الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنحطاط القاموس السياسي لإسلاميي السودان

بابكر عباس الأمين

2010 / 2 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تعكس اللغة التركيبة النفسية والأخلاقية والفكرية لمستخدمها. فكلما تهذبت لغة الفرد كلما عكست توازن نفسي وخُلق قويم ومنطق سليم ناتج عن فكر متماسك. التاريخ السياسي السوداني الحديث منذ الإستقلال لم يسجل إنحطاط لغوي للسياسيين حتي خلال الحكمين العسكريين: ابراهيم عبود وجعفر نميري. نظام المُحافظين الجُدد سيسجل له التاريخ, ضمن مخازي أخري, إنحطاط القاموس والخطاب السياسي بصورة لم يعرفها السودان. بالأمس أطل علينا نافع, نائب رئيس المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) للشؤون السياسية, من ولاية نهر النيل, بعبارات شوارعية واصفاً أحزاب المعارضة (بالميوعة والتحلل والتفسق والرقص والمجون). هذه المفردات والأسلوب ليست تعبير لطرح فكري أو خلاف سياسي إنما شتائم وإساءات أشبه بلغة صادرة عن شِجار في شارع من شوارع الأحياء الوضيعة.

إن الحاصل علي دكتوارة يكون قد تعايش مع باحثين ومفكرين وبروفسيرات لسنين, وبالتالي, يتأثر بالأسلوب المهذب ويكتسب دبلوماسية ويتخير الرفيع من اللغة. هذا بشرط إن كان الإنسان أساساً متوازناً وله قاعدة فكرية وخلفية خُلقية سليمة وإحترام للعلم وليس السعي له لمجرد الحصول علي لقب, ومن ثَمَ منصب سياسي. لذا وُجد المثل السوداني البليغ "القلم مابزيل بلم". قبل فترة أيضاً ذكر نافع أن أموال المعارضة تأتي من (الكبريهات والمريسة). هذا الأسلوب فيه إساءة لقبائل سودانية تعتبر المريسة وجبة غذائية وطقس إجتماعي من طقوسها أو وسيلة كسب عيش شريف. إضافة للإساءة فإن هذه الجملة فيها مغالطة لأن بائعات المريسة ليس لهن ذاك الدخل العالي بحيث يدعمن منه الحملة الإنتخابية. وحتي لو دعمت بائعات المريسة الحملة الإنتخابية فما الخطأ في ذلك؟ وهل دعم المؤتمر الوطني لحملته الإنتخابية من موارد الدولة حلال ودعم المعارضة من المريسة حرام؟ اللغة التي إستخدمها نافع تعكس إفلاس فكري وعجز مفاهيمي واضح, و"كل إناء بما فيه ينضح." ولا نود أن نذكر أنها بعيدة عن روح الدين والأخلاق لعلمنا ببعده عنهما. إن الذي أدار التعذيب في بيوت الأشباح وأدخل فيه أساليب مُخجلة لم يعهدها تاريخ السودان, وإشرافه الشخصي علي تعذيب أستاذه الجامعي د. فاروق أحمد, يُتوقع منه فعل أو قول كل شئ.

ثم ذهب نافع يفتري علي الله الكذب قائلاً إن برنامج حزبه, خلاف بقية الأحزاب, يقوم علي المرجعية الدينية! ظاهرة واحدة, ما ننفك نكررها, دون سأم أو ملل, لأنها تؤرقنا وتحز في أنفسنا وتهين كرامتنا وسمعتنا وتثبت أن هذا النظام أبعد ما يكون عن الدين. ألا وهي ظاهرة الأطفال مجهولي النسب حيث يستقبل دارالمايقوما متوسط ثلاثة أطفال يومياً حسب الإحصائيات الرسمية. بعكس نظام الخرطوم, يستطيع النظام الإيراني أن يُردِّد بأن مرجعيته إسلامية لأنه يقدِّم قروضاً ميسرة لكل من شاء الزواج صوناً للمجتمع. أما حُكام الخرطوم, الذين يمضغون كلمة الشريعة مضغ اللبان لدي شريحة إجتماعية معينة, فليس لديهم وجه للحديث عن الدين لأنهم يرددونه ويعملون عكسه تماماً.

المؤسف أن هذه الإساءات ليست لعدو خارجي إنما لشريحة هامة من شرائح الشعب السوداني, ومن ضمنها قوي سياسية لها وزنها قبل أن يكون هنالك وجود لحركة المُحافظين الجُدد. لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنه من الأخلاق وتقاليدنا السودانية شتيمة العدو الخارجي ورميه بألفاظ فيها تجريح. وحتي غير المسلمين لا يلجأون لإساءة وتجريح إعدائهم السياسيين لأننا لم نسمع من الإسرائيليين مثلاً قذف الإيرانيين بألفاظ هابطة.

ولا يقتصر الإنحطاط اللغوي علي نافع فقط, إنما هو ظاهرة موجودة عند بقية المُحافظين الجُدد حتي علي مستوي الباحثين. فقبل أيام وصف صلاح قوش منتسبي كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي في مروي ب (العواليق). ويبدو أنه قد تأثر في إنحطاطه اللغوي بإنحطاط لغة وأسلوب أصدقاءه عملاء المخابرات الأمريكية سلالة رعاة البقر. وحتي محمد وقيع الله, باحث وحاصل علي دكتوارة أيضاً, كتب قبل أيام وصفاً بقية الأحزاب بأنها (أحزاب شقاق وأرباب النفاق وشذاذ الأفاق). كما أضاف مُهدداً (لكل شيوعي جبان أن الجيش والشعب في الميدان). هذه حملة إنتخابية وليست ساحة حرب حتي يتم إبراز العضلات والزج بالجيش فيها. المكان المناسب لإظهار العضلات وقوة الجيش كان أحراش الجنوب حيث تم تلقينهم درساً إضطرت بعده القيادة السياسية, رغم أنفها, للتوقيع علي إتفاقية الخزي والعار. بل إن الميدان الأنسب لإظهار قوة الجيش وجبروت الإنقاذ ومليشياتها وشجاعة رجالها هو حلايب المحتلة.

وفي إفلاس مُضحك آخر, في الشهر الماضي, ذكر عوض الجاز بأن السودان (محسود). نشكر له إضافة معلوماتنا العامة بأن الحسد أيضاً يُمارس في العلاقات الدولية. ونحمد الله أن نتيجة تشخيصه لم تكن أن السودان مصاب بالعين حتي يضطر للذهاب إلي فكي لحلها. لدينا أيضاً مثال الغطريس مصطفي إسماعيل الذي وصف في ندونته بضاحية أم درمان قادة المعارضة ب (الثعابين المندسين). وعلي قمة الجهاز التنفيذي فإن البشير هو أول رئيس سوداني له قاموسه الغني بالإفلاس اللغوي. فعلي سبيل المثال, سبق أن ردَّ علي المحكمة الجنائية حينما طُلب منه تسليم نفسه أو تسليم أحمد هارون قائلاً: (نحنا ما بنسلم حتي كديس لانو ممكن نصنع من جلدو مركوب.) ولا بد أن نشكر سيادة الرئيس الذي أضاف لحصيلتنا المعلوماتية, لأننا كنا نجهل قبل هذا التصريح أن جلد القط يُستعمل ويكفي لصنع حذاء, مما يؤهلنا لمنافسة إيطاليا في صناعة الأحذية لقلة ثمن جلد القط. وننأي عن النزول عن مستوانا بالخوض في أسلوب مصطفي الطيب, ليبرمان المؤتمر الوطني, الذي له طاقة هائلة من سموم الحقد والإفلاس لو وُزِع علي أهل الإرض لشملهم, وتكاد تلك الطاقة أن تؤذي البيئة العالمية كما الإحتباس الحراري.

إن هذه الفئة الباغية قد إستغلت تسامح الأنظمة السياسية التي لم تغتال أو تعدم قادتهم كما حدث في مصر. كما إستغلت طبيعة الشعب السوداني المتسامحة ثم أذاقته الهوان والويل بعد أن إستبدت بها شهوة السلطة والمال العام. ويجدر بالذكر أن البطش الذي تمارسه الأنظمة العربية ضد الحركات الإسلامية هو أنسب معاملة وأفضل سياسة تُتبع مع مثل هذه الفئة. ورغم إيماننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلا أنه ليسرنا قمع النظام المصري لهم, لأننا نشفق علي الشعب المصري من أن يحيلوا نهاره إلي ليل كما فعل أخوانهم بالسودانيين. ونذكِّر أشقاءنا المصريين بأن الفرعون الذي تعرفه خير من الفراعنة الذين لا تعرفهم, كما قال المثل السوداني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها