الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الافلام الروائية القصيرة..ثقافة الثرثرة البصرية وفقر الفكر

محمود عبد الرحيم

2010 / 2 / 20
الادب والفن



رغم حماسي الشديد للسينما الروائية القصيرة ولتجارب شباب السينمائين، خاصة المستقلين منهم ، الا اني شعرت بالاحباط الشديد بعد مشاهدة قرابة 20 فيلما مشاركا في المهرجان السابع للسينما الروائية القصيرة بساقية الصاوي ، كوني الحظ تراجعا ملحوظا في مستوى الافلام عاما تلو عام ،سواء على مستوى البناء الفكري أو الفني
،والدوران في مساحة محدودة من الافكار المكررة والمعالجات السطحية ، فضلا عن المباشرة الفجة ، وعدم استيعاب كثيرين لخصوصية صناعة فيلم روائي قصير يبدو اقرب الى قصيدة شعرية أو قصة قصيرة محكمة والانشغال بفكرة امتلاك فيلم يحمل اسمه اكثر من الانشغال بصناعة فيلم ملفت بلغة سينمائية وحساسية فنية ويحمل رؤية ما ، الامر الذي يكشف عن غياب الموهبة لدى كثيرين وفقر الفكر.
وربما مشكلة مثل هذه المهرجانات انها تهتم بالكم على حساب الكيف ، وتعتبر ان اشتراك عدد ضخم من الافلام بصرف النظر عن جودتها وقيمتها الفكرية والفنية
امر محمود ، فضلا عن مساحة المجاملات والشللية المعهودة.
ولو اراد منظمو هذا المهرجان خيرا بهذا الجنس السينمائي المهم ،لسعوا الى اختيار عدد اقل من الافلام الجيدة، ليتسني مشاهدتها بعمق واهتمام واتاحة الفرص لندوات تتناولها ،وتلقى الضوء على هذه التجارب في حضور صناعها وعدد من النقاد من اجيال مختلفة، ومشاركة الجمهور ذاته لخلق ذائقة فنية تستوعب هذا اللون وترسخ وجوده ككيان مستقل، وليس مرحلة انتقالية تجريبية للوصول الي الفيلم الروائي الطويل أو بالاحرى الي السينما التجارية.
لكن ان يتم عرض قرابة 20 فيلما متتاليا دون استراحة ، ودون مساحة للحوار والنقاش ، فأمر يدل على العشوائية في التنظيم وعدم الجدية في دعم السينما الروائية القصيرة او اقامة مهرجان رصين له قيمته وجداوه.
ويبدو الامر كما لو كان الهدف اقامة مهرجان والسلام ،بنفس منطق الشباب المتحمس فقط لصناعة اي شئ مصور يحمل اسمه ،ويطلق عليه عن غير حق اسم "فيلم" في اطار ثقافة الشكليات ، لا العمق والقيمة.
وربما من الملاحظات العامة التي خرجت بها من المشاهدة هو مساحة الثرثرة البصرية والحوارية في كثير من الافلام وغياب فكرة الاقتصاد أو التكثيف للمشاهد ،الى جانب وفرة اللقطات المجانية التى تسبب في ارباك التطور الدرامي و تُبطئ الايقاع و تضعف البناء الفنى ولا تضيف اليه باي حال من الاحوال، بالاضافة الى الاستسهال في المعالجات واللجوء الى المناطق الشائعة والتيمات المتداولة ، فغالبية الافلام التى شاهدتها مثلا بها مشاهد مكررة لشباب يشربون الكحول ويدخنون في بار او في شقة مغلقة بصحبة فتيات رخيصات ،اما لانهم يمرون بأزمة نفسية أو بحثا عن اللهو. الي جانب لقطة مكررة للحمام اما للاستحمام او التقيؤ ، ومعظم الابطال يفكرون في الانتحار دون سبب واضح.
لدرجة انك قد تشعر انك امام مخرج واحد، وليس اكثر من شخص واكثر من فيلم.
كما يغلب على كثير من الافلام الخطاب المباشر بصيغة الموعظة الاخلاقية ، كما هو الحال في فيلم"جواني" للمخرج بشرى شهدي الذي ارد تجسيد صوت الضمير الذي يمنع شابا من اغتصاب الخادمة من خلال شخص مجهول يقتحم عليه عالمه الالكتروني ويحدثه من خلال احد برامج المحادثة علي الانترنت ويواجهه بمعلومات وحقائق عنه وعن تصرفاته كما لو كان يراقبه ويعرف كل ما يقوم به او يفكر به ، ثم يكتشف في النهاية من خلال صديق يأتي لزيارته ان الانترنت متعطل في مصر كلها.
وعلى نفس المنوال جاء فيلم"ميلاد فكرة" للمخرج المهند اسامة الذي كان اكثر مباشرة و سذاجة بادارة حوار بين شاب كسول وفكرة متخيلة تدور في ذهنه وتريد ان تخرج وهو يتقاعس او يتكاسل عن اخراجها الى ان تموت بينما ينشغل بالاكل والشراب.
واختتم المخرج الذي عجز عن ايجاد معادل بصري لفكرته المجردة سوى بكتابة عبارة "ان الحضارة الغربية الحالية قائمة على الحضارة العربية القديمة" وكأنه يريد ان يقول ان الاجداد كانوا يهتمون بالافكار اكثر من الاحفاد ولذا هم تقدموا ونحن تخلفنا.
