الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواق واق الجديدة

صبحي حديدي

2004 / 7 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية "نهاية التاريخ" الشهيرة، كتب ما يلي عن صمويل هنتنغتون، صاحب نظرية "صراع الحضارات" التي لا تقلّ شهرة: إنني أكثر ثقة منه بأنّ الولايات المتحدة سوف تواجه تحدّيات القرن الحادي والعشرين، وستنجح، وتنتصر! ليس في مسائل السياسة وقيادة الكون واختتام التواريخ والظفر في صراع الحضارات فحسب، بل كذلك في المصالحة بين "الثقافة الأنغلو ـ بروتستانتية" و"الثقافة الإسبانية ـ اللاتينية"...
جاء استبشار فوكوياما هذا في سياق مراجعته لكتاب هنتنغتون الجديد، الذي صدر مؤخراً بعنوان "مَن نحن؟ تحدّيات الهوية الوطنية الأمريكية"، والذي يساجل بأنّ أمريكا لن تتمكن من مواجهة التحديات القادمة إلا إذا حافظت على هويتها المسيحية الأنغلو ـ بروتستانتية. وهكذا فإنّ عنوان المراجعة التي كتبها فوكوياما يلخّص محتواها تماماً، بل يكاد يغني عن قراءتها: "أزمة الهوية: لماذا لا ينبغي أن نخشي الهجرة المكسيكية؟".
في عبارة أخرى، يقول فوكوياما: ليست المسيحية الأنغلو ـ بروتستانتية هي وحدها الخلاص، ولا الهجرات القادمة من المكسيك ومختلف بلدان أمريكا اللاتينية سوف تلعب دوراً مماثلاً للدور الذي لعبته الهجرات القادمة من أوروبا، خصوصاً وأنّ الكاثوليكية هي معتقد الغالبية الساحقة من هؤلاء المهاجرين، فضلاً عن أنّ بعضهم ينتمي إلى المذهب الإنجيلي البروتستانتي. أكثر من هذا، يتساءل فوكوياما، أليسوا أقرب إلى الأنغلو ـ بروتستانت من السود الأفرو ـ أمريكيين؟ ألم يسمع هنتنغتون بالجنرال ريكاردو سانشيز، قائد القوّات الأمريكية في العراق؟
ولكن... أهذه، حقاً، هي اليوم نقاط الخلاف بين مفكّر أوّل بشّرنا بانتهاء التاريخ وانتصار الآدمي الرأسمالي إبن اقتصاد السوق وخاتم البشر أجمعين، ومفكّر آخر بشّرنا بأنّ صراعات البشرية القادمة لن تدور حول المصالح والأسواق وتقاسم القوّة بل حول ارتطام حضارة بأخرى، جوهرياً أو حتى حصراً؟ أهذه، حقاً، هي مآلات ذلك "الشقاق الكبير" بين التاريخ الذي انتهى عند انهيار جدار برلين، والتاريخ الذي اندلع من جديد في المساجد والحسينيات ومعسكرات تدريب "القاعدة"؟
وإذا كانت الثقافة الأنغلو ـ بروتستانتية هي آخر فتوحات هنتنغتون، فإنّ آخر مآثر فوكوياما كانت... نظرية "النظام البيولوجي للعلاقات الدولية"! نتذكّر، هنا، كيف قادنا الأخير إلى حديقة حيوانات أرنهيم، في هولندا، حيث دار صراع مكيافيللي بين "يروين" الشمبانزي الذكَر وزعيم المستوطنة، و"لويت" الشمبانزي الشاب الطامح إلى الزعامة، انتهى إلى تنحية الأوّل وصعود الثاني. ثم أعادنا إلى صراع آخر سابق شهدته محميّة غومبي في تنزانيا، وانتهى إلى اضمحلال الفريق الجنوبي تماماً، باستثناء عدد من الشمبانزي الإناث اللواتي بقين على قيد الحياة لأنهنّ إناث أوّلاً، ولأنهنّ التحقن صاغرات بالفريق الشمالي.
فوكوياما استخلص أوّلاً أنّ ظواهر العدوان والعنف والحرب والتنافس المحموم على السلطة أقرب إلى سيكولوجية الرجل منها إلى سيكولوجية المرأة، والنتيجة هي أنّ العالم الذي تحكمه النساء سوف يكون مختلفاً تماماً لأنه سيتبع قواعد مختلفة تماماً. واستخلص، ثانياً، أنّ النزعة الذكورية لاستخدام العنف الجماعي ليست ذات صلة بتقاليد المجتمعات البطريركية فحسب، بل هي بنية بيولوجية صرفة... الأمر الذي يجعل تعديلها مسألة معقدة وطويلة الأمد. وهكذا دعا نساء العالم إلى الإنخراط في السياسة، الآن قبل الغد، إذا كانت الإنسانية ستدخل الألفية الجديدة وقد وضعت ركائز سليمة لبناء عالم ما بعد صناعي، ما بعد حداثي، ديمقراطي، سلمي، و... نسوي. والنموذج المطلوب هو مثال السيدة الحديدية الخشنة (وفوكوياما يسمّي مارغريت ثاتشر وغولدا مائير) وليس السيّدة الرومانتيكية الرقيقة الحالمة.
وأمّا ثالثاً، وبيت القصيد في الواقع، فهو الكاشف العنصري لمراثي فوكوياما: أنّ النظير البشري للعنف الجماعي كما تمثّله صراعات الشمبانزي ليس حروب أوروبا التي سقط فيها عشرات الملايين من البشر، بل حروب المسلم والصربي في البوسنة، والهوتو والتوتسي في رواندا، والميليشيات في ليبيريا وسيراليون وأفغانستان... والتتمة الطبيعية هي تشديد صاحبنا على أنّ نظام العلاقات الدولية الجديد (أي ذاك الذي تحكمه النساء والحكمة النسوية) سوف يظلّ بحاجة إلى أنظمة ذكورية عاصية هنا وهناك، شريرة شيطانية يتوجّب على المجتمع الدولي الجديد تأديبها وجعلها عبرة لمن يعتبر. ومَن تتوقعون أنه في طليعة هذه الأنظمة الذكورية العاصية، حسب فوكوياما؟ مَن سواه؟ صدّام حسين... بالطبع!
وإذا كانت هذه هي مشاغل فارسَيْ "نهاية التاريخ" و"صراع الحضارات"، وفي هذه الأحقاب بالذات من تاريخ العلاقات الدولية، فكيف يمكن للمرء أن يستغرب مطالبة بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين بوضع مراقبين دوليين على صناديق الانتخابات الرئاسية... ليس في بلاد الواق واق، بل في الولايات المتحدة الأمريكية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة