الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العرب بين الاستبداد والاستعمار
الفضل شلق
2010 / 2 / 20اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مع رحيل الاستعمار بدا، لفترة وجيزة، وكأن الشعوب المستعمرة سابقاً سوف تحكم نفسها بإرادتها. خاب املها مرتين. المرة الاولى اذ وجدت نفسها ما تزال تحت النفوذ الاستعماري الثقافي والسياسي، والمرة الثانية اذ وجدت نفسها تخضع لاستتباع استبدادي.
بقي ميزان القوى الاقتصادي والثقافي لغير صالح البلدان المستعمرة سابقاً. ايام الاستعمار كانت هذه البلدان تنتج لصالح المستعمرين. صارت بعد ذلك تستهلك لصالحهم، مجرد سوق لهم. بقي الانتاج والاستهلاك لصالح الاستعمار. بقيت التبعية. كما في الاقتصاد، كذلك في الثقافة. بقي الوعي السائد يبرر للسيطرة والهيمنة. كان الشعب يثور ضد المظاهر المهينة للاحتلال المباشر. زالت هذه المظاهر وزالت ردات الفعل ضدها. صارت التبعية مبررة ثقافياً على اساس ان التفوق ظاهرة طبيعية. علينا القبول بما هو «طبيعي». الوجه الآخر للتفوق هو الدونية. القبول بالدونية هو في آن معاً قبول بالتفوق. صارت تبعية الشعوب المستعمرة سابقاً جزءاً من ثقافتها الجديدة. من لا يقبل بذلك يُنبذ ويُستبعد. صارت النخب «المحلية» تشكك بتاريخها وتعجب اذ تقرأ عن امجاد الماضي ومتعرجات التاريخ؛ وكأن الماضي في نظرها لم يحدث.
تُركت مواجهة الاستعمار للمتحدرين فكرياً من الذين قاوموه في المرحلة السابقة.
كان على السياسة تجاوز هذه الحالة وكسر الحلقة المفرغة التي ادت بالاقتصاد والثقافة الى التبعية. كان معنى فشل الحكومات «المحلية» في التنمية انها فشلت في قيادة وتوجيه ارادة شعوبها نحو العمل والانتاج واستهلاك ما تنتج؛ فشلت في ان يكون ذلك اساساً لانتاج ثقافة معتدة بذاتها؛ فشلت في تحقيق الكرامة الانسانية للفرد بعد الاستقلال للدولة. علقت السياسة بين مطرقة التبعية وسندان الحاجة الى التنمية. لم تستطع مواجهة التبعية بالتنمية. ليست التنمية مجرد مسألة اقتصادية، هي مسألة سياسية بالدرجة الاولى. لم تستطع الحكومات تجاوز موازين القوى الراهنة بالارادة. السياسة ارادة، او تعبير عن الارادة. لم يكن ميزان القوى في صالحها بعد الاستقلال، لكنها كانت قادرة على المواجهة بالاعتماد على شعوبها. ادت هيبة الشعوب الى هلع الانظمة السياسية منها. لم تستطع الانظمة السياسية التعامل مع شعوبها باحترام، واحترام متبادل. مع فقدان الاحترام تفقد الانظمة شرعيتها ومبرر وجودها. تصير عالة على شعوبها. صارت السياسة مغلقة، تدور في غرف مظلمة؛ أنظمة انقلابات في مرحلة ما، تبعتها أنظمة أجهزة مخابرات في المرحلة التالية. القرارات تأخذها زمر معزولة. انفصلت السياسة عن الناس. ألغت نفسها. طغى الاستبداد.
ليست العلاقة بين الاستعمار (وما بعد الاستعمار) بالاستبداد علاقة السبب بالنتيجة. هما وجهان لعملة واحدة. لم ينشأ الاستبداد بسبب ازمة في الثقافة الموروثة (كما تقول تحليلات شائعة)، ولم ينشأ الاستبداد بسبب عدم قدرة الشعوب على ممارسة السياسة (كما تقول تحليلات شائعة ايضاً). نشأ الاستبداد لأن هذه الشعوب استُبعدت عن السياسة. استبعادها عن السياسة هو استبعادها عن الاقتصاد؛ هو انهيار الانتاج. هو تراجع الوعي وتفتيته، هو الشعور بالدونية. دونية الحاضر تؤدي الى استبداد الماضي وغول السلفية. وهل بقي لدى هذه الشعوب غير هذا الغول المخيف؟ هكذا تبدو الظواهر.
عاد الاستعمار الى منطقتنا مرة اخرى. عادت الاحتلالات والقواعد العسكرية. عاد الاستعمار ليفكك دولاً انشأها بعد الحرب العالمية الاولى. لا يخوض الاستعمار مواجهة مع دول المنطقة. يخوض صراعاً مع شعوبها. وتخوض الانظمة صراعاً مع شعوبها. يتحالف الاستعمار مع الانظمة في هذه المواجهة. يستفيد الاستعمار من وجود اسرائيل في هذا الحال. يقاتل هنا، يفاوض هناك، يفرض عقوبات. يهدد بمحاكمة الرؤساء والملوك. تفيده اسرائيل في الحرب والتفاوض. لا أقول الحرب والسلام، لان السلام في بلادنا هو سلسلة حروب متقطعة. حرب دائمة بأشكال مختلفة وذرائع متنوعة، وحين لا تكون الحرب واقعة يكون شبحها مخيماً.
ما تحتاجه شعوبنا من نخبنا الثقافية ليس التقييم وصولاً الى الإدانة (او الاستحسان) بل التفهم والوقوف بجانبها مهما كانت اعتبارات الايديولوجيا السائدة. ليست شعوبنا إرهابية ولا سلفية ولا حداثية. شعوبنا ناس، مجتمعات ذات مستقبل وتاريخ وأمجاد وفترات تراجع؛ شعوبنا ناس سلبت كرامتهم واغتصبت أراضيهم ونهبت مواردهم وهدرت طاقاتهم. ما تحتاجه شعوبنا لا يختصر بمقولات الحداثة وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد ومنظمات المجتمع المدني؛ وما في هذه المقولات ضرر ولا ضرار.
ما تحتاجه شعوبنا هو الاعتبار أولاً وفوق كل شيء؛ اعتبار وجودها أولى من الفكر، وحاجاتها الانسانية أولى من الايديولوجيا، ومشاعرها أولى من المنطق. لا بد من الفكر والايديولوجيا والمنطق. لكنها أشياء يجب ان تكرّس في سبيل الانسانية، في سبيل قضية شعوبنا. ما تحتاجه شعوبنا هو الانتماء إليها. انتماء نخبها إليها دون تبريرات تضعها في مواضع اخرى؛ انتماء يزج بها في السياسة، انتماء لا يخاف من هيبتها ولا يخاف من الاستنتاجات التي يمكن ان تصل اليها. وما من سياسة تستحق اسمها إلا السياسة التي تستوعب الاخلاق وتبني عليها. تفقد النخب الاخلاق عندما تدين شعوبها.
ما تحتاجه شعوبنا هو التفهم والتفاهم، من نخبها ولدى هذه النخب. يبدأ الفهم والتفهم من الاعتبارات الاساسية لجوهر الاشكالية. ما زال الاستعمار مقرّر وجودنا ومصيرنا. يقول المناطقة ان الاستنتاجات تقبع في المقدمات او تنطلق منها. الاستعمار هو القيمة اللاغية لكل القيم. ما لم ننطلق من هذه المقدمة لن نكون قادرين على التفهم او التفاهم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر