الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعاد لينتظر

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2010 / 2 / 20
الادب والفن


في صالة المطار الفارهة ، والطائرات تبدو من النافذةِ كالرخّ يأتي ويحط الرحال ليحقق أسطورة لم تتعدَ يومًا بحر الخيال .
يجلس كلاهما بصمت ، لا يقدم أيهما على النظر في عينيّ الآخر ، حتى لا تنهار الحواجز التي تعاظمت رغم اللقاء المنتظر .
يبادرها الحديث ليكسر حدة الصمت :

- سأشرب شيئا مثلجًا ، ما رأيك ببعض العصير ؟
تومئ برأسها إيجابا ثم تهمس بصوتٍ خافتٍ تخشى أن يسمعه :

- ستفوتني الطائرة .

يبتسم .. ويطلب العصير ويعود سريعًا للطاولة ، ينظر لعينيها :
-أضعتُ لأجلك مشوار حياتي كلها ، لن تكون كارثةً لو فاتتك من أجلي رحلة واحدة .
-لا تبدأ باللوم ، أرجوك ، لقد بادرت بالرحيل قبل أن تمنحني فرصةً لأسمو بذاتي وأتخذ قرارًا حاسمًا يصنع المعجزة .
- لم يعد اللوم مجديًا ، فقبل الرحيل دستِ بقدميكِ كل سنبلةٍ نبتت على جانبي القلب ، وكأنكِ تخشين تعاظمها !.
- كنت تمثل دور الولد العابث ، تلهو في غابات الحياة ، تعشق الموت والخطر ، وتصنع أفخاخ الكلام ، وحين جابهت ذلك ، هزمتُ أمامك .

تمسح شيئا أشبه بالدمع عن خدّها وتأخذ شهيقًا بعمق وكأنها تستجمع قواها :

- ماذا تريدني أن أفعل الآن بعدما أوغلنا في الرحيل ؟
- لا شيء .
- أتذكر مرةً حين قلتَ لي : نحن من نصنع النقصان في الأشياء والأماكن ، وكنت أنا الشجرة وأنت الأرض الخصبة المعطاءة ؟
- لم أعد كذلك .
- بل أنت كذلك ، لا تجادل ، أنت تكابر كعادتك لئلا تعترف بوجوب الرحيل رغم هذا الحب .
- لم أعد أقوى على الجدل .
- هل يجب أن أنتزع اعترافك انتزاعا ؟

يبتسم بشيء من سخرية حزينة

- ستمارسين دور المحقق العربي إذن ؟
- بل سأتركك تعترف وحدك بما تريد .
- أأعترف بما دوّنته منذ أعوامٍ لديكِ ؟
- التهمة جاهزة ، الحكم جاهز ، والزنزانة أيضا ... يا حبيبي .
- قوليها ثانية .

يحمر وجهها خجلا

- لا تعبث ، أكمل فالوقت يداهمنا .
- قلتُ ما لديّ ، كل ما لديّ ، فاحكمي بما شئتِ .
- ليس قبل أن تعترف .
- لن أعترف إلا بما شاء الهوى .
- سأنتزعه من قلبك إذن .
- ها أنتِ تمارسين دور المحقق العربي بجدارة الآن .
- وماذا يفعل المحقق غير العربي ؟
- المحقق غير العربي يباشركِ بما لديه ، ثم يسمعك ، ويرى ردة فعلك ويتعامل من خلالها .
أما المحقق العربي فيكون لديه كل شيء عنك ويطلب منك أن تخبريه بما لديه ، فلا ينال شيئا جديدًا ذات أهمية .
- حسنا ، سأمارس دور المحقق غير العربي .

تُعدّل من جلستها ، ترتشف بعض العصير مشيحةً بوجهها للناحية الأخرى خشية أن يعلق كعادته بشيءٍ يجعل وجهها يحمر خجلاً ، وقلبها يخفق حبًا .

- لنبدأ إذن ؟
- يجيبها بابتسامة .
- طبعا بكل أدب واحترام سأطلب منك الجلوس
هل أعزمك في التحقيق على فنجان من الشاي ، أم أن الأجانب لا يفعلونها ؟
-ممكن جدا
-وما السكر ؟
- حضورك .
- ....
- أتأذن لي المحققة قبل الكلام بإجراء اتصال هاتفي ؟
-بمحامٍ للدفاع ؟
- بل بحبيبتي .
- وماذا ستقول لها ؟
-سأخبرها أنّي سأعترف .
- حسنا ، لك ذلك .

يمسك بالهاتف ويطلبها ، فتجيب ، فيبدوان كمجنونين :
-حبيبتي ، أنا بين يدي المحقق ، يطالبني باعتراف واضح بشأنك ، أتسامحينني إن أخبرتهم عنكِ وعن هوانا ، وأخبرتهم عن وخز البنادق التي قطعت طريق اللقاء ، وتقاليد النخاسة ، وحدود النزيف ؟
- إن كان في ذلك نجاة لك ، فافعل .
- لكي أنجو فحسب ؟
-وأشياء أخرى .
- أأخبرهم عن لوعة السفر ، عن جنون العاشقين ، والاحتراق في لظى البعد والأشواق؟.
- أخبرهم عن حرقة قلبي في غيابك .
-أأعترف بكل ذلك ؟
- اعترف ، وسأعترف بدوري أنّي من حرّضتهم على انتزاع اعترافك .
-لن أعترف ، لأني فعلت أجمل ما يمكن ارتكابه .
-أحب ارتكابك لكل شيء ، أحبك حتى في خطاياك .

صوت أنثوي هادئ يقطع مناجاتهما ، يعلن عن اقتراب موعد الإقلاع .

-يهمس : ستفوتك الطائرة .
- إنّي مسافرةٌ لديك ... وارتخت يدها الممسكة بالهاتف .
بقي في مكانه متسمرًا ، تقتله اللحظة ،ويقتله الانتظار الطويل الذي يتربص بقلبه.
كفكفت دمعًا سال على وجنتيها ، حملت حقيبتها الصغيرة ، ومضت نحو مجهول.
طارت في السماء وتركت له قلبها ، جواز سفر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب