الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين أهلنا في طرابلس!؟

ليلى أحمد الهوني
(Laila Ahmed Elhoni)

2010 / 2 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


قبل أن أغوص في مقالتي هذه، أود أن أعبر عن مدى شعوري بالفخر والاعتزاز، وأنا أشاهد نساء ورجال مدينتنا بنغازي، من أهالي ضحايا مذبحة سجن أبو سليم، وهم ينددون ويستنكرون ويطالبون بحقوقهم الإنسانية، بالكشف عن خفايا وأسباب مقتل أبنائهم وآبائهم وإخوانهم، في تلك المجزرة البشعة، ولا يسعني الآن وأنا بعيدة عن الوطن، إلا أن أصافح أياديهم الطاهرة الحرة، مع خالص دعواتي لهم، بالتوفيق من الله، والسداد على درب الحق والصلاح خُطاهم.

أين أهلنا في طرابلس!؟

قد يكون هذا السؤال، من نوع تلك الأسئلة، التي يتجنب معظم الناس، الخوض فيها في ليبيا بصورة عادية وطبيعية، مع انه وبكل الإصرار التلقائي الكل يفكر فيه، ويعيد التفكير فيه يوما بعد يوم، وعندما نسأل أين أهلنا في طرابلس!؟ ليس المقصود هنا سكان مدنية طرابلس وحدها فقط، وإنما سكان كل المدن التي تقع في المنطقة الغربية بدون استثناء.

وإذا كنت قد وضعت المقالة تحت هذا العنوان، فذلك بحكم الثقل السكاني، وما تتمتع به مدينة طرابلس من إمكانيات كبيرة وقدرات هائلة، ومن تعدد المؤسسات فيها، تلك المؤسسات، التي يفترض أنها تمثل المجتمع المدني ولو شكلياً، وهي في حقيقة الأمر وفي الواقع جميعها معطلة، ولا تقوم بدورها الذي نشأت وتكونت من أجله.

وقبل أن يقفز أي شخص من القراء بتوجيه الاتهام ضدي، بالترويج للعنصرية أو الإقليمية الجهوية أو القبلية، أو من باب المزايدة و تفضيل أهالي مدينة أو منطقة على أخرى، فأود أن ألفت انتباهكم، إلى أن هذا الأمر ليس له أي أساس من الصحة، فأنا من المنطقة الغربية، أنا ابنة طرابلس المدينة، ولدت و ترعرعت وكبرت وعشت في مدينتي طرابلس، مدينة طرابلس التي أحب أهلها واعشق كل حبة تراب من أرضها، ولكن الأمر الذي لم يعد يحتمل السكوت عليه، هو (الموقف السلبي لذلك الثقل السكاني) والذي من المفروض أن يطرح وبصراحة، أمام الجميع حتى يتحمل الكل مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في ليبيا اليوم.

ففي هذا الوطن الواحد وبين هذا الشعب الواحد، الذي أنعم الله عليه، بعدم وجود التقسيمات الدينية والطائفية والعرقية، وانعدمت فيه تقريبا كافة أشكال الفروقات الطبقية، تلك الفروقات التي تثير الحساسيات والانقسامات، وتفتح أبواب المشاحنات والاختلافات والصراعات بين أبناء البلد الواحد، وبالتالي تكونت فيه عناصر التقارب والوحدة السكانية، التي تكمل بعضها البعض، ونعمة التقارب هذه، التي بدورها خلقت التجانس، تُعد سداً منيعاً ضد أي دعوة للفرقة أو الانفصال أو التشتت، فكيف يمكن لليبيين في ظل هذا التجانس الاجتماعي الفريد بين المدن والقرى والمناطق، أن يعيشوا منعزلين عن هموم ومآسي بعضهم البعض؟؟.

أنه لا يوجد أي مبرر، لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الوطنية، يمنع أهالي مدينة أو جهة أو قرية ما، من أن يقفوا مساندين ومتضامنين مع غيرهم من أبناء هذا الوطن الذين يعيشون على أي شبر منه، وخصوصاً إذا تعرضوا إلى محنة أو كارثة طبيعية، أو ظلم وجور من سلطة باغية وسلطان جائر.

لكن للأسف الشديد، إن ما شاهدناه في كل هذه السنوات، بداية من جريمة أطفال الايدز في بنغازي، مروراً بأحداث 17 فبراير في بنغازي، ووصولا إلى التبليغ عن ضحايا مذبحة سجن أبو سليم، لا يدل على وجود روح الوطن الواحد أو الشعب الواحد، و نرى وبوضوح بأن المواطنين في ليبيا، أصبحوا في عزلة عن بعضهم البعض، فلا ندري تحديداً ما هي الأسباب؟؟، هل خوفاً من الظالم واستسلاماً للظلم؟، أو لاعتقادهم بأنهم بهذه الطريقة، سيعيشون في أمنا وًسلاماً، أو لأسباب ومصالح شخصية وطمعاً في غنيمة أو منصب ما، وبالتالي نجدهم لا يبالون بما يحدث لغيرهم، من أبناء هذا الوطن في أي جزء منه.

أن الهم والغم الذي يعيشه المواطن الليبي تحت حكم القذافي الديكتاتوري، متشابه في جميع أنحاء وطننا ليبيا، ومأساة سجن أبو سليم، لم تكون فقط في بنغازي، بل وصلت إلى كل المدن والمناطق الليبية، فلماذا يتحرك الناس من أهالي وذوي الضحايا في مدينة بنغازي و اجدابيا، وبعض المناطق في شرق ليبيا مطالبين بالعدل والقصاص، في حين نجد غيرهم من بقية المدن الليبية الأخرى، بهذا الرضوخ والجمود، ولا يحركوا ساكناً؟.

الم يُقتل في هذه المذبحة البشعة، من أبناء هذا الوطن، من هم من سكان طرابلس والزاوية و مصراتة والخمس، وغيرها من مدن غرب ليبيا؟ لماذا لم ينهض ويتحرك أهلهم وذويهم من أجل دماء أبنائهم؟ وكيف تخرج النساء من الأرامل والأمهات، والأخوات المفجوعات، واليتامى من أبناء الشهداء، والآباء الذين فقدوا أبنائهم، والأخوة الذين فقدوا إخوانهم في مدينة بنغازي، ولم يجدوا من يقف معهم في هذه الكارثة الإنسانية وهذه الجريمة النكراء؟ الم تحرك دموع الأمهات والثكالى، ولوعة الأخوات، وأحزان الآباء واليتامى، قلوب الصامتين الذين تجمدت مشاعرهم الإنسانية والوطنية، فأصبحوا متفرجين بلا ضمائر و لا أحاسيس؟. أستحلفكم بالله ما هو شعوركم وأنتم تشاهدون عبر الفضائيات، نساء بنغازي يجوبن شوارعها، يولولن ويصرخن بأعلى أصواتهن، وتغطي وجوههن الأحزان و ألآلام؟. بالله عليكم ما هو شعوركم وأنتم تسمعون تلك الجمل والكلمات العظيمة، التي صرخت بها حرائر بنغازي، أهالي ضحايا مجزرة أبو سليم، كلمات لو قيلت لمولود لأفطم قبل أن يسبع، ولو قيلت لأبكم لصرخ بأعلى صوته، ولو رددت في معركة طاحنة لكان النصر حليف صفوف قائلها، ولو قيلت لكافر، لأعتلى المنابر وأذن.

ما قيمة الوطن وأين الوطنية عندما يقتل مواطن ظلماً وعدواناً في بقعة ما من هذا الوطن، ولا يحس أو يهتم به مواطن آخر في بقعة أخرى من نفس الوطن؟؟.

أهلنا الليبيين الأحرار الشرفاء في ليبيانا الحبيبة، كفانا ما ضاع منا، لقد أهدرت عقود زمنية، وتحطمت آمال وطموحات أجيال كاملة، والآن آن الأوان لكي نقف جميعاً غربا وشرقا وجنوبا وقفة واحدة، يداً واحدة وقلباً واحد من أجل ليبيا، فهذا "النظام" لم ولن يفرق بين هذا أو ذاك، وخطره يهدد كل الليبيين، فاليوم هذا وغداً أنا، وبعد غداً أنت، الواحد تلو الآخر، إلى أن يزداد حجم الدمار والخراب، بين أبناء الشعب الليبي.

فأرجوكم ثم أرجوكم، أن لا تتركوا أهلنا في بنغازي والمناطق الشرقية وحدهم، لا تتركوهم في هذا المصاب الجلل، فهؤلاء هم أهلنا ونحن منهم وهم منا، ومصابهم مصابنا، وأبنائهم أبناءنا وآبائهم آباءنا وإخوانهم إخواننا، وها أنا أبنتكم أناديكم وأستحلفكم بقداسة الدم والوطن، وبصلة الرحم، وعزة الله والدين، فهل سأجد من يسمعني و هل سأجد من يلبي ندائي، من أهلي وناسي في مدينة طرابلس والمناطق الغربية!!؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا جزيلا
ليلى أحمد الهوني ( 2010 / 2 / 9 - 22:49 )
شكرا جزيلا سيدي أمازيغ.. عشت ودمت ودامت كلماتكم الطيبة والمشجعة لي

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -