الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليل الغربة

غادة السمان

2010 / 2 / 15
الادب والفن



الحلقة الاولى

تمطر تمطر
تمطر بردا رماديا وسأما .تمطر منذ الصباح وعلى وتيرة واحدة تزرعني في قطار بطئ يخترق صحارى شاسعة ميتة , وركابه لا يعرف بعضهم بعضا , وكل منهم يتحدث لغة لا يعرفها الاخر ولا أحد يدري الى اين يمضي,أو من أين اتى...... تمطر ببلادة واستمرار ,والقطة لم تنقطع عن نواحها في الحديقة نواح خافت ملتاع .. أحسه نصلا حادا لسكين تنغرس ببطء واستمرار في بطني.لا أدري لماذا لا أجرؤ على التخلص منها,كما لا أدري لماذا قتلت أطفالها منذ أسابيع .
تمطر تمطر
تمطر أمسية جديدة كئيبة.. ليتها تنفجر رعدا ... تتمزق أحشاؤها تهذي رياحها في شقوق النوافذ وتصفر,كي تخرس القطة , ويكف السأم عن السأم... أي شئ , أي شئ الا هذا الركود الميت الذي يصبغ أيامي في هذه الفيلا المخيفة ... وهو , رغم الصقيع مغروس على الشرفة منذ اكثر من ساعة بلا حراك....
وفزاع الطيور مغروس في اخر الحديقة بلا حراك أيضا.......
انه صامت دوما .....منذ زواجنا لم نتبادل الحديث الا نادرا.... تراه يتحدث الى فزاعي الطيور وأشباح الحدائق.... بيده لفافة جديدة فلما اذالا يقدم لفزاع الطيور سيجارة!!!!!
وتعلمت يومئذ كيف أحرق كلمات الحب الفائضة على شفتي كما يحرقون البن في البرازيل كي لا تتدنى اسعاره...... سئمت طعم الرماد.....
تمطر بين جلدي ولحمي ..... تمطر داخل عظامي .... في حلقي .
فأعجز عن الاجابة على سؤاله الذي يصفع وجهي مع تيار البرد المندلق من الباب : هل اتصل الطبيب وبلغك النتيجة؟
ـ لا لم يتصل
ـ من اتصل اذن؟
ـ هم ينتظرونك.
سمعت صوتي قاسيا جارحا
ينتظرونك, قلتها كأنني أطلق عليه الرصاص .لكنه لم يترنح ولم يسقط صريعا , وانما عاد يغلق باب الشرفة خلفه, يخرج الى فزاع طيوره .
.أراهم ينتظرونه .......
أراهم هناك متحفزين .يدخل الى الغرفة مجموعة من المتناقضات الناجحة ... عينان هرمتان وابتسامه طفولية .... الحركة الهادئة لقاض والمظر الرياضي لرجل أعمال وسيم
أراهم هناك يتأملونه ..ثم يقولون شيئا كثيرا .سيتهمونه بشئ خطير...... سيتحدثون بشراهة, كما تاكل الغربان لحما من جرح مقيد لم يمت بعد....
ولن يجيب .أعرف انه لن يدافع عن نفسه .سيظل يواجههم بالبرود نفسه الذي طالما أحرقني ....
ثم سيتحدونه .لديهم شاهد اثبات سيضحك باستخفاف سيصرخ احدهم في وجهه :اننا واثقون من التهمة .انك لم تدرس قط اضبارة متهم واحد كنت تهمل كل شئ كنت تدخل المحكمة وفي جيبك مجموعة من الأوراق المطويه كتبت عليها كلمة ماحدة مذنب أو برئ وكانت أصابعك العمياء تختار في عتمه جيبك ورقة ما
ان ظلم.
ثم الضربه الاخيرة : شاهد الاثبات هو زوجتك!
ربما حينئذ يسقط اللجام عن فمك, وربما تصرخ في وجوههم كما صرخت في وجهي تلك الليلة الرهيبة منذ عام
كانت لا تزال تمطر , ولكن بشراسة.
كنت لا ازال أحبك .أعجزعن النوم اذ لم أخف وجهي في صدرك.
كنت لا أزال أومن بأن قاع بحار صمتك كنوزا نادرة
يتبعِِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع




.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح




.. عوام في بحر الكلام - إلهام أحمد رامي: أم كلثوم غنت في فرح با