الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثبّتوا أقدامكم ، انكم على سراط مستقيم

محيي المسعودي

2010 / 2 / 21
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق



قد يبدو المشهد السياسي العراقي الراهن مهلهلا ومربَكا ومثخنا بالخطايا والأخطاء , مقارنة بواقع دول ديمقراطية عريقة ، ولكنه مع كل ما فيه ، لا يمكن مقارنته بأي واقع سياسي عربي أو حتى اقليمي . إذ لا توجد دولة عربية واحدة تنهج مثل النهج الديمقراطي العراقي ، ذلك, لأن الدول العربية أما دول ذات نظم سياسية دكتاتورية كما هي الحال في ليبيا ومصر وتونس واليمن والجزائر وغيرها أو أنظمة ملكية لا تختلف كثيرا عن الدكتاتورية "الجمهورية" كما هي الحال في السعودية والمغرب وعُمان, ومع أن ديمقراطية العراق حديثة الولادة إلّا أنها حققت ما لم تحققه ديمقراطيات تجاوز عمرها العقود من السنين . فبعد أن كان الحاكم المطلق للعراق هو الرئيس , فإذا قال هذا الرئيس! ، قال العراق, وإذا غضب هذا الرئيس، غضب العراق وإذا فرح ، فرح العراق, واذا مرِض, مرِض العراق, واذا مات, مات العراق .... مع كل ما كان عليه العراق قبل سنوات, فانه, أصبح "اليوم" متعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية بفضل الحريات العامة, والحريات السياسية خاصة, وأصبح الحاكم الأعلى للعراق نزولا الى الحاكم الأدنى, لا يصل أي منهم إلى منصبه أبدا دون أن يحصل على موافقة أغلبية الشعب العراقي أو اغلبية المواطنين المحليين . ونرى هذه الأيام كيف يسعى السياسي العراقي, وبكل السُبل لكسب أصوات العراقيين ، وهو يتعهد بالعمل من أجلهم ويتعهد بمحاربة الفساد والمحسوبية والعمل بكل طاقاته من أجل البناء والازدهار وتحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بالبلاد الى مصافي الدول المتقدمة اضافة الى عمله في سبيل استمرار العراق على النهج الديمقراطي, ونبذ الدكتاتورية والملكية المطلقة . سعي وموقف هذا السياسي يتجسد بوقوفه على باب المواطن طالبا صوته برجاء ولطف وتعهد برعاية مصالح هذا المواطن وتحسين مستقبله . هذا الموقف يذكّرنا بالنظام الدكتاتوري السابق الذي يتحكم ويحكم الشعب دون ارادة هذا الشعب بل يبلغ الاستهزاء بالشعب الى اعلان الحاكم انه فاز باصوات الشعب بحصوله على 100% من أصوات العراقيين من خلال ورقة أعدها وأخرجها وصادق عليها النظام نفسه وتذكرنا وقفة السياسي العراقي, هذه, بأولائك الحكّام المحليين والوزراء وسواهم الذين لا يتم تعينهم إلا من خلال الحاكم المطلق للعراق – صدام حسين – ولا رأي لأي من ابناء الشعب . وإذا كانت بعض الدول العربية تمارس العملية الديمقراطية من خلال الانتخابات وتكون انتخاباتها مشهودا لها بالنزاهة, و ويختار خلالها الشعب نوابه بمحض إرادته . فان هذا الخيار عادة ما يكون "هواء في شبك" . إذ نجد النواب لا يستطيعون فعل شيء لا يريده الحاكم . وقد شاهدنا في دول عربية "تمارس الديمقراطية" أن النواب أسرى لدى رئيس الحكومة الذي من حقه حلذ مجلس النواب متى رأى ان هذا المجلس يخالف او يعيق عمله . كما هي الحال في الكويت او أن يقوم الملك بحل مجلس النواب في دول أخرى . إذن هذا النوع من الديمقراطية لا يعدو أن يكون شكلا فارغا من المضمون . أما في العراق فأن الديمقراطية تختلف كثيرا وهي في الغالب عكس تلك الديمقراطية العربية إذ يستطيع مجلس النواب ان يُقيل او يعزل رئيس الجمهورية ورئيس الوزارء , وهو من نّصبهم , وصادق على تسنم الوزراء لمناصبهم .
الديمقراطية في العراق ديمقراطية حقيقية, ومن أفضل الديمقراطيات في العالم ولكن وللأسف "بسبب حداثة التجربة" لا يوجد سياسيون ديمقراطيون في العراق يمارسون هذه الديمقراطية . ولا أبالغ إذا قلت أن معظم الشعب العراقي ليس ديقراطيا في ممارسته للعمل السياسي, ولم يكتمل تأهيله بعد لممارسة هذه الديمقراطية ولا زال أسير ثقافة النظام السابق وأسير العقائد الدينية وأسير التقاليد الاجتماعية والعشائرية والمناطقية وسواها. لذلك وجدنا السياسي العراقي الانتهازي يذهب إلى استغلال المعتقدات والتقاليد والثقافة الشعبية البالية والمتخلفة من اجل كسب الأصوات. في مكان ما, نجد سياسي عراقي كبير يجمع الشيوخ ويغرقهم بالهدايا والوعود ويعمّق النزعة العشائرية لديهم من أجل تعزيز فرصة انتخابه, واذكر "قبل ايام" أحد السياسيين العراقيين في احدى محافظات العراق أقام وليمة كبرى – فقد فيها أكثر من مائتي خروف حياته – طعاما للحاضرين من أجل انتخاب هذا السياسي . وكل هذه المبالغ مأخوذة من المال العام او مسروقة منه. واذكر أحدهم وهو شيخ عشيرة جمع الشيوخ الصغار التابعين له واجبرهم "اما حياء او بالقوة" على ان يقسموا بكتاب الله لان ينتخبوا واحدا من اسرته كان قد رشحه مع قائمة تضم بعثيين, سبق لهم ان شاركوا بقمع الشعب العراقي وتقتيله. وهذا الشيخ فقد وطنيته بالعمل تحت امرة الامريكان ولصالحهم, وفقد دينه ووطنيته وانسانيته عندما كان يعمل مع صدام ومع اخريين مثل صدام , ولا يعتقد عاقل ان من عمل مع صدام ومع الامريكان لمصالح مادية ومعنوية شخصية, يمتلك اخلاقا حميدة . اذن هذا الرجل, بلا اخلاق, وبلا دين, وبلا وطنية فكيف سيمثلنا في البرلمان هو او احد اعضاء اسرته . مرشح أخر في احدى المدن العراقية يوزع الهدايا " بطانيات صوبات ملابس اغذية" على الناس مقابل القسم على انتخابه .. من هذه المشاهد البسيطة ندرك أن العيب ليس في الديمقراطية بل في " الذين يمارسون الديمقراطة " وبالشعب الذي لم يتذوق طعم الديمقراطية الحقيقي بعد , في البناء والازدهار والتطور والتحضر والرفاه واختصر تذوقه للديمقراطية على حرية الرأي والاختيار في الانتخابات .
نحن في العراق يحسدنا الاحرار الواعون من اشقائنا العرب وجيراننا على ديمقراطيتنا الفتية . ويحزن علينا البسطاء منهم لانهم لا يرون من دمقراطيتنا غير الساسيين المتجلببين بالديمقراطة, الذين يعملون بها شكلا ويفسدون مضمونا فيسرقون ويقتلون وينهبون ويزورون تحت اسمها , ويثيرون الفوضى التي تعم البلد ويدعمون الارهاب الذي يعصف بنا , هولاء الاشقاء البسطاء يغيب عنهم المستقبل الزاهر الذي ينتظرنا لو استطعنا الحفاظ على الديمقراطية واستطعنا انتاج ساسيين ديمقراطين, وتكوين وعي ديمقراطي حقيقي بين الشعب العراقي . واذا كان الاحرار والواعون من الاشقاء العرب والعامة على هذه الحال . فان غيرهم يشكل خطرا علينا وعلى مستقبلنا . فالحكومات العربية الدكتاتورية لا تريد لنا الديمقراطية وهي تحارب من اجل ذلك , لان هذ الديمقراطية سوف توقظ الوعي العربي بين شعوبها وتدفع بهذه الشعوب الى المطالبة بنظام ديمقراطي كنظامنا مما يهدد وجودهم الدكتاتوري . وعليه نرى هذه الانظمة تعمل بكل طاقاتها من اجل اجهاض العملية الديمقراطية . ويساندهم في هذا العمل . السياسيون العراقييون الذين من صنفهم او الذين من بقايا النظام السابق , ولكن يظل العدو الاول للديمقراطية هو الفكر الارهابي الذي يريد ان يحول رجالنا الى عبيد لاصحاب الدشاديش القصيرة والذقون الطويلة العفنة ويحول نساءنا الى جوار لهم, ويساند هؤلاء رجال مثلهم يريدون استعبادنا باسم الدين او الطائفة او القومية . نحن اليوم في مفترق طرق , فاما الاستمرار في الديمقراطية نحو حياة كريمة وحرة وعادلة مهما كانت خسائر الطريق !. او النكوص نحو احدى مهاوي الضيم والردي والعبودية .
قد لا تفرز العملية الديمقراطية القادمة سياسيين ديمقراطيين بسبب عدم وجودهم اصلا لحد الان , وقد يصاب الشعب بالاحباط واليأس خلال السنوات القادمة . بسبب عدم حصوله على ثمار الديمقراطية اليانعة , وقد لا ينضج الوعي الديمقراطي الشعبي . قد يحصل كل هذا واكثر منه , ولكن علينا الاصرار على الاستمرار بالسير على سراط الديمقراطية لانه السراط المستقيم الذي جربته قبلنا شعوب متحضرة وافلحت فيه . وولانه لا خيار لنا غير الاستمرار في هذا الطريق الا القبول بالعبودية المطلقة لحاكم ظالم جديد او العودة الى عبودية نظام صدام وظلمه . علينا ان قبل خسائرالطريق من اجل الوصول الى مبتغانا وعلينا ان نقطع هذا الطريق باقصر وقت واقل كلفة . لان الحياة التي توفرها الديمقراطية الحقيقية هي اجمل واثمن من كل شيء, ولان عمود هذه الحياة هو حرية الانسان وكرامته اللتان لا توفرهما غير الديمقراطية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا في ألمانيا بين -النجاح- و-الفشل- وبلغة الأرقا


.. إيران: ما الذي ستغيره الانتخابات الرئاسية؟ • فرانس 24 / FRAN




.. إلى إين يتجه لبنان؟ | #التاسعة


.. عين #نتنياهو على النووي الإيراني.. #إسرائيل تعيد تشكيل فرَق




.. الطريق إلى البيت الأبيض.. ترامب وبايدن وجها لوجه في أولى الم