الى جانب معالجة البعض لفكرة لا تتلائم مع هذا الجنس السينمائي مثل فيلم"الحكم" لايمن الامير الذي بدا غير موفقا هذه المرة مقارنة بفيلمه السابق"منديل الحلو" ، اذ ان فكرته تتلائم اكثر مع قالب الفيلم الروائي الطويل لتكون اكثر استيعابا لخيطها الدرامي الممتد وخلفية ابطالها النفسية والاجتماعية ومساحتها الزمنية الكبيرة، حيث يتناول اكثر من حكاية لاكثر من شخصية تشمل الاب الذي تزوج بفتاة اصغر منه، ثم تركته وتزوجت بمدرس ابنها ، والام التى سافرت خوفا من انتقام الاب، والابن الذي يعاني من قسوة الاب وتسلطه ويسعى للتمرد ويدخل في علاقة مع امرأة مطلقة، ومنافسو الاب العطار من الذين يحرضون الابن ضد ابيه ويسعون لتوريطه في تجارة بضائع مهربة، واخو الزوجة والعمة.
وربما اكثر الافلام التي استوقفتني ببساطتها وشاعريتها ولغتها السينمائية المكثفة والموحية في الوقت نفسه ، فيلم"8 صباحا" للمخرج يحيى عبد الله، حيث يعجب شاب بفتاة مقعدة يراها تطل من البلكونة، فيقرر ان يذهب اليها في نفس التوقيت كل يوم ، ويلجأ الى كل الحيل للفت انتباها من تمثيل حركي علي طريقة البانتوميم أو عزف الموسيقى او القاء وردة بيضاء حتى ينجح في النهاية في الحصول على مراده وينال ابتسامة ساحرة.
وكذلك فيلم" مسدس ميه" للمخرج ادهم رفعت الذي يمكن قراءته على اكثر من مستوى حيث ينطلق من الفكرة الوجودية التى تتحدث عن ان حرية الاختيار تمثل عبئا نفسيا على الانسان، وتدفعه للقلق ، وذلك من خلال شاب يحتار بين استقلال ميكروباص يقله للمعهد أو الذهاب للتبول ، غير انه خلال رحلة الذهاب تستبد به الرغبة لتفريغ مثانته على نحو لا يُحتمل ، ما يجعل احلام يقظته تتمحور حول اعلانات الحمامات وتستدعي لديه ذكريات الطفولة ،حين كان يعاني من نفس الاحساس في الفصل المدرسي ويتعرض لقمع المدرس ، الى ان يُوقف السائق السيارة بعد عراك بين الركاب، فيقرر التبول في الشارع كالاطفال ،لكن حركة الناس خاصة الفتيات تجعله يتراجع حتي يرى علامة"تواليت" وشخص يخرج منه فيقرر التوجه اليه، فيصطدم بعائق من رجال الامن الذين يرفضون دخوله الى مقر سفارة واثناء عراكه مع الجنود والديبلوماسي الافريقي تنفجر مثانته في وجوههم كما لو كان مسدسا مائيا.
وعلى بساطة فكرة هذا الفيلم الا انه يمكن قراءته في سياق سياسي رمزي يحمل سمت التحذير ، حيث يمكن ان تنسحب على الشعب المصري الذي يؤجل اشباع احتياجات اساسية ، غير ان كثرة القمع قد تولد في النهاية الانفجار الكبير في الزمان والمكان غير المتوقعين.
وان كانت راقت لي فكرة فيلم" روبابيكيا" للمخرجة ايناس عمر الذي يقارن بين عصور مصر الثلاث بصورة رمزية من خلال اغاني كل مرحلة ومشاهد تليفزيونية لخطب الرؤساء ، حيث الناصرية حقبة البناء ومعارك الاستقلال الوطني وبيع سيدة البيت زوجة الضابط لبائع الروبابيكيا الطاربوش رمز عهد ما قبل الثورة ، وحقبة السادات حيث التطبيع مع اسرائيل والتخلى عن معارك النضال ببيع السيدة خوذة المقاتل ، ثم المرحلة الراهنة حيث البيع العام لكل شئ دون حاجة لبائع روبابيكيا ، غير ان ما يُأخذ على هذا الفيلم هو المباشرة الشديدة لرسالته السياسية.
ويبدو فيلم" قرار ازالة" للمخرج محسن عبد الغني من الافلام الجيدة بايقاعه السريع وتركيزه على معاناة الفتيات اثناء مرحلة المراهقة ،حيث مغامرة اكتشاف الجسد و حالة الخوف والارتباك المصاحبة والخجل من ان يعرف الاخرون ماذا نقوم به من طقوس النساء كازالة الشعر الداخلي ، في غيبة الحوار بين الام والابنة ونقص الثقافة الجنسية ، واعتبار الجسد طلمسا والتعاطي معه من المحرمات والشأن السري.
ورغم الايقاع البطئ نسبيا لفيلم" البوم صور" للمخرجة نورهان متولي الا ان قيمته الاساسية تتجلي في تسليطه الضوء على مشكلة ذوى الاحتياجات الخاصة، خاصة مرضى التوحد وسوء معاملة الناس لهم بدلا من دعمهم ، من خلال شاب يهوى التصوير ،غير انه يتعرض لمضايقات الكبار والصغار كلما خرج لاشباع هوايته
ويصل الامر لذروته بقتل اخته التى كانت ترعاه على يد مجموعة من الشباب المستهتر اثناء محاولة اغتصابها ، ما يترتب عليه ان يبقى الشاب المعاق ذهنيا وحيدا يعيش ذكرياته مع اخته التى يحتفظ بها في ذاكرته او ما يحفظه البوم صوره التي كان قد التقطها.
*كاتب صحفي مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف