الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة : اليقين والايمان ...

ميرا جميل

2010 / 2 / 16
الادب والفن



سقط في بئر عميقة واثناء سقوطه تمسك بقوة بجذع نابت داخل البئر. مما اوقف سقوطه المؤكد الى حتفه .
نظر الى أعلى فرأى فتحة السماء الزرقاء عبر فتحة البئر الدائرية.
لم يدرك آلامه للوهلة الأولى ، عندما عرف وضعه ، بعد ان استعاد نفسه من صدمة السقوط ، بدا يشعر بأوجاع ذراعية ويديه وصدره وساقيه ...
نظر الى اسفل ، كانت البئر عميقة لدرجة تصعب رؤية ارضيتها، او الماء في قعرها.
صرخ طلبا للنجدة . ويداه تقبضان بقوة على الجذع النافر داخل البئر. كان ألألم في ذراعية وقبضتيه يشتد ، وأيقن انه لن يصمد طويلا اذا لم يسارع أحد ما لإنقاذه . وأشد ما يرعبه ان لا يصمد الجذع امام ثقل جسمه .
صرخ صراخا جنونيا طلبا للنجدة.
هل أصيب الناس بالطرش ؟
نظر الى قطعة السماء المرئية عبر فتحة البئر راجيا ربه ان يرسل ما ينقذه ، او يجعل ما هو به حلما مرعبا يستيقظ منه فورا ممددا على سريره ، او مغميا عليه فوق أرض صلبة ...
خاطب الرب برجاء يصل حد البكاء قائلا انه مؤمن ويقوم بكل الفرائض ولم يدع نفسه تجره الى المعاصي ، وانه يذكر اسم الله الاف المرات في يومه ، ولا يفوت عملا صالحا الا ويقوم به ، لدرجة انه تزوج من الجارة الصبية التي توفى الله زوجها ولم يتركها لحظها التعيس ، رغم معارضة زوجته واولاده ، بحجة أنها أصغر من أحفاده .. ولكن العمل الصالح لا يوقفه الجيل. هل سيحرمها الله من احتضانه لها ، ويرملها مرة أخرى ، ويجعل حياتها مليئة بالحرمان وهو الرحيم ؟
عاد يصرخ لعل الله يرسل من يسمعه وينقذه من أجل تلك الزوجة الجديدة وخلاصها من قسوة الترمل ، او يجعل ما هو به حلما مرعبا ، فهو على كل شيء قدير.
الألم لم يعد يحتمل ولكنه يشد قبضتيه بقوة وتصميم حتى لا يهوى الى موته .
يصرخ بكل ما في صوته من قوة ورجاء لرب العالمين ولمن يمكن ان يسمعه من الموجودين فوق . او من يرسلة رب العالمين ليقوم بواجب انقاذه.
كان اليأس يصارع يقينه بأن الرب ، سد آذان الناس الذين فوق.. وانه في تجربة صعبة .. او هو المسجل له منذ ولدته امه ، وحان وقت تنفيذه. ولكن في رقبته هم اعالة زوجة طرية لا قدرة لها على مصارعة الحياة ، وقال في نفسه ان الزوجة الأولى لا خوف عليها يضمنها اولادها الكبار.. وهمس : " رحمتك يا رب بالزوجة الصبية ، انقذني من أجلها ".
وفكر: هل يكون القدر بمثل هذه القسوة ، بأن يرى الانسان نهايته ويعيش تفاصيلها المرعبة ؟
هل يكون الله الذي يدعو للرحمة ، وهذا ما جعله يضم الأرملة الصغيرة الى حمايته ، بمثل هذه القساوة ؟ اليس الموت بدون معرفة ساعة النهاية ، أكثر رحمة ؟
مئات الإسئلة هاجمته في لحظاته الحرجة .. كانت ثقته برب العالمين كبيرة .. على الأقل اذا لم يشفق عليه ، يشفق على الزوجة الصبية من الترمل مرتين في سنة واحدة .
استمر يطلب مساعدة الله ورحمته... كان واثقا ان المساعدة لن تتعوق.. وعليه الصمود في التمسك بالجذع ، تماما كما يتمسك بايمانه الذي لا يتزعوع برب العالمين.
وفجأة .. توهج ضوء هائل أضاء البئر لدرجة اعشت عينيه عن رؤية أي شيء عداه .. كان ضوءا يبهر الأعين وكأن الشمس بكل وهجها وقوة ضوئها قد دخلت البئر .
شعر بأن يد الله تمسه .. فازداد تمسكه الصلب بجذع الشجرة متوقعا نهاية لهذه التجربة التي لم تزعزع ايمانه بالله ورحمته ...
وفجأة ، اذ بصوت هائل تهتز له اعماق البئر يخترق اذنيه : اترك الجذع يا بني ، لا خوف عليك ، نهايتك لم تحل بعد ...
كان واثقا انه صوت رباني.. ولكنه تردد ، وفكر ، وأيقن ان ترك الجذع سيقوده الى حتفه ..
نظر الى فوق ليتأكد من يقينه . فلم يشاهد الا قطعة السماء الزرقاء عبر فتحة البئر.. فصرخ بأعلى صوته يائسا : هل من شخص غيره فوق ؟!

د . ميرا جميل – كاتبة وباحثة اجتماعية – نيقوسيا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذة ميرا جميل
عبد الحكيم عثمان ( 2018 / 8 / 11 - 11:28 )
دفعتني محاورة البرفسور افنان لك البحث عن شخصك الكريم فلم اجدلك معرف في الموسوعة العالمية فخطر لي البحث عن شخصك ضمن كاتبات الحوار المتمدن فوجدت صفحتك التي ليس فيها معلومات عنك-تابعت اكثر من مقال لك ومنها هذا المقال واعتقد انك تبغين التشكيك من اليقين والايمان
الشخص الذي تناولته في مقالك كيف سقط في البئر-لاشك السبب هو والمثل يقول من لايعرف تدابيره حنطته تأكل شعيره
الله منح الانسان عقل ان تدبر اموره جيدا لاحاجة به للاستنجاد بالله- الاستنجاد بالله فقط من المصائب التي ليس لنا في حدوثها يد او خارجة عن اردتنا
هناك تعديل اتصورة الانسب والافضل
عندما عرف وضعه ، بعد ان استعاد نفسه من صدمة السقوط
الاصح من وجهة نظري
عندما عرف وضعه ، بعد ان استعاد أنفاسه من صدمة السقوط
تشرفت بمعرفة ياحفيدة الجبارين- برتقالة حيفا
احترامي وتحياتي

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال