الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألدنيا ألخضراء

جلال نعيم

2004 / 7 / 7
الادب والفن


إستيقظ ظهراً فوجد نفسه عارياً تماماً . مدّ أصابعه المرتجفة . دخّن لفافته الأولى . شعر بغثيان حاد يدهم أعماقه . ودّ لو يستمع لفيروز للحظات ولكنه ارتدى ملابسه وخرج .إستقبلته الشوارع بغبارها وضجيجها . إستقلّ تاكسياً . صرخ بوجه السائق بجزع :
" خذني الى عالم نظيف .."
طافت به السيّارة شوارع المدينة . تجاوزت الوجوه الرماديّة الكالحة والبيوت نصف المهدّمة فأخذت الوجوه تزداد بياضاً والشوارع تزداد نظافة
واتساعاً . نقّب َ في ذاكرته عن اغنيةٍ مرحة يُبدّد من خلالها وحشته ولما لم يجد ذلك ، أمر السائق :
- انزلني هنا .

لم يعبأ بالشمس التي كانت تحرق الأرض بضراوة واستمرّ يجرجر خطاه على الأرصفة . طالعه وجه لأمرأة في الثلاثين ذات عينين شرستين وأثداء مغرية . أحسَّ بطعم الحليب يبدد مرارة فمه . غمز لها بطرف عينه وتحفّز للوثوب نحوها ولكنها سمرته بنظرة احتقار نارية ومضت جارّة كلبها الصغير الذي بدا أكثر ألفة وجمالاً من عينيها .
" العالم يغلي " فكّر .
تسكّع طويلاً مخترقاً شوارع لم يلتقط منها أيّة ذكرى أو حنين ، تنقّل بين المصاطب والمقاهي ومحطّات الأنتظار مراقباً الناس والنساء والشوارع وعندماحلَّ المساء ألحّ عليه النداء اليومي ألمتكرر يدفعه للذهاب الى الحانة . وفجأة اتخذ قراراً بدأ بعده يسرع خطواته ثم أخذ يهرول منقّلاً قدميه كأي مهرج حاذق ، ثم شرعَ بالركض. ركض . تلاحقت أنفاسه .
همس لنفسهِ " أركض .. أركض .. فالعالم مخبوء في القدمين .." وعند نهاية الشارع واجهه زحام هائل . أبطأ خطواته في البدء ثم توقف تماماً وقد هدّه التعب .
تطلّع بفضول حادّ الى الكتل البشرية المزدحمةبفوضى مريعة ورفع رأسه ليحلّق في
فضاء اللوحة الأعلانية حيث إحتشدت فيها دزينة من النساء المتبرّجات نصف عاريات وقد تدلّت أثدائهن المتكوّرة كتفّاح ما قبل الخليقة وقد التففن حول لافتة كُتب عليها بخطّ راقص " مسرحية الدنيا الخضراء " .
إندسّ وسط الحشد غير مبال بالأرجل والأذرع التي هوت على رأسه بمطارقها .إبتاع بطاقة ودخل مهرولاً ليجلس في أول مقعد بمواجهة الخشبة تماماً .." قد تصبح الدنيا أكثر خضرة هنا " . إسترخى على مقعده وهو يتابع صرصاراً ضالاً كان يدور وسط كومة قمامة أسفل الخشبة . وللحظة أحسّ بكافكا واقفاً يجول بعينيه في مكان ما . طرد هواجسه وجعل يتابع الوجوه والمقاعد واللّغط الذي أخذ يزداد حدّة وكثافة . حاول أن يسترجع ذكرى جميلة . أن يغني إلا إن الشعور بالغثيان عاوده مرّة أخرى .
فتح أزرار قميصه وخلع حذاءه فتسللت الى أنفه رائحة جوربيه . إسترخى على مقعده أكثر . دخّنَ لفافة اخرى وقبل أن تبدأ الدنيا بالأخضرار تجشأ بصوت مسموع .
أطفأ عينيه ونام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان