الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيكاسو يدين (الحريـــة) الأميركية

ثائر زكي الزعزوع

2004 / 7 / 6
الادب والفن


تبدو أميركا للوهلة الأولى وللناظر إليها من بعيد أنموذجاً متفوقاً للحرية والعدالة، من خلال الشعارات العريضة التي ترفعها وتحاول تسويقها، أو من خلال اعتراضاتها الدائمة والدؤوب على بعض الانتهاكات (الصغيرة) التي تحدث في بقاع العالم المختلفة... لكن الولايات المتحدة وكما يجمع الكثير من المفكرين وقراء التاريخ قد صنعت تاريخها الحديث بمجزرة كبرى، ووطدت بنيانها بمجازر لاحقة ولم تكف يوما عن ارتكاب الفظائع التي لم تصل إليها يد القانون ولم تسلط الأضواء بشدة لفضحها والكشف عنها...
وقد كانت الحرب التي حدثت في شبه الجزيرة الكورية خلال الفترة من 1950 حتى ،1953 واحدة من تلك الإشارات الواضحة التي يمكن للمراقب رغم مرور هذا الزمن الطويل أن يدين من خلالها تصرفات الجيش الأميركي، الذي يطل دائما بصفة المخلص والمنقذ، ولعل لوحة الفنان العظيم بابلو بيكاسو واحدة من الأدلة الدامغة على تلك المجزرة التي مارسها جنود الجيش الأميركي، فلوحة /مذبحة كوريا/ تصوّر كوارث الجيش الأميركي من خلال عمليات القتل للمدنيين التي حدثت على يد الجنود.
ففي مطلع هذا العام وصلت لوحة (مذبحة كوريا) لأول مرة إلى كوريا بعد مرور أكثر من نصف قرن من رسمها على يد بيكاسو العام 1951.وهو العام الذي امتلك فيه الفنان طاقة شعورية كبيرة ومناهضة لعمليات القتل التي لا تفرق بين آلاف المدنيين واللاجئين من جنوب كوريا الذين تعرضوا لعمليات التعذيب والقتل والذبح على يد جنود جيش الولايات المتحدة الأميركية في ذروة الحرب الكورية، وتصور اللوحة مشهداً في غاية الفظاعة والقسوة واللاإنسانية.. سيدات وأطفال، يتم ذبحهم على يد رجال بيض، وكانت معروضة في متحف بيكاسو القومي الكائن في قلب باريس، وقد نقلت اللوحة إلى كوريا ليتم عرضها هناك خلال شهر تموز بمناسبة مرور قرابة الخمسين عاما على ذكرى تلك المجزرة التي راح ضحيتها الآلاف من الكوريين ضحايا القصف الجائر...
وتعد /مذبحة كوريا/ إحدى الأعمال الفنية ذات الصبغة السياسية الأكثر تعبيراً عن هذه الكارثة وكان بيكاسو قد رسمها بعد عام واحد من عبور القوات الشيوعية لمنطقة شمال كوريا - الخندق الثامن والثلاثين - واحتلال العاصمة /سول/ وباعتبار بيكاسو عضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي، فقد استلهم أفكارا من التدخل الأميركي في شبه الجزيرة الكورية.
وبهذا الفعل وتأثيره المباشر سياسياً، تقيد بيكاسو كثيرا بما حدث من خلال استخدام لوحته في مناهضة الحرب، وركز في لوحته، /مذبحة كوريا/ على ذبح آلاف المدنيين من جنوب كوريا على يد القوات الأميركية في (نوجان ري) و (يونجدونج جن) و(شمال شونجشونج) بداية من 26 حتى29 تموز عام ،1950 وقد أعلن أنه إلى جانب عمليات القتل، كان الجنود الأميركيون يحرقون القرويين واللاجئين العزل في سراديب، وفي نهاية الأمر، كان هناك أكثر من 300 شخصاً تم قتلهم رميا بالرصاص، بمعنى أنهم تجردوا من إنسانيتهم واستخدموا كل ألوان السحق والقتل والذبح والفتك والحرق!!
وتعد هذه اللوحة من الأعمال الفنية الجدلية، ليس فقط بسبب إنكار الولايات المتحدة الأميركية لارتكابها هذه الجرائم كلها، وإنما أيضا لانتقادها من قبل الحزب الشيوعي الفرنسي الذي ينتمي إليه بيكاسو، وهذا العمل الفني /مذبحة كوريا/ لعام 1951 يتحد مع العمل الفني /الجورنيكا/ عام 1937 كونهما شهادتين دامغتين في تاريخ البشرية ضد الحرب في أي زمان ومكان، وقد أضاف ذلك عمقاً وتأكيداً للمواقف الوطنية والإنسانية. ولذلك ظل بيكاسو معروفا بأعماله الفنية السياسية الهامة التي يدعو فيها إلى التلاحم والاندماج بين جميع طبقات المجتمع، وبجانب لوحة /مذبحة كوريا/، فقد رسم بيكاسو الكثير من الأعمال الفنية لتصوير مشاهد الآلام والبشاعة في الحرب الكورية التي تفجرت في الخامس والعشرين من شهر حزيران 1950 و انتهت في السابع والعشرين من شهر تموز العام 1953 ونذكر من الأعمال الفنية التي ارتبطت بالموضوعات السياسية /حرب - الحرب والسلام/ العام 1951 - سلام الحرب والسلام/ عام ،1952
و أطلق على هذه الأعمال سلسلة /الحرب والسلام/ وظهر فيها رجل ممسك في إحدى يديه حمامة وفي الأخرى سيف في مواجهة دبابة عملاقة، والعام 1952 رسم بيكاسو عمله /الحرب والسلام/ محاولاً جاهداً التعبير عن ويلات الحرب والفرحة بالسلام، وفي العام نفسه رسم عملين ملونين باسم /تفاصيل الحرب/ وجاء التعبير عن الخير والشر من خلال نظرة الفنان الثاقبة والهادفة في الموضوع الدال على رؤيته الإنسانية لقضايا الإنسان.
وكانت الأحداث السياسية الملتهبة في أوروبا تؤثر على بابلو بيكاسو تأثيراً بالغاً في حياته وفنه ورؤاه للحياة والمستقبل، فقد أثرت الحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب الأهلية الأسبانية والحرب الكورية على بيكاسو وجذبت انتباهه تجاه المجتمع والأحداث السياسية الجارية في ذلك الوقت.. قام برسم مجموعة أخرى من اللوحات الفنية عن الحرب الكورية، منها لوحة /سقوط إيكاروس/ العام 1958 وهي لوحة جدارية بمبنى اليونسكو في باريس، ويعتبر بابلو بيكاسو أول فنان في القرن العشرين رسم /حمامة بيضاء/ رمزاً للسلام فاستخدمت في- يوم السلام العالمي- في جميع أنحاء العالم.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