البرغماتي للمثقفين السنكودباحين اليوم هو نتيج طبيعي لسلوكهم الدوغماتي بالأمس .. فمن كان قادراً على تبرير جلد شاعر في إيران أو نفي مبدع الى سيبيريا أو قتل مفكر ببلطة في الأرجنتين ، قادر على أن يرى في عاصفة الصحراء تحريرا للأمة وفي أم المعارك انتصارا للأمة أو في احتفال بمئوية شاعر مؤامرة ضد وحدة الأمة . . في الخنوع عزة  .. وفي الانبطاح تغليب للصراع الرئيسي على الثانوي. وكما في السياسة ، فأن في ثقافة السنكودباحين جمهور واسع من "مستهلكي" هذه الثقافة ، ممن تزداد عندهم كل يوم التعمية الثقافية فيمجدون الزعيق ووعاظ السلاطين ، ويخونون أو يكفرون الأصوات الثقافية الجادة ودعاة التنوير ، ويؤمنون بقدرية عجيبة بأسانيد المظللين التي تحاول أن تثبت بأن لا ديمقراطية غير تلك التي يتفضلون بها على بني آدم.

ورغم بعض كوى الضوء التي تتجلى في أصوات من تبقى من قوى الديمقراطية والسلام وحركات الدفاع عن حق الإنسان في العيش كإنسان والمكافحين ضد العولمة الرأسمالية ( تذكر معي ما حدث في دافوس، براغ، كندا، واشنطن، ستوكهولم وغيرها )، فإن السنكودباحية ليست مزحة و لا مأساة .. إنها خطر قد لا ندرك حجمه إلا بعد فوات الأوان.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة