الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء الشخصية المسرحية بين الاعداد والتاليف

اطياف رشيد

2010 / 2 / 15
الادب والفن


بناء الشخصية المسرحية بين الإعداد والتأليف
في مسرحية (حلم مسعود)
.............................................................
(ما الذي نحن بحاجة إليه كي نجعل العادي متفردا)
بيتر بروك

اطياف رشيد
يعتبر الإعداد من المنافذ الثرة التي توفر للمخرج فرصة اختيار فكرة معينه لتكون نقطة ارتكاز لتأسيس رؤاه وفق منظور جمالي إبداعي . تلك الفكره التي يريد لها ان تلامس مشهدا معينا سياسيا او اجتماعيا او فكريا وتؤشر مفاصل حيوية وهامه يراها . وكان للادب العالمي الحصة الاكبر لما فيه من غنى في الكشف عن العلاقات الانسانية وسبر غورها وخاصة في ادب تشيخوف الذي تعرض لهذا التعقيد الانساني مضيفا اليه عنصر المفارقه والحس الفكاهي السلس دون المبالغة والاسراف في السخريه ولكن بلمحات ذكية معبره .وقد تنوع الاعداد فقد يكون في تحديد فكره واعادة بناءها في سياق جديد وفق رؤى وقراءة جديده .وقد يذهب البعض الى شطر الشخصية الرئيسيه او الغائها تماما والامثلة على هذا في المسرح العراقي كثيره (مسرحية هاملت بلا هاملت خير مثال على ذلك )،او في تعريق الحكاية ووضعها في اطار محلي وهو ايضا مثاله في المسرح العراقي كثير منذ البيك والسايق .وفي العرض موضوع المقالة تقوم المخرجة والمؤلفة والمعدة عواطف نعيم في قرآءتها المشاكسه لقصة تشيخوف كلب الجنرال بوضع الحكايه في بيئة عراقيه مع حذف واضافة مجموعه من الشخصيات الجديده وهي تروي من خلالها قصة رجل غريب(جسدها الفنان صلاح منسي ) يأتي المدينة طلبا للعمل والرزق فأذا به وهو يمر في احد حاراتها يتعرض لعضة كلب ، فيلتف من حوله المجموعة الاولى ، الشخصيات الرجالية الثلاث ( الحلاق والقصاب والمطرب )التي جسدها (عدنان شلاش و ماجد فريد و عبد الامير الصغير ) يتساءلون عن امره ويشفقون عليه وفيما هم كذلك تدخل الشخصيات الثلاث الاخرى وهي الشخصيات النسويه التي جسدتها (سمر محمد و فائزه جاسم و بتول كاظم ) ومن النظرة الاولى يجد هنا الغريب في احد الفتاتين فتاة احلامه التي طالما داعبت خياله كما تجد فيه هي ايضا فتاها الذي حلمت به .
وبين لحظات هذا اللقاء العاطفي وبين شغف الرجال المتزايد تجاه النسوة والشعور بالشفقة تجاه هذا الغريب يحظر العريف(عزيز خيون ) مسبوقا بدقات على الطبلة التي أرقصت المجموعتان طبعا خوفا من الذي سيدخل عليهم في الحقيقة .
يشرح المجموعة حال الرجل ويطالبون بأخذ الثأر له كونه المسؤل عن الأمن وطالب هو بدوره بأوصاف الكلب ليستدل على صاحبه واذ يتعرف عليه يصيبه الخوف كونه كلب الجنرال وهو أمر لا يستطيع ان يفعل شئ بخصوصه .لكنه وبعد ان تملص الجميع من المساعده وخروجهم من الخشبه يقرر ان يأخذ الحق لهذا الغريب وتعود اليه فتاته لتأخذه وتدخل معه غمار الحياة القادمه غير العريف يعود مقطع الثياب ليجتمع الممثلون جميعا امام الشاشه في عمق المسرح التي يظهر عليها بعض من الجمهور الذي حضر العرض مع اغنية وطنية عراقيه .
لهذا الملخص، المفصل نوعا ما، اسباب ستتوضح في ما ياتي من المقال ،
تبدو القراءة او الاعداد او المشاكسة كما تسميها الدكتوره عواطف نعيم اقرب الى التأليف بما تحتويه من تنويع بنائي ودلالي، واكثر ما يلفت الانتباه في المؤلف الجديد هو بناء الشخصيه .حيث حاولت اولا الاقتراب من نهج تشيخوف بان لا تعقد البطوله للفرد او ألشخصيه الواحدة اذا ان تشيخوف كان ( لايعقد البطولة للفرد وانما للجماعة وعلاقاتها المتشابكة بعضها ببعض ) -1- ومن خلال تعدد الشخصيات لفتح مجموعه من العلاقات فيما بينها وللكشف عن بنية ألشخصيه وبيان إبعادها النفسية والفكرية والعاطفية وسأتناول كل شخصيه للكشف عن بناءها وعلاقاتها وفاعليتها ضمن الإطار العام للعرض

العريف :- الوصف العام لهذه الشخصية أنها شخصية تحاول فرض حضورها من خلال فرض سلطتها المهنية على الآخرين وإنها في الحقيقة شخصيه ضعيفة وسلبية وهو ما كشف عنه سلوكها أولا و ما دللت عليه بعض الإشارات بين الشخصيات الأخرى وتهامسها كونه لا يتمكن من فعل ما يتوقع منه .اما حواراتها غير ألمعبره والفضفاضة والتي غلب عليها الإسهاب في كثرة الأهازيج ومقاطع ألاغاني أضاعت لمسة الصنعة والحرفة في بناء الشخصية التي أُريد لها ان تكون قريبه من الحياة لكنها كانت مغلفة بالقشور بعيده عن الجوهر،وفي انزلاقاتها تارة نحو الشخصيات النسويه وتارة في محاولة ترهيب وفرض ألشخصيه كان الموضوع الرئيسي قد فقد عمقه كثيرا وكان سيشكل فارقا كبيرا لو اتخذت علاقته بالغريب عمقا أكثر وسلوكا ايجابيا في الضغط والتركيز حيث ( تتمثل عملية الضغط في استبعاد كل ما ليست له ضرورة حاسمة او تقوية ما تبقى ،مثل وضع صفة قوية مكان أخرى معتدلة ) -2- فهو حتى في تحوله عند مروره بلحظة الصراع النفسي المفترضة كان تحولا غير مبرر وسريع ولم يمر بمراحل النضج في الشخصية ليشرع بعدها بالقرار ولتحدث المواجهة .حتى وان كانت الفترة الزمنية للموضوع / الحدث ليوم واحد او لساعات قليله كان من الممكن استحضار ذكرى معينه او فعل ما محفز لأحد الشخصيات ليؤدي هذا الغرض. وإذا قارناها مع شخصيات تشيخوف وحواراتها فأنه (ليست هناك جمله واحده عند تشيخوف لم يتم نحتها وصقلها وتعديلها بمهارة فائقه وحرفيه عاليه بحيث تعطي الانطباع بان الممثل يتحدث بالفعل كما في الحياة اليومية )-3-. كما انه ، أي عريف حلم مسعود ، كان شكل مكرر لشخصية (شلتاغ ) في المسلسل العراقي ( بيت الطين) في الحركه وطريقة الكلام .
الغريب :- لهذه الشخصية اهمية تجسدت من خلال ركنين اولهما دلالي والاخر حركي فأولا كونها تمثل رمزا للانسان المظلوم والغريب حيث ظهرت ملامح الشخصيه كونها مسالمة وحالمة لكن لم تمنح فرصتها في تحقيق احلامها بل صدمت بوجود (كلب المدينة) الذي اصابه لكنه من ناحية اخرى جعله يلتقي بفتاة احلامه .ان المشهد الوحيد الذي رسم لنا حدود هذه الشخصيه بشكل جميل هو لحظة التقاءه بتلك الفتاة في مونولوج داخلي خلق جوا متكاملا في الاداء والايقاع . وما تلا هذا المشهد لم يحدث ما يحركها بل ظلت مستسلمة لحالها .اما لحظة خروجه مع فتاة احلامه واختراقهما صالة الجمهور في دلالة المضي في الحياة سويا ايضا لم يكن يسبقه قرار ما او تلميح بتحول أي ان التطور البنائي في الشخصية كان ينقصه مبررات اذ لم تهيء الارضية لهذا التحول . وهو ما لا ينسجم ودلالات الشخصية ورمزيتها .والتي حاولت المخرجة التاكيد عليها من خلال وضعه على الخشبة في المنتصف دائما ليكون محط انظار الجمهورتطبيفا للركن الثاني أي الحركي . وربما لو تشكلت مجموعة من العلاقات بينه وبين الشخصيات الاخرى وخاصة شخصية المراة الاكبر سنا لبيان بعض الجوانب الانسانيه والاجتماعية والسياسية لكان اكثر دعما للفكرة الاساسية بدلا من كثرة التهريج البعيدة عن الروح الجمالية .
الشخصيات النسويه الثلاث :- باستثناء شخصية الفتاة العاشقه او الحالمة ،كانت الشخصيتان الاخريان غير فاعلتين وقد اكسبهما كثرة الاهازيجوقلة الحوار المعبر والعميق اضفى عليها مسحه سطحيه بل ان علاقاتها لم تتعمق لدرجة كان بالامكان الاستغناء عنها .ورغم ان عدد الشخصيات النسوية ثلاث فاننا لم نرصد في هذا التعدد او التساوي بين الشخصيات الرجالية والنسوية اهمية او اثر ايجابي مؤثرا وفاعلا في البنية الدرامية للعمل المسرحي لا على المستوى الدلالي ولا المستوى الجمالي لانها اعتمدت في الاساس على فكرة اجتهدت في توصيلها ولو بشكل مباشر من خلال الحوار (الشعب معضوض ؟) ولا ادري هل انعدمت الكلمات المناسبة للتعبير عن مأساة انسان غريب تعرض لحادث في مدينة غريبة غير هذا (دكن حيل عل ما اكل مثروده ؟) فالحوار بوصفه اداة فاعلة في الكشف عن خصائص الحدث واغوار الشخصيات غلفه التسطيح فلا تعني الاستعانه بالموروث من الاغاني وغيره تذويب وتهميش الحوار المعبر .
اما الشخصيات الرجالية الثلاث:- فكل ما يمكن ان تكون قد قدمته من وظيفة على الخشبة هو ملأ فضاء الخشبة بالمجموعات لتشكل موازنة في المشهد ، ثلاث شخصيات على اليمين وثلاث على اليسار وفي المنتصف الغريب اما العريف فدائر بينهما من دون ان تشكل ثقلا دلاليا فاعلا .
على الرغم من كل هذا فانا اكبر لدى المخرجة والفنانة عواطف نعيم احساسها الوطني الذي كان الدافع وراء هذا العمل واحيي فيها حماسها ومحاولة اشراك الجمهور في همها ومشروعها هذا .

..........................................................................................


1- دراسات في الادب المسرحي ، د.سمير سرحان ،ص93
2- بيتر بروك ،الاعمال الكامله ،ترجمة وتقديم :فاروق عبد القادر ،دار الهلال ،2002،ص 492
3- نفس المصدر ص 492








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا