الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى تدبير الموارد البشرية بقطاع التربية الوطنية بالمغرب: ظاهرة تغيير الإطار نموذجا

رشيد بن بيه
كاتب باحث في علم الاجتماع

(Rachid Benbih)

2010 / 2 / 18
دراسات وابحاث قانونية


تطالب النقابات منذ مدة تزيد عن أربع سنوات وزارة التربية الوطنية بتغيير الإطار لمجموعة من المدرسين والمدرسات المتواجدين في مختلف أكاديميات ونيابيات المغرب. وذلك بالنسبة لمن التحق بتلك المصالح ابتداء من سنة 2003، علما أن كل الذين اشتغلوا في تلك النيابات والأكاديميات قبل تلك السنة، أي سنة 2003 قد تمكنوا من تغيير الإطار إلى ملحق الإدارة والاقتصاد، أو إلى ملحق تربوي واجتماعي.
إن إقدام الوزارة على مثل هذا العمل، يعتبر من أكبر تجليات سوء تدبير الموارد البشرية، ذلك أن قبولها بتغيير إطار المدرسين الذين التحقوا بالأكاديميات والنيابات سواء قبل سنة2003 أو بعدها، يعد استهتارا بأبسط قواعد تدبير الكفاءات management des compétences . كما أن دفاع كل النقابات، للأسف عن هذا الملف، يشكل دفاعا عن أوضاع شاذة كان من المفروض أن تعمل على مواجهتها. ففي وزارة التربية الوطنية، يمكن للشخص أن يبدأ معلما، ويتمكن بعد ذلك من تغيير الإطار ليصبح ملحقا للإدارة والاقتصاد؛ حيث يمكن له أن يقضي في إطاره الجديد ما شاء إلى أن يصبح رئيس مصلحة أو قسم لتتم ترقيته من جديد إلى إطار المتصرفين. هذا كله دون أن يجتاز أية مباراة ولا أن يستفيد من أي تكوين لا في الاقتصاد ولا في التدبير العمومي ... وبطبيعة الحال، يتم ذلك بقرار مؤشر عليه من طرف وزير التربية الوطنية، في زمن تحديث الإدارة العمومية وملائمة الوظائف للكفاءات!!. وهو ما سأبينه من خلال المحاور الآتية:

أولا: في "الالتحاق" بمصالح الأكاديميات والنيابات

إن الإطلاع عن الطريقة التي التحق بها الذين يطالبون حاليا بتغيير الإطار إلى مصالح الأكاديميات والنيابات، يبين إلى أي حد يكتسي الدفاع عن هذا المطلب استخفافا بالجدية المفروضة، نظريا، في كل عمل نقابي؛ فالمتواجدون في الأكاديميات قد التحقوا بها دون اجتياز أية مبارة، حتى وإن ادعت تلك المصالح أنها قامت باجتياز تلك "المباريات"، فإن لا أحد يعلم بها، مما يفقدها صفة المبارة. كما أن العديد منهم قد التحق بالعمل الإداري في مصالح النيابات والأكاديميات في إطار تسوية بعض مشاكل الالتحاق بالأزواج أو نفوذ بعض الشخصيات؛ وهي القضايا التي تندد بها النقابات كل سنة عبر بياناتها وبلاغاتها، وتخوض ضدها أشكالا احتجاجية متعددة.
ذلك أن ملف تغيير الإطار الذي تدافع عنها النقابات اليوم، يخص فئة من المتواجدين في المصالح الإدارية المركزية واللامركزية لوزارة التربية والوطنية التي سبق لهذه النقابات نفسها أن نددت بالسماح لها للعمل في تلك المصالح، كما أن عددا من هؤلاء النقابين ومراسلي بعض الصحف من المعلمين الأشباح قد استفاد من تغيير الإطار، بشكل ريعي، يمكن أن أطلق عليه "الريع الإداري"، كما هو الشأن بالنسبة لاقتصاد الريع.
فتكليف المدرسين في الأكاديميات والنيابات، بهذه الطريقة، وبهذا الشكل، وفي ظروف تتسم بخصاص مهول في الأطر التربوية، يتم، طبعا، في زمن الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص في المادة 144 على "إحداث هيئات متخصصة في التخطيط والتدبير والمراقبة في مجال التربية والتكوين على مستوى الجهة والإقليم ". وفي المادة 155 على دعم المستويات الجهوية والمحلية بالأطر المقتدرة ذات الخبرة". كما يحدث هذا الاستهتار بالموارد البشرية في زمن الإصلاح الإداري، حيث اعتبرت وزارة تحديث القطاعات العامة، تدبير الموارد البشرية أهم المجالات التي تمكن من إحداث تغيير ايجابي في الإدارة المغربية، فعملت على وضع الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات من أجل تحديد الحاجيات الحقيقية للإدارة والرفع من فعاليتها، كما أقرت سياسة التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات. غير أن القائمين على الشؤون الجهوية والإقليمية للتربية والتكوين يتجاهلون أو يجهلون، بالفعل، رهانات تلك الإصلاحات الحاسمة، ليس لقطاع التربية وحده وإنما للإدارة العمومية بشكل عام. حتى وإن كانت وزارة التربية الوطنية تجهل تلك الخطط فإنه يتوجب عليها، على الأقل، أن تأخذ بعين الاعتبار خلاصات تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008 الذي أشار إلى ضعف حكامة منظومة التربية والتكوين الوطنية في مختلف مستوياتها وخاصة الجهوية والإقليمية.

ثانيا: في النتائج السلبية لفوضى تغيير الإطار

إن أغلب المدرسين والمدرسات المتواجدين في مصالح الأكاديميات والنيابات، هم أصحاب تكوين تربوي، وليس تكوين إداري. ولهذا لن يتمكن هؤلاء من النهوض بالعمل الإداري و تفعيل "الإصلاحات الكبرى" التي تود وزارة التربية الوطنية إقرارها في هذا القطاع فيما يتعلق بمجالات مثل: التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، وتدبير المشاريع، و التدقيق ومراقبة التسيير... فلا يعقل مثلا أن تقوم معلمة ما متواجدة في أحد الأكاديميات أو النيابات، بمهمة كاتبة رئيس قسم، أو مصلحة وهي مصنفة في السلم العاشر، كما لا يتصور أن تسند لأستاذ من الدرجة الأولى، السلم : 11 مهمة في مكتب الضبط؛ علما أن هذه الدرجة تفوق بكثير مهام السكريتاريا ومهمة تسجيل الواردات والصادرات !!
ففي الوقت الذي تتحدث فيه وزارة تحديث الإدارة العمومية عن ملائمة الوظائف للكفاءات، نجد وزارة التربية الوطنية، تعمل على سوء توظيف الكفاءات، فالمتواجدون في الأكاديميات، أطر تربوية، كان من اللازم على الإدارة أن تحرص استمرارهم مدرسين في الأقسام في وقت تعرف فيه العديد من المؤسسات التعليمية خصاصا في هيئة التدريس.
فكيف يمكن لإطار تربوي، كل ما تلقاه في مراكز تكوين المعلمين والمعلمات مجموعة من النظريات التربوية، ودعم التعلمات الأساسية، أن يقوم بعمل إداري، ويبرم الصفقات، علما أن مثل هذه التخصصات لا تفتح في الكلية إلا لمستوى الماستر تخصص القانون العام أو الاقتصاد.

إن من نتائج هذا الاختيار تردي التدبير العمومي في العديد من الأكاديميات والنيابات وعجزها عن تنفيذ الخطط والبرامج التي تضعها وزارة التربية الوطنية. واستحالة تحديث الإدارة التربوية، التي أصبحت اليوم، بحق، أكبر عائق أمام إصلاح التعليم، سواء تعلق الأمر بالإدارة التربوية، أو مصالح الأكاديميات والنيابات، والوزارة نفسها، ولا أدل على ذلك، سوء تدبير الموارد البشرية، وتدهور حالة المؤسسات التعليمية،... فإذا قال وزير التربية الوطنية أحمد اخشيشن في أحد المجالس الإدارية للأكاديميات أن بعض رجال التعليم وجدوا أنفسهم صدفة في هذه المهنة فإن البعض الآخر من هؤلاء وجد نفسه صدفة في المصالح الجهوية والإقليمية لوزارة التربية الوطنية.

ثالثا: نداء العقل و حسن التدبير

إذا كان الانتماء مثلا لإطار المهندسين أو التقنيين، أوالمقتصدين، أوالمتصرفين أوالمفتشين.. يتطلب اجتياز مباراة الولوج، تم سنتين على الأقل من التكوين تتوج بالنجاح. و بعدها فترة تدريبية أقصاها سنتين لتتم عملية الترسيم، فإنه في قطاع التربية الوطنية، يمكن لبعض المحظوظين أن يغيروا الإطار الذي ينتمون إليه بين عشية وضحاها، ليس في أحلامهم، ولكن في الواقع، دون مباراة ولا تكوين ولا تدريب ولا ترسيم؛ وبقرار مؤشر عليه من طرف وزير التربية الوطنية، أو الكاتب العام للوزارة، قرار يمكن أولائك المحظوظين من أن يتحولوا من إطار تربوي إلى إطار ملحق الاقتصاد والإدارة أو إطار ملحق تربوي واجتماعي أو إطار المتصرفين والمفتشين أو العكس !!... وفي قطاع التربية وحدها يصبح هؤلاء بسهولة رؤساء المصالح والأقسام ومديرين يدبرون مؤسسات عمومية بميزانيات ضخمة..
لقد كانت مثل هذه والمسلكيات، مبررة في فترة ما بعد الاستقلال والمغربة التي عرف فيهما المغرب خصاصا في الأطر الإدارية والتربوية. أما أن يتم في الألفية الثالثة، تبني مثل هذه المسلكيات، والتأشير عليها بقرارات وزارية، فلا يمكن أن ننتظر منه إلا الكارثة، وأن تزداد أحوال التعليم سوءا، وتظل المصالح اللامركزية لوزارة التربية الوطنية معقلا للتخلف الإداري والتدبيري. ربما، في نظري، ستتمكن كل الوزارات، مستقبلا من تجاوز بعض الإشكاليات التي تعاني منها فيما يتعلق بتدبير الموارد البشرية، إلا وزارة التربية الوطنية، التي ستبقى معقلا، لعدم ملائمة الوظائف للكفاءات في كل مستوياتها المركزية واللامركزية. فنداء العقل، والتدبير، يفرض القطع مع مثل هذه الممارسات، عن طريق تعيين الخريجين الجدد المؤهلين للتدبير الإداري، هؤلاء الذين ينحدرون من تخصصات تلائم طبيعة العمل الإداري كما هو الشأن في باقي الوزارات المتطورة، في العديد من الدول المتقدمة.
فإذا كانت وزارة التربية الوطنية في حاجة إلى إطر إدارية من مقتصدين ومحررين وتقنيين ومتصرفين.. فما عليها إلا أن تعمل على تحديد طبيعة الكفاءات التي تتطلبها المناصب الشاغرة و تعلن عن مباراة شفافة ونزيهة من أجل ذلك، وتمنح للناجحين فرصة التكوين والتدريب في المدارس والمراكز المخصصة لهذا الغرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر


.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة




.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا


.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة




.. مستوطنون إسرائيليون يضرمون النار في مقر وكالة الأونروا بالقد