الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصايا عشر إلى -الإدارة- السوريّة

مرح البقاعي

2010 / 2 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


تبوأت مدينة دمشق المرتبة السابعة من ضمن إحدى وثلاثين مدينة عالميّة تشكّل قائمة أفضل المدن السياحية للعام 2010، حسب الخريطة السياحية للعالم التي نشرتها صحيفة النيويورك تايمز مؤخراُ، مشيرةً إلى أهمية هذه المدينة كقِبلة للسائح العالمي ببيوتاتها الشاميّة العريقة التي تحوّلت إلى فنادق من الدرجة الأولى جرياً على إيقاع طقوس مدينة مراكش التي طالما استهوت أمزجة السائح الغربي بطابعها الشرقي الدفيء، والتي جاءت في المرتبة السادسة عشرة؛ تلك البيوت الشامية نافست في خدماتها وأسعارها وجاذبيتها جاراتها الفنادق والمنتجعات السياحية في مدينة مثل إيلات باسرائيل، والتي غابت مدنها تماماً عن القائمة.
فإذا كان هذا التصنيف يشكّل مؤشراً قوياً على الانفتاح الأميركي ـ وتاليا الدولي ـ على سوريا السياحية، فأين هو ذاك البلد من خارطة العالم السياسية؟

أثمرت زيارات مبعوث السلام الأميركي، السيناتور جورج ميتشيل، الأخيرة إلى دمشق، تسمية روبرت ستيفن فورد سفيراً أميركياً جديداً ليترأس البعثة الدبلوماسية الأميركية في العاصمة السورية إثر استدعاء واشنطن لسفيرتها مارغريت سكوبي في العام 2005 نتيجة ارتفاع حرارة التوتر بين البلدين على خلفية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، إضافة إلى الملفات الخلافية العالقة بينهما، والتي كانت إدارة بوش تعتقد أن دمشق تدير معظم مفاتيحها، ابتداء بالعلاقات البينيّة مع بعض المنظمات التي تندرج على قائمة الإرهاب التي أصدرتها الخارجية الأميركية في العام 2008 مثل حزب الله وحركة حماس، مرورا بدعم العمليات الانتحارية المناهضة للوجود الأميركي في العراق وتيسير عبور الانتحاريين عبر الحدود السورية، وصولا إلى قمع حركات المجتمع المدني السوري وملاحقة ناشطيها الذين يطالبون بالتحوّل السلمي الديمقراطي في الحكم، وذلك بشكل مبرمج ومتّصل.

دمشق قابلت المبادرة الأميركية في تسمية سفير أميركي جديد إلى دمشق بوعدها معاودة التعاون الاستخباراتي السوري ـ الأميركي ـ البريطاني الذي توقف لحينٍ كانت فيه العلاقات في أعلى درجات توترها بين سوريا والولايات المتحدة، وسوريا ودول التحالف التي شاركت في العمليات العسكرية في العراق منذ تاريخ إسقاط نظام صدام حسين في التاسع من شهر آذار/ مارس للعام 2003.

دمشق تعود إلى الساحة الدولية من البوابة الأميركية العريضة بلا أثمان تذكر، فلا هي تخلّت عن علاقتها الاستراتيجية مع إيران التي تناطح العالم، ولا هي أعلنت تقارباً من حكومة نتنياهو إرضاء للولبيات الضاغطة في واشنطن، ولا هي خضعت للتجاذبات الإقليمية التي كانت متوجسة من دورها في لبنان وتحديدا من "خطّها الساخن" مع حزب الله هناك، ولا هي أرخت قبضتها الأمنية عن الأصوات الإصلاحية في الداخل السوري، والخارج الاغترابي، التي تنادي بالتعددية والمشاركة السياسية، وبإطلاق الحريات الفردية والمدنية، وبإقرار حقوق الإثنيات التي تشكل النسيج المجتمعي السوري المتعدّد، ودونما أدنى مراعاة تذكر من طرف السلطة السورية لمطالبات المنظمات الحقوقية الدولية والمجتمع الدولي قاطباً.

إدارة الرئيس أوباما ماضية في مشروع تعزيز الحوار مع سوريا، بمزاياها وعيوبها على حد سواء، متيقّنةً من دورها الناجز في التحكّم بدفة الأمن الإقليمي، في تجلياته وتداعياته كافة، من خلال إمساكها المحكم والقصديّ بالخيوط التي تحرّك مفاصل اللعبة على خشبة الحدث السياسي والهاجس الأمني في المنطقة.

في ضوء هذه العودة "المدبلجة" للعلاقات السورية ـ الدولية، أودّ، كمراقب حياديّ يعاني من إصابة طفيفة برعاش "النوستالجيا" المزمن، أن أسجّل في هذا المقام توصيات عشر من شأنها أن تعيد سوريا إلى عافيتها الوطنية أولا، وأن تعينها ـ مستندة إلى قاعدة وحدتها الشعبية ـ على أداء مهمّات السلام المستقبلي الكبرى، والتي هي أكثر تعقيداً وأدمغ أثراً من ملفات الحرب نفسها:

1. إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية التي يعيش السوريون في عسفها منذ إعلانها من خلال بلاغ صدر عن اللجنة الثورية للإنقلاب العسكري في العام 1963، والمستمرّة لفترة تجاوزت العقود الأربعة، تعطّلت خلالها الحياة المدنية تعطيلا شبه كامل على حساب العسكرة السيستماتيّة لهيئات المجتمع السوري كافة.

2. فكّ الارتباط العضويّ بين الأجهزة الأمنية والهيئات التنفيذيّة والقضائية ـ الارتباط المربك الذي يدسّ العصيّ في دواليب أجهزة الدولة؛ وتحرير الداخل السوري من "احتلالات" تفرضها تلك الأجهزة القابضة على الحياة العامة من كمّ للأفواه، ولجم للعقول، ومصادرة للعمل السياسي والمدني في آن.

3. العفو العام عن سجناء الرأي والناشطين السياسيين وأصحاب الأقلام والرأي التنويري الحرّ، وتعويضهم عن سنوات القمع والانتهاك التي تعرّضوا لها، ومكافأتهم بتحرير العمل السياسي والتكتل الحزبي والمجاهرة بالرأي دونما رقابة إلا رقابة ضمير الفرد، ضميره المهني والوطني.

4. إعادة تفعيل هيئات المجتمع المدني المستقلّ، والمصابة بالشلل التام منذ فترة الستينات؛ وتأصيل دور منظمات المجتمع المدني وهيئاته في إعادة بناء سبل الحريّات الفردية والعامة، والاحتفاء بالنسيج التعدّدي في سوريا، وتفعيل المشاركة السياسية من أجل التأسيس لـ "ديموقراطية" ذات وصفة محلّية وبصمة وطنية خالصة.

5. الجلوس إلى طاولة المصالحة الوطنية الشاملة بين معارضة وموالاة، من سوريي الداخل والشتات؛ ودعوة الأدمغة السورية المهاجرة للمساهمة في إعادة بناء الدولة على أسس نهج سياسي تجديديّ يدعو إلى تحرير الفكر، ونبذ التمييز العرقي والطائفي والمذهبي، والاحتفاء بالتعدّد السياسي، وتمكين عملية تداول السلطة.

6. إحياء مفهوم "المواطنة" المغيّب لعقود خلت لحساب ترجيح كفّة "القومنة"، ورفع شعار "الإنسان أولا ثم الأرض"، ومنح الإنسان/ المواطن المساحة الحيوية اللازمة لممارسة حقوقه وحرياته كافة، وذلك موازاةً بمسؤوليته في أداء واجباته الوطنية غير منقوصة، ليكون ـ نتيجةً ـ شريكا فاعلا في صياغة المستقبل، قياسا إلى كفاءاته، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الديني أو الإثني.

7. فك طوق احتكار الثروة وتحرير الاقتصاد الذي يتموضع في يد دوائر ضيقة ذات نفوذ سياسي أو حزبي حصري؛ واعتماد حد أدنى من الشفافية في توزيع الثروات وفي توفير الفرص، دون محسوبيات وتمايز، في تيسير السعي إليها.

8. تغيير وجهة التحالفات الإقليمية السورية سواء الاستراتيجية، كحلفها الضميريّ مع إيران، أو التكتيكية، كدعم سوريا السياسي واللوجستي لمنظمات مقاتلة مثل حماس وحزب الله وفلول بعث العراق، وذلك في سياق انسحاب من تلك التحالفات، مهليّ لكنه مدروس (slowly but surely)، وتحقيق المزيد من الانفتاح على العالم بأيادٍ بيضاء ونوايا بيضاء أيضاً.

9. الجلوس إلى طاولة المفاوضات المعلنة مع اسرائيل، بعيداً عن المكابرة أو المناورة المزمنة، وذلك انطلاقاُ من "وديعة رابين" التي كان آخر من عالج بنودها الرئيس السابق حافظ أسد، وأول من أعلن رسميا عن التزامه بها الرئيس الحالي، ابنه بشار الأسد، خلال خطاب القسم الجمهوري، قبيل توليه فترة رئاسية ثانية في العام 2007 تمتد لسبع سنوات.

10. شرعنة المفاوضات السورية الإسرائيلية، كي تودي ـ خَلافاً لما أودت به اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل الموقعة في العام 1978 ـ إلى قبول شعبي سوري عريض وغير منقوص لبنودها، ولكل ما يمكن أن تؤول إليه من اتفاقات، ستتحوّل، تدريجيا، إلى عملية تطبيع بين الشعبين السوري والاسرائيلي تتناول أوجه الاقتصاد والسياسة والمجتمع كافة. الوصول إلى هذا القبول الشعبي الاختياريّ لا يتمّ إلا عبر استفتاء عام وشامل يرصد رأي الشعب السوري، بأطيافه كافّة، في مشروع سلامٍ مرتقبٍ، دائم، ومكين.

سلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف