الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمر بالخط العريض وإعلامنا العربي !

سلمان ع الحبيب

2010 / 2 / 15
الصحافة والاعلام


مما لا يخفى على أحد أن الإعلام وسيلة للتواصل مع الآخر بشكل لا تضاهيه وسيلة أخرى كما أنه قادر على إيصال الثقافة والمعرفة وإحداث التغيير مع إتاحته لجميع الناس الصغير والكبير والمتعلم وغير المتعلم وتطلع عليه جميع الطبقات الاجتماعية والثقافية ولا سيما الإعلام المرئي إذ إننا نعيش في عصر الصورة ونميل للمشاهدة وبالأخص في عالمنا العربي والإسلامي الذي بينه وبين القراءة قطيعة كبرى وبالتالي فإن فرصة مطالعة التلفاز تكون عالية جداً .
وقد قامت الدنيا ولم تقعد على برنامج ( أحمر بالخط العريض ) في حلقة المجاهر بالرذيلة ( مازن عبد الجواد ) الذي يستعرض فيها إنجازاته الجنسية ومغامراته مع الفتيات والأدوات التي يستخدمها في عملياته الجنسية المحرّمة ليصوّر فيها مدى الانفتاح وضرورة أن يكون الإنسان ممارساً للجنس الذي لا غنى له عنه مع فتيات يطلبن الهوى .
وقد أثارت هذه الحلقة المجتمعات العربية عموماً والمجتمع السعودي بشكل خاص مما جعلها تأخذ مجرى آخر إذ تحوّلت القضية إلى القضاء وحاول هذا المجاهر بالرذيلة أن يدافع عن نفسه مقدماً الاعتذار للمجتمع السعودي لأنه في نظره قام بخطأ كبير ،لكنه يبرّر خطأه هذا بأنه غير مقصود وبأنه مغلوب على أمره ولا حيلة له في ذلك حيث غُرّر به من قبل معدي البرنامج ومن قبل المذيع الذي يقدمه ( مالك مكتبي ) إذ طلب منه حسب زعمه أن يتحدث عن العلاقات الجنسية ليفيد المقبلين على الزواج ، كما اتهم المخرج بأنه هو الذي وضع له الأدوات الجنسية وطلب منه عرضها على الشاشة متباهياً بتلك البطولات الفحولية بالإضافة إلى أنه – حسب زعمه- خُدع بعرض البرنامج قبل أن يشاهد المونتاج الذي لفقه القائمون على ذلك البرنامج .

وفي وسط هذه الزوبعة دافعت عائلة الشاب عنه موكلة أحد المحامين بجدة لأنّ هذه القضية تدنس شرف العائلة التي عرفت بمحافظتها .
ونفى مذيع البرنامج ما نسب إليه وكذلك مدير الإنتاج وكل القائمين على البرنامج وقد تمّ التحقق من كل تلك الادعاءات باستخدام الأدلة الجنائية التي تتعرف على بصمة الصوت لمعرفة مدى وجود الدبلجة الصوتية والمونتاج وفي نهاية المطاف أخذ القانون مجراه ليحكم على المجاهر بالرذيلة بالسجن (5) أعوام وبجلده (1000) جلدة وبالمنع من السفر والظهور الإعلامي لمدة خمس سنوات مع عرضه على لجنة مناصحة وطبيب نفسي واختصاصي اجتماعي بالإضافة إلى مصادرة سيارته وجواله الذي ظهر على شاشة التلفاز ، كما صدر الحكم بإحالة رفقائه على لجنة مناصحة و بتأهيلهم نفسياً واجتماعياً من قبل المختصين في هذا المجال ، وحكم على ثلاثة منهم بـ(300) جلدة والسجن لمدة عامين ، وحكم على الخامس منهم بالسجن لمدة شهرين أما سادسهم فحكم عليه بالسجن لمدة (3) أشهر مع (70) جلدة واعترض المحامي على هذا الحكم مؤكداً انه سيرفع اعتراضه على محكمة الاستئناف وقال : ( إن موكله قُدم ككبش فداء للتغطية على المتهم الحقيقي ) معتبراً ان القناة هي المسؤولة عن كل ما نسب إلى موكله وأضاف بقوله : ( لن ننسى أبداً أن نتابع دعوانا المنظورة امام وزارة الإعلام إلى أن تنتهي بحكم نهائي ضدها ) .
لقد ثارت الدنيا على هذه القضية التي لا أعتقد بأنها الأولى ولا أعتقد بأنها الأخيرة وهي أزمتنا العربية مع الحرية والانفتاح . إننا نطالب بالحرية ولكننا للأسف الشديد استخدمنا هذه الحرية في إشاعة الفوضى وإثارة الغرائز وإثارة الفتن والطائفية وما يدهشنا أن هذه القناة ( lbc ) هي التي أفرزت داعية الطائفية العريفي وامثاله وهي التي أنتجت الخطاب الذي يداعب أحلام الشباب المراهقين عبر مسلسلاتها وبرامجها وإعلاناتها الماجنة.
حينما كنت أتابع هذا البرنامج بالإضافة إلى كثير من برامجنا العربية فإنني أجدها تدور في غالبها حول : المرأة والجنس والسحر والشعوذة وكأن كل قضايانا حُلّت وليس لدينا ما يجب الحديث عنه سوى تلك الأمور ، وهنالك برامج أخرى مثل : فتاوى على الهواء يسأل فيها المشاهدون أسئلة في أمور دنياهم لا حاجة لفقيه أن يُسأل عنها ، وبرامج التعبئة الدينية المبنية على الخطابات العاطفية التي ليس للعقل رصيد فيها ، بالإضافة إلى برامج تفسير الأحلام وكأننا عالجنا واقعنا وفسرناه وكشفنا ملامحه لنبدأ في تفسير أحلامنا والكشف عنها ، هذه موضوعاتنا الجادة التي يتناولها إعلامنا العربي أضف إليها البرامج المنسوخة من الغرب والتي لا إبداع فيها وكأن العقل العربي جامد لا يمكن له أن يبدع إلا في تفسير الأحلام والفتاوى . وإذا خرج الإعلام عن دوره الجاد ليرفّه عن أفراد المجتمع فلن يجد بديلاً عن ( الحور العين ) في القنوات الفضائية اللاتي يرفّهن عن المشاهدين المتعطشين لرائحة الأنثى والذين يتصلون بمغازلات علنية على الهواء ، وزد على ذلك فإن رصيد المذيعة من النجاح هو قدرتها على إثارة المشاهدين وجلب عدد كبير من الاتصالات بجمالها وتغنجها وبإيماءاتها التي تخاطب الجسد وستكون قيمتها في ذلك الإغراء الذي بدا مقبولاً في عالمنا العربي ، فترى المذيعة ( حليمة بولند ) مثلاً تحتل المرتبة الأولى وتكرّم على أنها أفضل مذيعة في العالم العربي بينما نجد في الغرب أن ( أوبرا ) تحتل المرتبة الأولى عالمياً وهي لا تمتلك شيئاً من مؤهلات الجمال والتغنج وإنما تمتلك المؤهلات الحقيقية التي يفتقدها إعلاميو العالم العربي .
إذا وضعنا الخط الأحمر تحت برنامج ( أحمر بالخط العريض ) فإنّ إعلامنا العربي كاملاً يحتاج إلى خط أحمر يوضع تحته ، فمجتمعاتنا العربية تحتاج إلى برامج هادفة تتبنى قضاياها وتحترم قبل ذلك عقل المشاهدين كبرنامج أوبرا ( opera) وبرنامج الأطباء ( the doctors ) وبرنامج الدكتور فيل (Dr.phill ) وبرنامج سوبر ناني في العالم الغربي ، لأن الهدف الحقيقي من الإعلام هو التنوير والتصحيح والبناء الفكري والصحي والاجتماعي والتفاعل مع قضايا المجتمع وإثارة التساؤلات التي تبني فكراً تحليلياً ناضجاً مع محاولة التجرّد الإعلامي وعدم الوصاية الفكرية على المشاهدين .
إن الإعلام يهدف إلى صناعة الثقافة والفكر وبناء جيل مثقف واع ٍ بالإضافة إلى بناء المجتمع ، إنه يحاول تغيير البنية الثقافية التي تسمّمها أفكار الرجعية دون أن تكون هنالك قوة فكرية واعية تدقّق فيما يملى عليها وتردّ بشكل قاطع يرفض تلك الأفكار الهدّامة المتخلفة . إننا بحاجة إلى إصلاح المؤسسة الدينية التي مارست دور الوصاية وجعلت أفراد المجتمع يسيرون سيراً تبعياً دون تمحيص أو تدقيق بحيث يمثل رجل الدين في تلك المؤسسة دور الإله ، كما أثارت تلك المؤسسة الفكر الرجعي والخلافات الطائفية ، والفتن والتكفير والإرهاب والتفجير باسم الشهادة للأبرياء والآمنين ، كما أثارت الخطابات الدينية الجوفاء التي لا تحمل روحاً علمية تحترم العقل حيث يبني الخطاب على إثارة العاطفة التي يميل إليها المجتمع العربي لأنه عقد اتفاقية معها مخاصماً العقل بطلاق لا رجعة فيه إلا بمحلّل شرعي .
إننا بحاجة إلى برامج لدعوات حقيقية وصارمة تنادي بالوحدة العربية فلا عنصرية ولا مناطقية ولا قبلية ولا طائفية .
إننا بحاجة إلى ثقافة حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني وإلى ثقافة بناء الإنسان الناضج المواكب للتطوّر الذي نشهده .
إننا بحاجة إلى بناء الحوار الهادف البعيد عن التشنّج ، والذي يقوم على التعايش وإلى معرفة مفهوم الحرية على كافة الأصعدة ، مع ضرورة أن تكون تلك الحرية متصفة باحترام الآخر واحترام الذات والإحساس بالمسؤولية .
إننا بحاجة لإلقاء الضوء على البطالة والفقر والعنف و المشكلات الاجتماعية والأسرية كالتفكك وحالات الطلاق التي ارتفعت نسبتها إلى أرقام مخيفة في عالمنا العربي ، بالإضافة إلى إيجاد قنوات تواصل مع الشباب والأطفال وكبار السن وإيجاد قنوات تواصل مع أصحاب القرار للمساهمة في حل المشكلات التي يعاني منها المجتمع .
إننا بحاجة إلى تنمية الإنسان عقلاً وجسداً وجعله قادراً على التعايش السلمي الذي يضمن له حياة كريمة فرداً كان أو جماعة .
باختصار يجب أن نضع إعلامنا العربي تحت خط عريض بما فيه برنامج ( أحمر بالخط العريض ) .


* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز