الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماة شباط، فبراير 1982 ألا من مرهم للذاكرة؟

منهل السراج

2010 / 2 / 16
الارهاب, الحرب والسلام



قال أحدهم بحزن وتأثر إن الخدمة العسكرية في إسرائيل إلزامية على الشباب إناثاً وذكوراً على السواء. كان يريد الإشارة إلى معاناة الشعب الاسرائيلي اليومية بسبب صراعهم مع الفلسطينيين. وكانت المناسبة حواراً عن هموم الشباب في منطقتنا، كان دورنا تقديم الهم العربي والفلسطيني وكان هذا جواب المواطن الأوروبي، ذاك التعاطف الذي نصادفه غالباً في أوروبا.
لايكاد يخلو مقرر دراسي في السويد من ذكر الهولوكست. نجده في مناهج تدريس المراهقين وفي مناهج تعليم اللغة السويدية للكبار، روايات وكتب مفروضة للقراءة والدراسة، لايمكن للطالب أن ينجح إن لم يقرأها ويتمعن بها، والتمعن شرط النجاح، الأسماء والتواريخ والأمكنة. يجب أن يتخلل المنهاج في كل مرحلة تعليمية، نص عن القضية اليهودية، حتى وإن كانت الدورة الدراسية شهراً واحداً، هذا إن لم يكن الكتاب المقرر بكامله عن ذلك. ولأننا مشحونون منذ الطفولة بالممارسات الاسرائيلية على الأرض الفلسطينية فإننا نتمترس وراء ذاكرتنا ونكابر رغم تأثرنا، لكن علينا الاعتراف الآن بأن تلك النصوص قد حفظت حقوق من قُتل أو لوحق أو هُدد أثناء الهولوكست، لأنها حقاً كتبت بفن عال وصدق عال، أناس عرفوا كيف يخاطبون العالم، بذكاء، بخبث، بدهاء وسياسة، بحق أو بدون وجه حق، المهم أنهم نجحوا، خاطبوا الناس والتاريخ وليس آلهة في السماء.
أحداث وقعت وأثير حولها ماأثير وأنشئ فيها ماأنشئ، أنشئ وطن خاص للشعب اليهودي لاسترداد الحق، ولم يسترد.
ولانضيف جديداً بقولنا إن الشعب اليهودي استطاع أن يكرّس قانوناً دولياً يدين كل من يتفوه ببنت شفة عن الهولوكوست. والقانون ليس قانوناً عادياً دنيوياً قابلاً للتطبيق حيناً وغير قابل للتطبيق في أحيان، بل تحول العقاب إلى تكفير. ولا أعتقد أنهم نجحوا في سن هذا القانون لأن لديهم الحق، أو لأنهم قدموا عشرات الآلاف من الضحايا، فهناك من المجازر في التاريخ ما اندثر تماماً، وإنما لأنهم ببساطة أدركوا لغة المطالبة بالحقوق ولأنهم وجدوا أذنا صاغية وصدّيقة.
الأمر الذي نفتقده في خطابنا عن آلامنا ومعاناتنا وهمومنا، كما نتفنن في مصادرته على غيرنا وصمّ آذاننا عن بعضنا.
خاطبت أم القاتل، الشخص الذي طعن مروى الشربيني في قاعة المحكمة في ألمانيا، خاطبت العالم بعد بضع أسابيع من الحادثة، ترجو أن يسامحوا ابنها: ابني حزين جدا ويتمنى الموت! فعلت هذا ليس حباً بالجماهير المسلمة التي هبت وثارت، أو حرصاً على إحقاق الحق، وإنما لتخفيف الحكم، وتخفيف النقمة عن ابنها.
وماذا فعلت جماهيرنا من أجل روح مروى؟ ثارت لبضع أيام، وبدت ثورتها من أجل الحجاب وليس كثيراً من أجل روح الإنسانة التي طعنت. ثم هدأ ونسي الجميع أمر الحادثة، ولم يعد هناك من متابع لقضية الضحية وزوجها وابنها الذي شهد أمه تطعن، ومات أبو مروى منذ أيام كمداً على ابنته. لو حدث الأمر نفسه معكوساً والضحية كانت من الشعب الأوروبي، لوجدنا مسلسلاً يومياً في الصحف يتناول تفاصيل القضية وأخبار الجاني والمجني عليه وماقيل من رأي عام وماتغير من رأي عام، كانوا سيعدّون استفتاءات شعبية، لأنهم يعرفون أن التذكير بالجريمة يربي الناس ويعظ بشكل غير مباشر ويؤثر على اللاشعور الفردي والجمعي معاً. أما الذي حدث في بلادنا، فإن قضية مروى، تحولت إلى أسباب جديدة للانقسام، منهم من اتخذ المناسبة للترويج للحجاب أو للترويج لكراهية الغربي وبالتالي مزيداً من الاحتقان، ومنهم من اتخذ المناسبة ليندد بالحجاب، ومنهم من تجاهل الجريمة تماماً ومنهم من صادر آلام وآثار هذه الجريمة عن أهلها، ليوجه الناس إلى جرائم أخرى تحدث في بلادنا كجرائم الشرف، والقصد وضع تلك مقابل تلك، ومن هنا يدرك المرء أن أهل بلادنا لايتقنون أمراً سوى مصادرة الحقوق على بعضهم وعلى أنفسهم، ومصادرة آلام بعضهم، ومن هنا يدرك المرء أيضاً أن انقسامنا نحن أهل الأرض الواحدة أمر متعشش فينا.
كأن هذا العالم لايتسع لكرامة الجميع ولايتسع لآلام الجميع وآراء الجميع، وكأنني إن قلت رأياً يعني أني ألغي الرأي الآخر.
كنت قد نشرت في الثاني من شباط فبراير 2010، فصلاً من رواية جديدة يتناول بشكل أدبي ذكرى أحداث حماة 1982. وتلقيت بعض الردود، كما رأيت بعض التعليقات في المواقع التي نشرتها، تلك التعليقات التي تثير المرارة والخيبة ربما، لأننا لا نجد قراءاً يتحررون من آرائهم المسبقة، لانجد قارئاً يقرأ بتفهم. نجد تعليقات تجيد مصادرة الخطاب، وتتمترس عند فكرة واحدة ثابتة وغالباً غير عادلة، كأن تحمّل مدينة حماة بحالها بعمارتها وأهلها ذنب بضع عشرات حملوا سلاحاً لبضعة أيام.
أود أن أتناول موضوع ذاكرتنا عن أحداث حماة ونحن مازلنا في ذكراها الثامنة والعشرين، حيث إن المجازر والتهديم امتد طوال خمسين يوماً بدءاً من الثاني من شباط 1982. سؤالي في هذا المقال، لِمَ نصادر، نحن أهل الأرض الواحدة، على بعضنا ذاكرتنا؟ لم لانحترم ذاكرة بعضنا؟ لم نصادر على بعضنا مخاوفنا وتخوفنا؟ كيف لانخاف من بعضنا والتاريخ كان حافلاً بالآلام. كيف نلغي ذاكرة بلد لأكثر من أربعين عاماً تحت الظلم والترويع؟
صديقتي التي تزورني وأزورها نأكل معاً ونتحدث طويلاً ونشتكي هموم غربتنا، تقول بأن ابن خالتها في سوريا الضابط في الأمن إنسان جيد جداً وقد خدمها بأشياء كثيرة، تقول هذا بحب وحنين، وأنا أجفل من ناحيتي، أجفل حين أسمع كلمة ضابط، لأنها تعني لي العذاب، هو الشخص الذي يعذب، هي الكلمة التي تستدعي في الذاكرة بلحظة واحدة سجوناً وإهانات وتحقيقات واستدعاءات لسنين طويلة، وتعني عند صديقتي تسهيل أمور وحل مشاكل، أفهم تماماً هذا الاختلاف بالذاكرة، ولكن، لم لا أقول ماعندي وتسمعني؟ وتقول ماعندها وأسمعها؟ مشروعة مخاوفنا وذاكرتنا، وغير مشروعة أبداً ادعاءاتنا أننا لانخاف ولم نخف! غير مشروع أن تصادر ذاكرتنا كما من غير المشروع أن تحوَّل إلى آلة لاستثارة الرغبة بالانتقام.
السؤال الآن، هل من الممكن وبمفهوم كل العلوم، النفسية والاجتماعية والتاريخية.. إلغاء ذاكرة مدينة بحالها؟ هل من الممكن إنكار هذا، وتقبل أنه لا يوجد ولم يوجد أي حق لأهل مدينة حماة؟ مجازر بالآلاف! هكذا تلغى؟ واذا غطيناها وطمرناها فهل معنى هذا أنها ألغيت؟ وتلك الضحايا وأهالي الضحايا، ألا يحتاجون لمن يفتح الجروح ويداويها، بمرهم شاف ونية صادقة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين شهود المذبحه
مختار الخياط ( 2010 / 2 / 16 - 19:04 )
مفهوم أن من مصلحة الجزارين أن يغطوا على هذه المذبحه، ويصوروا أهل هذه المدينه على أنهم كلهم غيلان وقتله. ولكن أين شهود هذه المذبحه لماذا لايسجلوا شهاداتهم؟ هل خوفاً من السلطه! أم انتظارأً لساعة الثأر! الحكم يتهم أهل هذه المدينه أنهم جميعاً اخوان مسلمين ويستعدي عليهم كل الكارهين للاخوان! متى يوضح ابناء هذه المدينه أن فيهم من صفوة المتنورين والعلمانيين والتقدميين الذين انتخبوا بالكامل من قبل أبناء المحافظه في آخر انتخابات حرة في سوريا أين هؤلاء واتباعهم، وأين فلول الاخوان من حماه والمدن الاخرى! متى يعتذروا للضحايا الابرياء من أبناء هذه المدينه التي اتخذوا منها مركزاً لبلاويهم وكانوا سبباً في تدمير هذه المدينه والحرص على سلامة مدنهم وأتباعهم في المناطق الاخرى


2 - جرائم مخجله
علي الغالبي ( 2010 / 2 / 16 - 19:18 )
انا ياسيدتي عراقي شيعي كنت ادرس بمدينه حماه الطيبه باهلها وطقسها وجمال نهرها العاصي والله انا خجل من ما حصل للناس وانا ضد الاخوان المسلمين في فكرهم وطريقه مواجهتهم للنظام حماه اكثر مدينه سوريه مع حمص تحترم الثقافه ومدينه للشعر والادب عاش بها اجمل شعراء العراق لمده طويله احمد الصافي النجفي مكرما معززا لم ينظر له اهلها على انه من طائفه اخرى تختلف عن مذهب اهلها حماه مدينه تغفو على ذراع العاصي بامان حولها رفعت وازلامه الى خرائب الخساره لم تكن بالبناء لا كانت بالانسن الحموي الطيب حاصرتنا دبابات الطغاه المهزومه في الجبهه السوريه الاسرائيليه فتقاسمنا مع اهلها الخبز والزيتون والمكدوس اطعمونا كانا ابنائهم لم يفرقوا بيننا وبينهم طوبى لاهلها وعار على من حاول اذلالها وعلى من سكت او برر تلك الجريمه


3 - البعثيون
علي ( 2010 / 2 / 16 - 20:35 )
هم البعثيون يا سيدتي الذين لا يفكرون إلا ماذا يأكلون وأين يتغوّطون. قال لي أحد معارف عفلق وهو من كبار البعثيين أن عفلق كتب معظم ما كتب وهو يتغوّط في الحمام


4 - الى مختار الخياط
علي الغالبي ( 2010 / 2 / 16 - 23:10 )
انا اول الشهود رغم اني غير سوري ساقول وبامانه كل ما رايت وما اقترف بحق المدينه من قبل النظام والاخوان


5 - جريمة ضد الإنسانية
Yasmine Ramirèz Florentèz ( 2010 / 2 / 17 - 10:04 )
أنا لست عربية أو سورية ولا حتى مسلمة. ولكنني أقرأ وأكتب اللغة العربية. لهذا السبب أتساءل وبعد قراءتي لكتاباتك وللعديد من الكتابات التاريخية عن مدينة حماه وما أصابها من مجازر جماعية تعتبر بالقانون الدولي جـرائـم ضد الإنسانية... أتساءل لماذا لم يطالب أحـد من المواطنين السوريين أو غيرهم من الذين كانوا شهودا لهذه المجزرة أو من عانوا منها. لماذا لم يتوجه أحد منهم أو أنت شخصيا إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بمحاكمة جميع المسئولين عن هذه المجزرة.
لم يفت الوقت بعد. لأن أكثرهم ما زالوا ملياديرية أحياء, يخوتهم تجول في كل العالم.


6 - العدالة
T. khoury ( 2010 / 2 / 17 - 10:12 )
السيدة الكاتبة
ان تشبيهك لاحداث حماة بالهولوكوست كان غير موفق!! فما حدث بحماة هو صراع دموي على السلطة بين حزبين اسلاميين وهما جماعة الاخوان المسلمين فرع البيانوني وجماعة الاخوان المسلمين فرع الاسد. طبعا نحن ضد جميع الصراعات الدموية على السلطة في بلدنا الحبيب سوريا , ولكن لا نريد ان نبدل حكم جماعة الاخوان المسلمين فرع الاسد بفرع البيانوني لاننا لا نريد ان نخرج من تحت الدلف لتحت المزراب؟؟ لقد جربنا الحكم الاسلامي منذ عهد قثم صلعم حتى الاسد مرورا بالخلفاء الراشدين والامويين والعباسيين والعثمانيين ووصلنا الى الحضيض !!! ما رأيك بأن نجرب العلمانية, بما انك تنعمين بالعيش ببلد علماني عادل وحر ومتحضر ؟؟ انت تصورين الصراعات الدموية والجرائم وكانها مسألة دعاية , بقدر ما تكتب عنها تستطيع ان تغسل ادمغة العالم لتبني ما تريد ان تقوله وهذا غير صحيح فالتاريخ اصبح موثقا وكل شئ اصبح معروفا... لا تتحسري على مروة الشربيني لانها عاشت في بلد عادل وسوف تنال العدالة الكاملة من القضاء الالماني ولكن ما رأيك بالاضهاد والجرائم والقتل التي تجري بالبلاد الاسلامية والعربية ضد الاقليات من قبل الاكثرية المسلمة


7 - هذه الأمه هي أمه يتيمه
سوري فهمان ( 2010 / 2 / 17 - 11:44 )
الأخت منهل
أن هذه الأمه هي أمه يتيمه وحبذا لو أن الدكتور نضال نعيسه حدثنا قليلا عن هذه الحادثه.تحياتي


8 - تحية
محمد الحاج صالح ( 2010 / 2 / 17 - 21:08 )
تحية لك سيدة منهل
من أصعب الأمور الكتابة عن حدث معقد وكبير مثل مجزرة حماة. أقصد الكتابة الروائية. أنت تتوفرين على كنز غير متاح لآخرين... ببساطة لأنك من حماة. هذا الكنز سيكون ملك لك إن وجدت التيلة السحرية الفنية في كتابتك. دعيني أكون صريحاً ... ومن تقييمي لكتاباتك... أنت تقتربين من أن تكتبي الرواية الرواية. أنا أراهن أنك ستكتبين رواية ستكون نسيج وحدها. فكري ركزي واكتبي. واسلمي كاتبة وانسانة

اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور