الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة والنسيان في العلاقة المغربية- الاسبانية

محمد الخمليشي

2010 / 2 / 13
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



احتضن فندق إبيس بالرباط، يوم : 05-02-2010 ، اللقاء التحضيري الأول للندوة الدولية المزمع تنظيمها بالرباط أيام 23-24-25 أبريل 2010، تحت شعار: "الثابت والمتحول في العلاقة المغربية الاسبانية: الرهانات والتحديات".
يشترك في الإعداد للندوة كل من جمعية الريف للتضامن والتنمية ومركز الذاكرة المشتركة والمستقبل.
تجتمع فعاليات الندوة حول موائد مستديرة كانت أولاها بين إعلاميين اسبان ومغاربة .والثانية ستجمع يوم الجمعة 26 فبراير2010، سياسيين من نفس البلدين، بالرباط. أما الثالثة فستجمع أكاديميين ومثقفين ، بمدينة طنجة يوم 20 مارس 2010.
استهل الكلام أحمد بنتهامي رئيس جمعية الريف للتضامن والتنمية، شاكراً الحضور وراسماً الخطوط العريضة لمحاور الندوة والأهداف المتوخاة منها، خاصة، لما لجمعيته من امتداد في جغرافية الريف. ولما لمركز الذاكرة المشتركة والمستقبل من تعلق بذاكرة ومستقبل مشترك مع الاسبان.
لا شك أن جلسة (المادة المستديرة) المشار إليها أعلاه، ظلت أقرب إلى جلسة بوح واستماع واستكشاف، وكأنها زوبعة ذهنية ، تماما كما أصر مسير الجلسة عبد الصمد بنشريف أن يذكر الحضور، المتكلمين بالتركيز لمدة 8 ثمان دقائق، ولا داعي لتحضير مسبق، فالجلسة براد لها أن تكون فرصة للبوح المباح.
كان الكلام لماحاً، ملاحظاً، مؤاخذاً وناقداً .. ابتداء من محمد العربي المساري الذي عاين عديدا من المفارقات لدى الإعلام الاسباني بخصوص قضايا وطنية أو خلافات عالقة... توزعت الكلمات بسلاسة بين المتدخلين على اختلاف مواقعهم الإعلامية: المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية..
ركز الإعلاميون، في مداخلاتهم على قضايا إشكالية تهم الحاضر ، في العلاقة بين البلدين:
اسبانيا الحالية تتحول إلى بلد مستقبل للهجرة(5 ملايين مهاجر)، تستقبل مهاجرين مغاربة، بمن فيهم من يركب مراكب الهجرة السرية. الرأي العام الاسباني يعيش جهلا ملحوظاً للآخر. تحكمه أفكار مسبقة ؛ فالارهاب و الاسلاموفوبيا.. حساسيات تغذي المشاكل العالقة والمستجدة بين حكومتي البلدين (الصحراء،مساندة الرأي العام الاسباني للبوليزاريو، سبتة ومليلية والجزر، المخدرات، الهجرة السرية، الطماطم المغربية، إليخيذو، أميناتو حيدر..)
كما تم استحضارالذاكرة التاريخية، من حيث أن الكتابات الإعلامية الاسبانية الراهنة لا زالت تتحدث بهواجس الماضي، بما تتضمنه من دلالات المواجهات العدوانية السلبية من قبيل "المُورُو" و"الموريسكيون".. حدث ذلك قبل وبعد تجنيد واستقدام الجنرال فرانكو ل 100 ألف رجل مغربي،إلى إسبانيا، إبان الحرب الأهلية الاسبانية(1936-1939) لمواجهة الجمهوريين أوRojos (الحمر)بالتعبير الفاشي الفرنكوي...بموجب ذلك كانت العلاقة غير متكافئة بين الشعبين، حيث سيتم تهميش العلاقة الايجابية حتى تجاه الإعلاميين المغاربة.
كما كان السؤال: عما هي الآليات المشتركة التي ستمكن من مد الجسور؟ وبخاصة بين المهنيين في مجال الإعلام؟
فبالرغم من أن غالبية هؤلاء ينتمون إلى مواقع سياسية، فقد كانت الدعوة إلى الاستقلالية عن السياسي؛ إذ أن تحصين هذه الاستقلالية يُمكّن من الدفاع عن الحق في التعبير، وحرية إيصال الخبر وتلقيه.
كما، أن إعطاء الأولوية في التعامل والتواصل للمهنيين (المقاولة)، بالتركيز على الكفاءات المستجدة لدى الشباب.. سيساهم، بدون شك في تجريد الذاكرة، لدى الشعبين، من موروث الماضي ويُمَكّن من وضع سيناريوهات جديدة للتعاون الإيجابي بين الإعلاميين، وبالتالي للعلاقة بين البلدين.
فكيف سيتم تدبيرا لذاكرة المشتركة بين البلدين؟
و هل سيتمكن الإعلاميون والأكاديميون والمثقفون الأسبان والمغاربة من إعادة استكشاف تلك الفجوات الرمادية، المعتمة الراسخة في ذاكرة جماعية ملتبسة وحذرة أو حتى عدوانية، تُُبعد الشعبان في ضفتي المتوسط عن إعادة إنتاج هواجس الماضي والتباساته وكرار وصَفَاته؟
أم أن تلك الفجوات ستحال على النسيان؟ بل، وهل يمكن للنسيان أن يكون الحق والواجب، الذي يفترضه بناء مستقبل الجوار الجغرافي والسياسي المشترك؟
ظلت جهة الريف، - في تقابلها من موقع الضفة الجنوبية للمتوسط تجاه الأندلس واسبانيا في الضفة الشمالية - تشكل نقطة التَّماس الحضاري والثقافي العام بين إسبانيا والمغرب .. وبالطبع، كان التَّمَاس متفاوت الحدة ؛ عنيفاً، متقاتلاً أو متساكناً ومتسامحاً.. لكن علاقة التقابل تلك، أبقت على كثير من الالتباس والغموض والاحتراس. ولعل الحضور المغربي الإسلامي، لأزيد من ثمانية قرون، إثر الغزوة الشهير لطارق بن زياد 92 هـ لبلاد الأندلس سيترك الأثر الحضاري الواضح المعالم الثقافية. لكن ذلك الحضور سيقابَلُ، بعد استتباب الغلبة للحضور القشتالي المسيحي، إثر الغزوة القاسية والمضادة لإيزابيلا الكاثوليكية 1492م ، بطرد المسلمين واليهود من الأندلس. بل، ستمتد الهجمة من احتلال سبتة ومليلية وعديد من الجزر المحاذية لبلاد المغرب، إلى الانتصار في حرب تطوان 11859-1860، التي ستمهد لاستعمار شمال المغرب وجنوبه... غير أن الهزيمة المدوية لعساكر اسبانيا في أنوال، بقيادة عبد الكريم الخطابي 1921-1926، باعتباره علامة على انبثاق حركة نوعية في التحرر الوطني في العصر الحديث، جعلت إسبانيا الامبريالية تنتقم بحرب كيماوية على الحياة.. فتنتصر اسبانيا للحرب، ضدا على ذاتها وعلى غيرها؛ يستقوي الجنرال فرانسيسكو فرانكو بالكنيسة وبجيوش كانت تحت إمرته العسكرية الاستعمارية في شمال المغرب، وسيحسم المعركة ضد حكومة الجمهورية الشرعية، بمئات الآلاف من الشباب والأطفال.. من ذات الريف أو كل شمال المغرب المحتل. ليرسم بذلك تقاسيم الموت والفظاعة، طيلة الحرب الأهلية الاسبانية 1936-1939 . لقد ظل الحدث يغذي كل أشكل الكراهية والعداء والموت، ويعمل على تأجيج واستدامة الصورة والتمثلات ، المتجذرة في المُتخيَّل الجماعي للشعب الاسباني لتلصق كل الأسماء القدحية: المورو، البربر، الرجل الصلف، المتوحش... بكل أولائك الذين ساكنوهم في الماضي، أو اللذين يعيشون في الضفة الجنوبية للمتوسط.
و على إثر موت الجنرال فرانكو 1975 ، وطيلة فترة الانتقال الديمقراطي فإن نظام الحكم الجديد سيرسخ سياسة النسيان، باسم المصالحة الوطنية. غير أن المطلب الاجتماعي الذي ظهر ابتداءً من بدايات التسعينات ، من القرن الماضي، والذي يؤكد على الاعتراف بذاكرة المهزومين في الحرب الأهلية، سوف لن يوصل إلا إلى التوافق الدستوري، الذي يقف عند عتبة قانون " حفظ الذاكرة التاريخية " المُصَوَّت عليه سنة 2007 من قبل البرلمان الاسباني. دون أن يسير، بعيداً أو عميقاً فيما تفترضه الذاكرة الوطنية أو المشتركة مع المغرب من بوح وتساؤل وجبر للضرر..
وفي المقابل، فإن المغرب بدوره شهد كرونولجيا مماثلة دشنتها ، أرست معالمها العملية، حديثاً، هيأة الإنصاف والمصالحة، كتجربة في عدالة انتقالية من مرحلة سميت، بسنوات الرصاص، تمتد من 1956- 1999، إلى عهد جديد ، يسعى إلى إرساء مقومات المصالحة دعماً للتحول الديمقراطي في المغرب وبناء دولة الحق والقانون ، وإشاعة ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان. ومن أجل كل ذلك أوصت هيأة الإنصاف والمصالحة بجبر الضرر الفردي والجماعي، وإعمال المداخل الأساسية للمصالحة؛ كالبوح علناً بما جرى، من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان من خلال جلسات استماع عمومية، عبر وسائل الاعلام السمعية –البصرية وبوضع خطة عمل للحفظ للذاكرة وإقرار استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب.
ضمن هذا السياق الثقافي المعاصر ، في العلاقة الاسبانية المغربية، ما الذي تبقى عالقاً في الذاكرة ولا يمحو آثارَهُ النسيان؟ وما الذي يبقى مشتركاً؟
احتاج بابلو بيكاسو، إلى عشرين سنة أخرى ليرسم الحمام. وتتحقق جدارية الكرينيكا.

كما نادى محمود درويش سنة 1986 - بعد خمسبن سنة من الحرب الأهلية في إسبانيا- على روح لوركا:" خمسون عاماً بلا فيدريكو غارسيا لوركا...خمسون سنة على غياب لوركا. خمسون سنة على غياب وعد الجمهورية. ماذا نفعل بلا لوركا، ماذا نفعل بلا جمهورية؟"
فهل ذلك ما تبقى من الذاكرة المشتركة؟
خمسون عاماً بذاكرة الرصاص...وما يقارب القرن على انتقام بأسلحة كيماوية، من هزيمة أنوال.. فماذا نفعل لنطرد، عنا، قتلانا؟ وماذا نفعل بلا ذاكرة؟ و ماذا نفعل لنطرد عنا توصيات هيأة الانصاف والمصالحة في حفظ الذاكرة؟
فهل نرمي بالذاكرة في سديم النسيان؟ فحتى واجب النسيان لا يمكنه أن يتحقق، إلا بتحقق عمل الذاكرة. وهذه، بدورها لا تكتمل إلا بالتأريخ للأحداث وسياقاتها الاجتماعية والسياسية، بالبوح والمساءلة الحرة والغير مشروطة. ومن ثمّة، إقامة طقوس الجنازة بتوجيه من روح الصفح والتسامح.
فما الذي تبقى من الذاكرة؟
فقط أن لا ننسى أن على مثل هذه الأرض المجبولة بالجريمة، شيئاً ما يستحق الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة