الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لأجل عين القمر

حيدر السلامي

2010 / 2 / 11
الادب والفن


كانت الغاية ـ بكل المقاييس ـ بعيدة جداً، لكن أقدامنا جرت غيرَ آبهةٍ بالآلام، وكذا جميع السابلة الذين جاءوا دون سابق موعد ومن كل جهة ليكوّنوا مسرب نمل واحد.
لم يمرّ ببالنا شيء سوى الوصول، أما العود فلا أهمية له على الإطلاق.
الوجوه كلها ورغم أمارات التعب البادية عليها بوضوح وأشعة الشمس التي وسمتها، لم تغرب عنها سحنة الأمل البعيد القريب.
جعل صاحبي يتأوه بصوت خافت لكي لا يثير انتباه السابلة. حاولت مساعدته على تخطي الأمر فلم أفلح كثيراً. كانت الذئاب قد أكلت نصف رجله اليمنى خلال الرحلة الماضية وهو عازم هذه المرة على ملاقاتها مهما كلف الثمن. فإما أن يبلغ غايته وإلا يلقمها النصف الآخر أو الرجل الأخرى، وإن شاءت فلتلتهمه كلياً.
لأجل هذا وغيره، بالغ في رفع رايته الحمراء التي بدت كأنها تسعى لتعلق على جبين الشمس قبلة وداع أخيرة.
أخذ الطريق يكتسي ألواناً وألواناً ويموج براكبيه، وعلى الجانبين أعدت موائد المستطعمين وأترعت مناهل الظماء.. عيد كبير وجمع غفير تداخلت فيه الأصوات وارتفعت الصلوات كدوي النحل.
ثمة ترنيمة ملائكية تسللت إلى إذني برفق وراحت تعللني، بينما داعبت الريح نشوتي.. كدت أغفو وأنا أمشي لولا أن سانحة غمرتني دون سابق إخطار، فتحتْ عينيّ على واقع آخر جرني لمواصلة المسير بيقظة وترقب.
كانت أمي صاغت لأذني كلمة أسمتها (ترجية) قالت: إذا نمت فدع قلبك صاحياً لئلا ينكرك محبوك.
اخترعت سباقاً بين قدمي وأنفاسي ووعدت أن أمنح الفائز وساماً رفيعاً. وبهذه الطريقة تغلبت على نوم ثقيل ظل يحوم فوق رأسي لساعات.
جعلت ألهث وقدماي تئنان من التعب، لكن قلبي ما يزال جامحاً.
قال صاحبي: هلم نستريح. خطفته بنظرة ومضيت. ولم أكد أحول نظري عنه إذا به أمامي يكدح برجل ونصف رجل عضدها بسارية رايته الحمراء. تبعته مُجداً وبكل ما أوتيت من قوة، لكنني كلما اقتربت من رايته نأى بعيداً عني وهكذا بقيت.. أبلغه تارة وأفارقه أخرى، حتى لاح لي المزار من بعيد وأخذت أتأمله بشغف العاشقين وغمرتني سورة الانبهار ونشوة الانتصار ولعلع الذهب في طوفان الضوء اللامتناهي.
وبعد لحظة حلم طويل وجدتني وحيدا ملقى على الثرى.. أين السابلة؟ بل أين السبيل؟ تذكرت صاحبي فأشخصت ناظري إليه لعلي أقص أثره ولا من أثر.. إذا برايته الحمراء تلوح وما تزال تنأى وتعرج حتى بلغت غايتها البعيدة واستحالت نقطة حمراء.
في الرحلة التالية، علمت أن صاحبي سمم النصف الثاني من رجله الأكيلة مع الرجل الأخرى ويديه كلتيهما وقدمها جميعاً بسخاء إلى الذئاب.. فكان أن أمطرت السماء دماً واحتفظت بقطرة واحدة لأجل عين القمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل