الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطالعة قانونية في محاكمة سياسية أقوال غير مؤثمة

الحزب الشيوعي السوري

2002 / 7 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


مطالعة قانونية في محاكمة سياسية  أقوال غير مؤثمة

 

أخيراً، وبعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة العليا قرارها بإدانة الأستاذ رياض الترك بجناية الاعتداء على الدستور وبمسائل أخرى أيضاً، عدت مجدداً إلى مطالعة لائحة الاتهام الموجهة إليه، فانتابني شعور كبير بالإحباط، وتملكني إحساس شديد بالمرارة. والأمر يعود إلى هذه المحاكمات السياسية لعدد من رموز ونشطاء المعارضة الوطنية الديموقراطية. هذه المحاكمات تعني بمنتهى البساطة العودة إلى تفعيل قوانين الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية بعد سحبها من الأدراج التي قيل لنا في وقت سابق إنها مركونة فيها! وهي تنبئ أيضاً بأن البلد لايسير عى طريق الخلاص من الحالة القمعية التي كتمت أنفاس شعبه طوال العقود الأربعة الماضية.

إن ما نسب إلى رياض, هو حقيقة, يشير إلى الحرج الذي وجدت السلطة نفسها فيه، ليس بسبب ما أدلى به من أقوال وتصريحات, إنما بسبب ما طرحه في مشروعه للمصالحة الوطنية والوفاق الوطني لإصلاح مسار الدولة, والتحول التدريجي الهادىء والسلمي نحو الديمقراطية, ولضيق صدر السلطة من الممارسة النسبية التي وفرتها المساحة المتواضعة المتاحة بعد خطاب القسم لحرية التعبير عن الرأي بعد أربعة عقود من القمع. وقد انفجر هذا الضيق اتهاماً ظالماً للرجل الذي عاد إلى ممارسة نشاطه السياسي بعد اعتقال دام ثمانية عشر عاماً كان خلالها معزولاً عن العالم, وفي أجواء أبسط ما يقال عنها مخالفتها لأبسط حقوق الإنسان ومناقضتها لما نص عليه الدستور السوري الذي يزعم الاتهام إن رياض اعتدى عليه.

"الحرية حق مقدس. وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم"

      بهذه الفقرة, افتتح الدستور السوري فصله الرابع. وهو بذلك قدس الحرية وكفل للمواطنين حريتهم وكرامتهم. كما أكد الدستور أن :

"المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات" ف3 م 25

و "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية"م26

و "يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون" م 27

و "كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم" ف1 م28

و "لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة. ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك" ف3 م28

و "حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون" ف4 م28

       إن الدستور إذن , وعلى ضوء هذه النصوص, هو القانون الأساسي وصاحب الصدارة بين سائر القوانين, وعلى ما دونه النزول عند أحكامه. فإذا ما تعارضت معه وجب التزام أحكام الدستور ويستوي في ذلك أن تكون هذه القوانين سابقة أو لاحقة لنفاذه.

إن المحكمة التي تحاكم رياض اليوم, وعلى ضوء أحكام الدستور, هي محكمة غير دستورية. وقد نصت المادة 131 منه على أن :

"السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الدولة هذا الاستقلال".

        كما نص أيضاً على أن :

"القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون" ف1 م133

 و"شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم" ف2 م 133

 و "ينظم القانون ( قانون السلطة القضائية ) الجهاز القضائي لجميع فئاته وأنواعه ودرجاته ويبين قواعد الاختصاص لدى مختلف المحاكم" م135

 و "يبين القانون شروط تعيين القضاة وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم" م 136

 و"النيابة العامة مؤسسة قضائية واحدة يرأسها وزير العدل. وينظم القانون وظيفتها  واختصاصها" م137 .

        وعليه, فان المحكمة التي تحاكم رياض وأصحاب الرأي الآخرين اليوم, ليست غير دستورية فحسب, بل هي ملغاة حكماً بنص الدستور, وان ما ينطبق عليها ينطبق على سائر القوانين الاستثنائية الأخرى باعتبار أن الدستور قد جب سائر القوانين التي تتعارض مع أحكامه.

        وقد ذهبت الآراء الفقهية والقواعد القانونية إلى أنه:

    "إذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى, لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به. ويعتبر المخالف له في هذه الحالة قد نُسخَ ضمناً بقوة الدستور نفسه"

       إن من اعتدى على الدستور وعارض تطبيقه, سابقاً ولاحقاً لصدوره, واليوم كذلك, إنما هم الذين يرمون التهم جزافاً في وجه هؤلاء المعتقلين من أصحاب الرأي, ويخضعونهم لمحاكمة سياسية جائرة.

       اعتقل رياض لأكثر من ثمانية عشر عاماً دون إجراء أي تحقيق أصولي معه. أو توجيه تهمة إليه, أو إجراء محاكمة بحقه. وان هؤلاء الذين يوجهون التهم إليه لا يستطيعون نكران تعذيبهم له جسدياً ومعنوياً طوال فترة اعتقاله المديد.

        حقيقة إن المحاكمة الجارية هي محاكمة سياسية بكل المقاييس والمعايير. باعتبار أن ما جرى تطبيقه على المعتقلين قبل المحاكمة هي ذات الوسائل التي يجري تطبيقها على أي معتقل سياسي. إن عزلهم عن العالم الخارجي ومنع مقابلتهم وعدم إجراء تحقيق أصولي معهم مخالف لأبسط المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولأحكام الدستور.

       إن لائحة الاتهام الموجهة إلى رياض هي بالأساس قائمة على تقارير مخابراتية مستندة, كما تبين, على مقاطع من أقوال وتصريحات مجتزأة وانتقائية ومحرفة, وعلى مجموعة منتقاة من جمل مركبة لمحاضرة ألقاها في منتدى الحوار الديمقراطي, وبشكل لا تؤدي إلى المعنى الحقيقي الذي كان يقصده رياض. ولذا فهي لا تتسم بأية صفة من صفات التحقيق الأصولية, وبالتالي, لا يجوز للمحكمة الأخذ بها لعدم جواز تبني أي دليل لم يطرح أمامها, وفي جلسة علنية تثبيتاً لحياديتها. وبالتالي, فانه لا يجوز للمحكمة أيضاً أن تقيم قضاءها بالنتيجة إلا على ما يطرح أمامها من أدلة, وبعد إطلاع المتهم عليها, ومناقشتها, وحفظ حقه في استجواب الأشخاص الذين استحوذوا على هذه التقارير,نظراً لعدم جواز اعتبارها مفصولة عن هؤلاء وبمعزل عن ظروف وملابسات هذا الاستحواذ. وباعتبار أن الدليل بالواقع يبقى هو المصدر ذاته.

       أما التقارير فهي ليست سوى تجسيد لنشاط الأشخاص وثمرة من ثمرات نشاطهم المخابراتي بما لا يجوز فصل الوثيقة عنهم.

إن ما عبر عنه رياض في أقواله وتصريحاته لم ينكره, وهو لن ينكره. كما أن ما باح به عن معاناته لأكثر من ثمانية عشر عاماً من الاعتقال لقناة الجزيرة, إنما كان تعبيراً عما هو محبوس في صدره وتصويباً لما كان يطرح من نقاش آنذاك في القناة المذكورة. وقد صعب على الاتهام فهم قصد رياض مما صرح به, لأن تصريحه كان قائماً على أساساً نقدي, دليل ذلك مبادرته إلى القول :

"هل علينا أن نفتح هذا الماضي بهذا الشكل؟"

وهو تساؤل اعتراضي يحمل معنى عدم الموافقة على ما جرى طرحه في الحلقة المعنية, عكس المفهوم الذي خلص إليه الاتهام !

        إن الحضور اللافت لمحاضرة رياض في منتدى الحوار الديمقراطي الذي سعى للاستفادة من فسحة حرية التعبير المتواضعة عن الرأي الآخر, قد ضيق على صدر النظام. وقد تجلى هذا الضيق بالانقضاض على المنتدى سياسياً وإعلامياً وقمعياً, تمثل باعتقال رياض بهدف خلق فزاعة لجميع دعاة التغيير السياسي الديمقراطي.

       إن ما نسب إلى رياض لجهة الادعاء على الدستور, هو في الأساس غير ذي موضوع, وهو قائم على معطيات غير مؤيدة بدليل. وان ما صرح به لا يمكن, وعلى ضوء أحكام المادة 291 عقوبات عام, أن يرتقي إلى الفعل غير المشروع, بل على العكس تماماً. فان ما تناوله في المنتدى المذكور لم يخرج عن برنامج التجمع الوطني الديمقراطي بصدد الدستور والحاجة إلى نظام وطني ديمقراطي, وضمن سياق الحديث عن التغيير القائم على التعاقد, وكذلك ضمن سياق عرضه لمشروع المصالحة الوطنية الذي لا يمكن فهمه بأنه دعوة إلى تغيير الدستور بالعنف والإكراه, وإنما بالحوار والتوافق, وضمن إطار مصالحة وطنية وحوار حددت عناصره, وخلال مرحلة انتقالية حددت مواصفاتها. وفي كل الأحوال فان ما قاله رياض بهذا الصدد لا يخرج عن إطار إبداء الرأي في الدستور ونقد بعض مواده والاستعاضة عنها في سياق حوار ديمقراطي وتوافق سياسي واجتماعي وسلمي, وبما ينسجم مع أحكام الدستور ذاته, بحيث تبقى أقوال رياض بهذا الشأن من أفعال الإباحة غير المؤثمة. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لتغيير الدستور, فان الأدلة تبقى مفتقدة أيضاً لجهة باقي أجزاء الاتهام.

 

الرأي11 - الحزب الشيوعي السوري

 

 

 

 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال