الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين نحن من القضاء العادل؟!

حسن الهاشمي

2010 / 2 / 20
حقوق الانسان


لعل من أبجديات العمل السياسي في الدول الديمقراطية فصل السلطات الثلاث بعضها عن البعض الآخر وأقصد بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وطالما تسعى تلك الأنظمة في ذينك الدول إلى بسط العدل وإحقاق الحق دونما انحياز إلى تكتل أو حزب أو فئة أو اتجاه معين باعتبار إن أبواب الانتخابات مفتحة للجميع، والقادر على أن يركب الموجة هو الذي يحمل الخطاب السياسي الهادف والبرنامج الاقتصادي الواضح ريثما ينتقل بهما إلى دولة القانون والمؤسسات التي لا تعبأ بعد بلوغها مرحلة النضج أية مخاطر داخلية كانت أم خارجية، ولكن النظام الديمقراطي وبقدر تسامحه في طرح الأفكار واعتناق الأديان والمذاهب تراه يدافع عن حقوق الفرد والمجتمع ولا يفرط بها، وللوصول إلى هذا المبتغى وللحئول دون التصيد بالماء العكر من قبل الإنتهازيين والنفعيين وشذاذ الآفاق لابد من وجود سلطات قوية مستقلة تدافع عن المكتسبات الديمقراطية التي هي أغلى ما في الوجود لأنها تعني ما تعنيه توفير الحياة الحرة الكريمة للجميع من دون منغصات حقوقية أو حقيقية، وقبل الغوص في تكريس هذا المعنى لنتوقف ولو بشكل مختصر على معاني السلطات الثلاث ولاسيما القضائية منها وأهم الأمور المناطة بها لتحقيق المجتمع المدني الذي يحكمه القضاء العادل.
بادئ ذي بدء فإن السياسة في معناها اللغوي والعرفي تعني الإدارة، والقضاء لا يدير كما أنه لا ينفذ وإنما يقضي فقط، والمدير الحقيقي للبلاد هي السلطة التنفيذية، كما أن الظاهر أن بين السلطات الثلاث نوعا من التقدم الرتبي أو التقدم بالعلية، إذ تقع السلطة التشريعية في الرتبة الأولى من السلطات لكون التشريع هو المطلوب أولا، والتنفيذ والقضاء يتفرع عنه، وبالتالي فهو أشرف وأرفع مكانا.
وكيف كان فإن التشريع علة للتنفيذ، ثم يأتي بعده القضاء، لأنه لولا تضارب المصالح في التنفيذ أو تعارض الحقوق أو وقوع الإساءة والعدوان فيه لم يحتج إلى القضاء، فمهمة السلطة القضائية هي التدخل في موارد النزاع، سواء بين الأفراد أو المنظمات في الدولة، أو بينهما وبين الدولة نفسها، أو بين الدول المختلفة، لأجل فصل الخصومة بعد معرفة القانون، أو تفصيل مجملات القانون، أو لأجل أن تفصل في فهم القانون وتفسيره، وهذا غالبا ما يحتاج إليه لدى التنازع بين القوتين التشريعية والتنفيذية، والحاجة إلى القوة القضائية تكمن في أمور أهمها:
الأول: الضرورة العقلية حيث أن العدل مطلوب لذاته، والعقل يستقل بحسنه فيحكم بوجوب العمل به ويتبعه الحكم الشرعي أيضا للملازمة بين ما يحكم به العقل والشرع، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد : 25] ويظهر من الآية الشريفة أن إقامة القسط والعدل من الأهداف الأساسية لبعث الرسل وإنزال الكتب ووضع الموازين المقررة، وقد جعل الباري عز وجل الحديد والسلاح ضمانة لتنفيذها وإجرائها وحمايتها، وفي الآية إشارة إلى السلطنة والقوة على تطبيق الحق.
الثاني: الضرورة الفطرية، وذلك لكونها قاضية بأن كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأنشطة ناشئة إما عن جلب المنافع أو دفع الأضرار، وذلك لما جبل عليه الإنسان بطبيعته الأولية على الانجذاب للملذات والاندفاع نحو تحصيلها والتنفر من من الآلام والتحذر من الوقوع فيها، والتعارض بين المصالح والمنافع بين أبناء البشر يستدعي وجود قوة ذات سلطنة تفرض العدل بين الناس، ويأمن في ظلها المظلوم ويقتص من الظالم.
الثالث: الضرورة الاجتماعية، إذ قد لا يتعمد الإنسان التجاوز على حق غيره، خصوصا من حظي بمستوى من العقل وعلو الهمة وكرامة النفس وغيرها من الكمالات التي تبعده عن الظلم والتجاوز، لكن هذا لا يمنع من أن يقع في شبهة في تفسير الحق ومعرفة ما له وما عليه في الحياة الاجتماعية، فيقع في التنازع والتخاصم مع غيره لأجل الوصول إلى حقه، أو تفسير الحق عن حسن نية ورغبة في العدالة والانتصاف، ومن هنا كان لابد من مرجعية ثالثة منصفة وموثوق بكفاءتها وقدرتها على التشخيص يرجع إليها لرفع الإبهام والغموض وهي سلطة القضاء.
الرابع: الضرورة الشرعية، لاقتضاء حكمة الربوبية والولاية على الأشياء حفظ العدل في العالم تشريعا وتطبيقا، بل هو ما تقتضيه سنة الامتحان والاختبار التي جعلها الله سبحانه من غايات الدنيا والتكليف فيها، وذلك لا يمكن إلا بواسطة قضاء وقضاة ينتصفون للمظلوم.
وكيف كان، فقد عرفت مما تقدم أهداف السلطة القضائية، ولكن حتى تتحقق هذه الأهداف يجب الالتزام بأمور أربعة:
أ- مراعاة صلاحية القاضي وأهليته للقضاء.
ب- مراعاة استقلاله المالي والسياسي عن السلطة التنفيذية حتى يتمكن أن يحكم بالإنصاف والعدل.
ج- مراعاة القاضي لآداب القضاء التي تقربه إلى الحق، وتوصله إلى النتيجة المنصفة.
د- أن يكون له خطط وبرامج تميز له الحقوق، وتشخص له الموضوعات.
وأشرنا سابقا أن القوة هي الأداة إلى تطبيق العدل في المجتمع ولولاها لما ارتدع المجرمون من ارتكاب جرائمهم، وإن السلطة القضائية في العراق الجديد متراخية نوعا ما لأنها وفي الكثير من الملفات تحابي المجرم على إجرامه بجج واهية من قبيل الركون للأصوات الشاذة التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وآخرها طلب الدول الأوربية من وزيرة حقوق الإنسان العراقية إلغاء عقوبة الإعدام في العراق وإعطاء المزيد من الحريات لنزلاء السجون!! وكأنما المجرمون هم الناس الذين ينبغي أن تصان حقوقهم، والأبرياء العزل الذين يُقتلون في الأسواق والأماكن العامة ليسوا بشرا لكي تصان حقوقهم!! وهذا التراخي من قبل السلطة القضائية هو الذي أدى إلى التماهي والإيغال في ارتكاب الجرائم وكثرة العمليات الانتحارية التي تحصد الرائح والجائي وبشكل عشوائي، هدفها القتل من أجل القتل لأهداف سياسية خبيثة!!.
ولا مناص مما نحن عليه من التراخي والوهن حيال المجرمين إلا بالالتزام بمفاد الآية الكريمة: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 179]، وإنزال عقوبة الإعدام بالقتلة المجرمين الذين يستخفون بالدماء البريئة بلا وازع من ضمير ولا رادع من دين.
هذه الآية بكلماتها العشر، تضع الإِطار العام ـ ببلاغة وفصاحة متناهيتين ـ للقصاص في الإِسلام، وتبين أن القصاص ليس انتقاماً، بل السبيل إلى ضمان حياة النّاس، إنه يضمن حياة المجتمع، إذ لو انعدم حكم القصاص، وتشجّع القتلة القساة على تعريض أرواح النّاس للخطر ـ كما هو الحال في البلدان التي ألغت حكم القصاص ـ لإِرتفعت إحصائيات القتل والجريمة بسرعة.
النظرة الإِسلامية نظرة شمولية في كل المجالات، قائمة على احتساب جميع جوانب الأمر الذي تعالجه، مسألة صيانة دم الأبرياء عالجها الإِسلام بشكل دقيق بعيد عن كل إفراط أو تفريط، لا كما عالجتها الديانة اليهودية المحرّفة التي اعتمدت القصاص تحديدا، ولا الديانة المسيحية المحرّفة التي ركزت على العفو... لأن في الاُولى خشونة وانتقاماً، وفي الثانية تشجيعاً على الإِجرام.
نعم لو افترضنا أنّ القاتل والمقتول أخوان أو قريبان أو صديقان، فإن الإِجبار على القصاص يدخل لوعة اُخرى في قلب أولياء المقتول، خاصّة إذا كان هؤلاء من ذوي العواطف الإِنسانية المرهفة، أما أولئك القتلة الذين يذبحون الإنسانية في الشوارع فلابد من إنزال القصاص بساحتهم لأن العفو يؤدي إلى تجرّؤهم في الإيغال بالجرائم والمآثم، لذلك ذكرت الآية حكم القصاص باعتباره أساساً للحكم، ثم ذكرت إلى جانبه حكم العفو لتك الحالات التي فيها جنبة إنسانية وارتكبت على حين غفلة أو عصبية أو ما شابه ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا


.. مجلس الشيوخ الأميركي يرفض مقترح بايدن باستقبال اللاجئين الفل




.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار


.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف




.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين