الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآثار : بين العلماء والتجار !

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2010 / 2 / 11
كتابات ساخرة



لاشك أن "بعض" رجال الأعمال المشتغلين اليوم بالسياسة في مصر(ومنهم وزراء) هم أشخاص أفاضل خلقاً وتكويناً وخبرة. ومع ذلك ، فأنني أرى ضرورة أن يكون سقف الأنشطة والأدوار السياسية لرجال الأعمال هو جمعيات المجتمع المدني ومجموعات التأثير. أما إنضمامهم لقيادة العمل السياسي فهو أمر بالغ الخطورة (بصرف النظر عن جودة عنصر بعض من رجال الأعمال المشتغلين بالسياسة). فرجل الأعمال هو إنسان تكون وتدرب على أساس أن هدفه هو تعظيم المردود المالي للأنشطة التي ينخرط فيها. وهو هدف مشروع ، طالما بقى أصحابه "محض رجال أعمال فقط". أما قادة المجتمع السياسيون فإنهم أشخاص تكونوا وتدربوا على خدمة أهداف أخرى عديدة غير "الربحية"، فهم يتوخون النجاح الاقتصادي ، ولكنهم يتوخون أيضاً أهدافاً سياسية وإجتماعية وتعليمية وثقافية تتجاوز في أهميتها موضوع "الربحية".
وكاتب هذه السطور يرى أن رجل الأعمال مجبول على إستهداف الربحية بشكل (وإن كان مشروعاً) إلا إنه يحتاج لضابطي إيقاع لهم نظرة وإهتمامات أرحب وأوسع (وأخطر).
إن رجال الأعمال قد يروا تحويل حديقة الحيوان في الجيزة لشئٍ اَخر يحقق مردوداً مالياً أفضل . وقد يرون التساهل في التعامل مع الأثار . وقد يتجهون جميعاً للمنادة بإلغاء مجانية التعليم أو لإلغاء الدعم على المواد الغذائية وخلافها. وهي أفكار غير مستغرب أن تأتي من رجال أعمال. ولكنها ترى من قبل السياسي المثقف كأفكار شديدة الخطورة . وقد يكون بعضها هداماً وضاراً.
إن طرح أفكاراً كهذه (وما أكثرها) أمر عادي ، طالما أن في المجتمع كادر سياسي محترف يدرك مغبة أفكار ضيقة الأفق كهذه الأفكار. إذ أن هذا الكادر السياسي سيوقف هذه الأفكار من البداية لحماية المجتمع والسلام الجتماعي من "أفكار غير مثقفة" كهذه الأفكار.
أن أي نظام سياسي يكون في طليعة مناصريه وداعميه "رجال الأعمال" ، هو نظام يقود مجتمعه (لاسيما إذ كنا في العالم الثالث) لبركان من الصدام الإجتماعي.
وإذا كان من الهزل أن يتحدث "تاجر حديد" عن سياسات طبية أو تعليمية أو سياسات البحث العلمي، فإن الهزل يكون أشد خطورة عندما يتحدث "صانع سيراميك" عن الاَثار في بلد مثل مصر. وليتخيل القارئ أن رجلاً لا يعرف أسماء حكام الأسرة الثامنة عشر يريد أن يشرّع للأثار في بلد به علماء مصريات تقف الدنيا إحتراماً وإجلالاً لهم.
وليتخيل القارئ معي دولة تفشل في توحيد الاَذان (للصلاة) وتفشل في إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين (هذا القانون موجود لدى الحكومة منذ أكثر من ثلاثين سنة) وتفشل في إصدار تشريع ينظم الرهن العقاري وتفشل في إصدار قانون ينظم نقل الأعضاء البشرية والتبرع بها – ثم تأت هذه الدولة وتقفز للحديث عن تحويل حديقة الحيوان بالجيزة لمشروع ذي غرض اَخر (!!) وكذلك ليتحدث أحد رموزها (والذي ليس بوسعه ذكر إسم الأسرة التي ينتمي لها إخناتون!!) عن المرونة في التعامل مع الأثار(!!) ورغم إننا نعرف الذين سيستفيدون من هذه المرونة(!!) فإننا لن نتحدث (الآن) عن هذا الجانب ، وإنما نتحدث فقط عن مهزلة أن يكون بمصر رجال مثل زاهي حواس ، ويتكلم تجار حديد وسيراميك عن الآثار! وللمرة العاشرة أكرر أن تواجد رجال الأعمال في (قمرة القيادة السياسية في مصر) أمر خطير وعواقبه وخيمة ويبشر بتصدعات مجتمعية لا حد لها.
إن المكان الطبيعي (والوحيد) لهؤلاء "التجار" هو مكاتبهم الخاصة ومصانعهم ومشروعاتهم . أما السياسة ، فتحتاج لمؤهلات لا علاقة لهم بها ، ومنها شئ إسمه "الثقافة" وشئ آخر إسمه "المعرفة"!.
ومن الهزل أيضا أن يردد البعض أن تجربة إنخراط كبار رجال الأعمال فى العمل السياسي بوجه عام وفى المناصب الوزارية بوجه خاص هى تجربة سبق تطبيقها فى مجتمعات مثل الولايات المتحدة وتجارب النمور الآسيوية ! فهذا محض كذب ! ففى هذه المجتمعات هناك كادر من المديريين التنفيذين من محترفي الإدارة (وهم نبتة المؤسسات العالمية) ... وهولاء لا يصح وصفهم بأنهم رجال أعمال . إن رئيس هيئة قناة السويس أو رئيس البنك الأهلي أو رئيس هيئة الكهرباء أو رئيس هيئة البترول - كل واحد من هؤلاء هو مدير تنفيذي وليس بحال من الأحوال "رجل أعمال" . بنفس المنطق فإنه من المضحك أن يقول البعض فى واقعنا أن رجلا مثل جورج شولتز (وزير خارجية أسبق للولايات المتحدة ) أو كونداليزا رايس (أيضا وزيرة خارجية سابقة للولايات المتحدة) أو ماكنمارا (وزير سابق فى الإدارة الأمريكية ورئيس سابق للبنك الدولي) او عشرات الشخصيات المماثلة فى سنغافورا وكوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا بأنهم "رجال أعمال".... فليس بين كل هؤلاء من يصح وصفه برجل أعمال ... فقد كان كل منهم مديرا محترفا فى مؤسسة . ورجل الأعمال هو من يدير أمواله أو أموال عائلته ،وليس بين من ذكرت من كان يدير أعمالا خاصة به أو بعائلته ! .... لقد كان كاتب هذه السطور رئيسا لمجموعة من شركات البترول العالمية التى لم يكن يملك فيها أي شيء ، وإنما كان مديرا محترفا درس الإدارة فى أعرق معاهدها ودرس معها الإقتصاد وعلوم الموارد البشرية والتخطيط والعلوم الإستراتيجية ... ومثلي مثل الذين ذكرت بعض أسماءهم كنت (ولا أزال) أشعر بإساءة بالغة عندما يصفني أحد الإعلاميين برجل أعمال ! ، فمكوناتي المعرفية والإدارية والقيادية لا علاقة لها بمكونات التجار ورجال الأعمال.
** كتب هذا المقال تعقيبا على محاولة أحد التجار فى دولة "مهازلستان" (تاجر خردة وحديد وسيراميك) والذى هو أحد أهم قادة الحزب الحاكم فى "مهازلستان" وأهم أعضاءه فى البرلمان إصدار تشريع يبيح الإتجار فى الآثار !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: -أكفان كروننبرغ- على البساط الأحمر


.. فنان أمريكي يُصدر أغنية بصوته من جديد بعد أن فقد صوته بسبب س




.. -الكل يحب تودا- فيلم لنبيل عيوش يعالج معاناة الشيخات في المغ


.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل




.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة