الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحماض قبل الإنتخابات

محمد سعيد الصگار

2010 / 2 / 10
الادب والفن


عندما كانت أشجار النخيل في‮ ‬البصرة ، في‮ ‬الحرب العراقية الإيرانية تشتعل ضفائرها،‮ ‬وقعتُ‮ ‬مريضاً،‮ ‬فعادني‮ ‬صديقي‮ ‬المفكر العربي‮ ‬فوّازطرابلسي‮ ‬وسألني‮ « ‬ما الذي‮ ‬يوجعك‮ ‬يا محمد؟‮» ‬،‮ ‬قلتُ‮ ‬له‮: «‬البصرة توجعني » .

ولو عاد فواز اليوم وسألني‮ ‬عما‮ ‬يوجعني‮ ‬لقلت له‮ « ‬الإنتخابات توجعني‮» .

‬والحق أنها توجع كل العراقيين‮. ‬ولكون الوجع‮ ‬يعمّنا جميعاً،‮ ‬فلا بدّ‮ ‬من التماس ما‮ ‬يخفف ضغط الدم وارتغاع مستوى السكّر وتعذر النوم الطبيعي،‮ ‬وهو ما‮ ‬يستدعينا إلى التماس ما‮ ‬يخفف عنها بالإحماض والتماس الطرائف التي‮ ‬تسهّل عبور المشاكل السياسية بانتظار ما تُسفر عنه زوبعة الإنتخابات‮. ‬ولنبدأ بالزمبرك المدوّر‮.‬

‮ (‬لفائف الربيع‮) ‬هي‮ ‬أكلة صينية لا‮ ‬يفتقر منها أي‮ ‬طلب من الموائد الصينية الأساسية،‮ ‬لكونها من المقبّلات التي‮ ‬تبدأ بها قبل أن‮ ‬يأتيك الصحن،‮ ‬أو الصحون التقليدية الصينية‮. ‬وهي‮ ‬عبارة عن لفيفة من رقائق العجين الني‮ ‬تحتوي‮ ‬على خليط من الخضار أو الروبيان أو الدجاج أو ما شاء الله مما تتفتّق به رؤية الطباخ الصييني‮ ‬الذي‮ ‬يأتيك بصحن أنيق‮ ‬يقطّع هذه اللفائف بشكل‮ ‬يغري‮ ‬بالتناول قبل مائدنك الأساسية‮.‬

هذه اللفائف التي‮ ‬تستقرّ‮ ‬على مائدنك قبل طلبها‮. ‬هي‮ ‬حضور صيني‮ ‬يستدرج إلى ما‮ ‬يليه من أطباق لا حدود لها من الإختيارات‮.‬

على أن ما‮ ‬يبعث على الظرف أن هذه المسميات لهذا المقبّل اللذيذ تشترك كلها في‮ ‬معنى واحد بمختلف الترجمات،‮ ‬إلا بواحدة‮. ‬فهي‮ ‬بالعربية‮ (‬لفائف الربيع‮) ‬كما أسماها الشاعر سعدي‮ ‬يوسف،‮ ‬وهي‮ ‬كذلك بالإنگليزية‮ ( ‬سپرنك رول‮)‬،‮ ‬وبالفرنسية‮ ( ‬رولو دو برنتون‮)‬،‮ ‬وكلها ترجمة متطابقة لاسم هذا المقبّل الصيني‮ ‬الذي‮ ‬لا أعرف كيف‮ ‬يُلفظ بالصينية‮.‬

ولعل أطرف ترجمة وقفتُ‮ ‬عليها في‮ ‬مطعم الإبراهيمي‮ ‬في‮ ‬ابو ظبي‮ ‬قبل خمسة عشرة عاماً،‮ ‬ووجدتها على حالها،‮ ‬لم تتغير قبل ثلاث سنوات،‮ ‬فهي‮ (‬زنبرك مدوّر‮) !‬

فــ‮ (‬سپرنك‮) ‬تعني‮ (‬الربيع‮) ‬كما تعني‮ (‬النابض الحلزوني‮ - ‬زنبرك‮). ‬و‮ (‬اللفائف والرول والرولو‮) ‬تعني‮ ‬في‮ ‬مطعم الإبراهيمي‮ (‬المدوّر‮)‬،‮ ‬يعني‮ ‬الملفوف‮ أو المطوي.

وفي‮ ‬فضول مني‮ ‬في‮ ‬معرفة لفظها بالصينية افتعلت زيارة للمطعم الصيني‮ ‬الشهير في‮ ‬پاريس‮ (‬دراكون‮)‬،‮ ‬وطلبت وجبتي،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها هذا‮ (‬السپرنك رول‮)‬،‮ ‬فإذا هو‮ (‬نسيته ويتعذر عليّ‮ ‬في‮ ‬برد باريس أن أعود إلى المطعم وأسأله‮ ) !!.‬

وعلى ما‮ ‬يحمله هذا‮ (‬الزمبرك‮) ‬من إيحاء بطعم المعدن،‮ ‬و‮ (‬خشخشة‮) ‬بين الأسنان،‮ ‬وإحساس بتوقّع كون شيء ما‮ ‬ينبض في‮ ‬الفم ويوشك أن‮ ‬يُفلت من بين الأسنان؛ أقول،‮ ‬مع ذلك،‮ ‬يظل هذا‮ (‬الزمبرك‮) ‬لذيذ الطعم والنكهة.

كما وجدتُ‮ ‬الإسم لا‮ ‬يخلو من طرافة،‮ ‬فهو‮ ‬يحملنا على استظراف التسمية فنبتسم لها،‮ ‬وتنبسط لها أساريرنا،‮ ‬ونُقبل على المائدة بشهية لا تضيع معها الفلوس؛ وفي‮ ‬ذلك من حذق الترجمة ما‮ ‬يفوت على‮ ‬ياسين طه حافظ وكاظم حهاد وصلاح نيازي‮ ‬وابتسام عبدالله وعدوية الهلالي‮ ‬وشوقي‮ ‬عبدالأمير وعادل العامل وأساطين الترجمة في‮ ‬بلادنا؛ وهو،‮ ‬بعد،‮ ‬مثل‮ ‬يُقتدى في‮ ‬فن الإشارة والتلميح الذي‮ ‬خلت منه فنون البلاغة العربية رغم العلاقات الثقافية بيننا وبين الهنود وأهل الصين،‮ ‬ومن جرى مجراهم في‮ ‬قارتنا الآسيوية،‮ ‬على مر العصور‮.‬

لفائف الربيع تحولت في‮ ‬أيامنا إلى لفائف الشتاء بعد أن تحولت الشوارع والبيوت والحدائق إلى فضاءات شاسعة من الثلج الجميل والمربك والتي‮ ‬لا‮ ‬يعلم إلا الله ما تحتوبه هذه اللفيفة المخادعة،‮ ‬وما تنوي‮ ‬إليه‮.‬

لفلفوا أمركم باننظار لفلفة الإنتخابات،‮ ‬ومن الله التوفيق‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحمل فرحي لدجلة
ئاشتي ( 2010 / 2 / 10 - 06:07 )
العزيز أبا ريا
لك المودة
كلما تصافح عينيَّ كلماتك،يملؤني فرح طفولي،فأحمل هذا الفرح الى دجلة سيما وهي لا تبعد عن مضجعي سوى عشرة أمتار،وأتيه بجريان هذا الجميل الذي ما أحببنا نهرا غيره،
كل ما أتمناه أن تستمر بأبداعك،أولا نطمئن على صحتك، وثانيا نشعر أن الجمال لازل هو الذي يغطي اشجار الكون
صديقك
ئاشتي

اخر الافلام

.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع




.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح




.. عوام في بحر الكلام - إلهام أحمد رامي: أم كلثوم غنت في فرح با