الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعسف القوانين .. المادة (200) عقوبة الاعدام انموذجا

ثامر الحاج امين

2010 / 2 / 21
حقوق الانسان


ارتبطت القوانين ومنذ نشأتها بمفهوم العدالة ، فهي الاداة والوسيلة الحضارية لتحقيقها وحماية المجتمع من اخطار الجريمة والمجرمين . وندرك من تجارب كثيرة ان القوانين اذا ماطبقت بشكل سليم وبدون اساءة او تعسف ، فانها –دون شك – سوف تثري مفهوم العدالة وتعزز من وجودها وأهميتها وتعزز الثقة ايضا في اهمية ودور القوانين في احقاق الحق وبناء المجتمعات بناءً حضارياً والعكس هو الصحيح . لذا دأبت المجتمعات البشرية على مراجعة قوانينها والسعي المتواصل لتكييفها وفق متغيرات واقعها الحياتي ومستجدات الظروف المحيطة بها ، وادركت ايضا انه ليس بامكان القوانين تحقيق اهدافها بدون جزاءات رادعة بحق المخالفين والمتمردين والخارجين على نصوصها ، ولهذا لانجد منظومة قانونية ( سماوية – وضعية) تخلو من العقاب الذي عادة مايكون هدفه الردع ضد أي فعل يتعارض مع مصلحة المجتمع اضافة الى مايتضمنه من اهداف انسانية تتلخص في اعادة بناء شخصية المجرم وتعديل سلوكه واخراجه الى المجتمع كمواطن يحترم النظام والقانون.
واذا مااردنا للعقوبة ان تحقق اهدافها تلك وتحد من اخطار الجريمة باعتبارها عملا مستهجنا ومرفوض اجتماعيا ، فلا بد ان تكون هناك حالة من التوازن بين جسامة الجرم وشدة العقاب لكي تأتي العقوبة مبررة ومقنعة لاشائبة فيها .
وقراءة متأنية في قانون العقوبات العراقي الرقم 111 لسنة 1969 نجد ان بعض مواده القانونية لاتحقق حالة التوازن هذه ، بل ان البون واضح بين الجريمة – مع التحفظ على التوصيف – وبين العقوبة التي نرى في بعضها دافع الانتقام والثأر واضحين ، بل وتنعدم فيها الاسس الفلسفية للعقوبة كما في المادة (200) من القانون المذكور ، هذه المادة التي كانت لها ابعاد بالغة الخطورة على نفسية الفرد العراقي حيث شكلت ضغوطا نفسية ظلت تهدد كيان الفرد بالانهيار نتيجة التهديد المستمر لحياته لما في طبيعة العقوبة من قسوة مفرطة جسدت الرغبة الكامنة لدى الجماعة السياسية لقتل كل من يخرج عن طاعتها او يفكر بالتغريد خارج سربها ، اضافة الى مخالفتها الواضحة لحقوق الانسان وللدستور المؤقت لعام 1971 الذي كفل للمواطن اختياره الفكري واستعماله لحق مقرر بموجب الدستور حيث جاء في مادته الحادية والثلاثون ( حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ... )
نص المادة (200) /1 يعاقب بالاعدام :
( آ ) كل من ينتمي الى حزب البعث العربي الاشتراكي ، اذا اخفى عن عمد ، انتماءاته وارتباطاته الحزبية والسياسية السابقة .
( ب ) كل من انتمى الى حزب البعث العربي الاشتراكي ، اذا ثبت انه يرتبط اثناء التزامه الحزبي بأية جهة حزبية او سياسية اخرى او يعمل لحسابها او لمصلحتها.
(ج) كل من انتمى او ينتمي الى حزب البعث العربي الاشتراكي ويثبت بعد انتهاء علاقته بالحزب الى أي جهة حزبية او سياسية اخرى او يعمل لحسابها او لمصلحتها .
( د) كل من كسب الى اية جهة حزبية او سياسية شخصا ، له علاقة تنظيمية بحزب البعث العربي الاشتراكي ، او كسبه الى تلك الجهة بعد انتهاء علاقته بالحزب باي شكل من الاشكال وهو يعلم بتلك العلاقة .
قبل الخوض في تفاصيل المادة اعلاه لابد ان نذكر ان هذه المادة تعكس حاجة الطبقة الحاكمة لحماية مصالحها وامتيازاتها من خلال المسك بقوة على مقاليد السلطة ووضع معايير صارمة يقود الخروج عنها الى مصير مفجع دون وجه حق ، ذلك ان ( العقاب الجزائي والقانوني هو حق يقتصر على الدولة ايقاعه بالمخالف باعتباره حق من حقوق سيادتها على الافراد ) وليس بالضرورة ان يمثل مكون سياسي معين ارادة الدولة والمجتمع كما ان العقاب القانوني يوقعّ بإسم المجتمع كردع اجتماعي ضد الجريمة . ولكن السؤال الذي يثار، هنا هو اين هي اركان الجريمة في اقدام شخص على تبديل قناعاته نتيجة تطور وعيه وثقافته واكتشافه ان هناك قصورا في رؤية مفاهيمه الاولى ؟.
نلمس في الفقرة (آ) و (ب ) من المادة المذكورة مقدار الحط من كرامة الانسان الداخل في صفوف هذا الكيان وذلك بكشفه لاسرار وشخصيات ارتباطه السابق وخيانته لعهود ومواثيق اخذها على نفسه في المحافظة عليها ، دون أي اعتبار لقدسية هذه المواثيق عند البعض ، فهذا الاكراه هو واحد من اساليب تدمير الذات الانسانية وجعل الانسان يعيش ذليلا منكسرا نتيجة شعوره بالخيانة والخسة بسبب وشايته وتنكره لمواثيقه التي قطعها على نفسه، اضافة لما في هذه الفقرة من اجحاف بحق حرية الفرد في اختيار فكره وقناعاته . ونلمس في الفقرة ( ج) السعي لابقاء الانسان اسير قناعاته الاولى التي قد يكون ايمانه بها جاء في ظرف لم يكن فيه على درجة من النضج والمعرفة الكاملين وبالتالي لايمكن تغييرها بسبب ماينتظره من مصير قاسي وكأن هذا المكون السياسي وحده يمتلك الحقيقة المطلقة ومن يشكك في ذلك او يحاول الخوض في تجربة اخرى فان مصيره النهاية ، لاشك ان ذلك نوع من الرق الجديد يعتبر المنتمي عبدا مسلوب الحرية والارادة والاخرون هم الاسياد الذين يرسمون طريقة وماعليه هو الا الطاعة .والانصياع مكرها لأوامر اسياده .
ان ما يحيط هذه المادة من شكوك في شرعيتها وعدالتها هي ان جزاء مخالفتها هو الموت (عقوبة الاعدام)التي تمثل رد فعل قاسي غير مبرر ولاينسجم مع جسامة الفعل ( الجرمي ) ، ذلك ان هذه العقوبة التي تعد من اقدم العقوبات التي عرفتها المجتمعات البشرية فيها من التأثير النفسي والعقلي الكثير ، فهي تزرع الخوف من الموت في قلوب الاخرين ، كما انها ووفق مذهب المنفعة لاتحقق اكبر قدر ممكن من المنفعة لاكبر عدد ممكن من الناس ، اذ ان المنفعة المتحققة من ايقاع هذه العقوبة لايستفيد منها الآ نفر محدود يمثل السلطة الحاكمة وليس عموم الشعب ، كما ان الانسان في جميع الادبيات يمثل قيمة عليا جديرة بالاحترام والحرص عليها وليس من حق مكون سياسي ازهاق روحه لمجرد انه خالف ارادته او خرج عن طاعته ذلك انه لم يمنحه هذه الحياة وبالتالي ليس له حق سلبها . لذا نجد في هذه المادة تعسف كبير مارسته السلطة الحاكمة ضد المواطن ، اضافة الى انها تعد اداة هدم وليس اداة بناء واعادة تأهيل الشخصية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني


.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»




.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia


.. إسرائيليون يتظاهرون قرب منزل بيني غانتس لعقد صفقة تبادل أسرى




.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك