الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورصة الشرف والانتخابات..!!

كريم كطافة

2010 / 2 / 22
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق



في التاسع من نيسان، وبعد رفع سدادة بالوعة الوطن، حصل هياج ماراثوني لروائح عطن وعفونة السنين التي مرت على العراقيين كبتاً وقهراً وجوعاً وقتلاً على الجبهتين، جبهة الحروب التي تناسلت من بعضها وجبهة الداخل للمقاومين لنظام الحروب وويلاته. وبعد تراجع عواصف الحرب باحتلال البلد وسقوط نظام الحروب، حلقت في سماء الوطن أسماء نجوم كثيرة، استعارت بهائها ولمعانها من سوق الأخلاق، لعل الأخلاق كانت هي المفقود الأكبر لما قبل التاسع من نيسان..!!
وكان الشرف البضاعة الأرأس في التداول. غدا نجمه الأكثر لمعاناً وسطوعاً للرجال الذين تحاصصوا قيادة البلد توافقياً. لم يكتفوا بتعداد مناقب وحوادث وصفات، بل قدموا براءات اختراع لنظرية جديدة، تقول بإمكانية خروج الزهرة من الغائط..!! ربما الحق معهم، لأن النظرية صحيحة علمياً.
هكذا كانت الخطوة الأولى؛ بدلاً من تحرير سعر صرف العملة الوطنية، حيث لا عملة وطنية أصلاً في حينها، جرى تحرير سعر صرف الشرف. ومنذ ذلك الحين لم تعد لمفهوم الشرف حقوق ملكية فكرية أو أخلاقية أو حزبية. أصبح مفهوماً نزقاً، مشاغباً، متمرداً على كل أطر التعريف، لا يريد أن يكون إلا طويلاً وعريضاً ومطاطاً وفضفاضاً وملعوب بخلقته لعب. كثر الشرفاء، على قاعدة تقول: ليس من المعقول أن يسيطر فرد على كل الشرف ويترك باقي الأمة بلا شرف. وهو منطق أقرب إلى منطق نظرية التوافق والتحاصص المعاصرة.
بين ليلة وعشاءها، غدا الجميع شرفاء وماكو أحد أحسن من أحد..!! القاتل الذي أطلق رصاصة واحدة فقط في ساحة الإعدام على جثة العراقي المسجاة، كان شريفاً، لأنه اكتفى بالرصاصة بينما زملاءه لم يكتف الواحد منهم بمخزن من الإطلاقات.. والمسؤول الحزبي البعثي الذي مرر من بين يديه آلاف التقارير التي أرسلت ألوف العراقيين إلى المقابر الجماعية، كان شريفاً، لأنه كان يشعر مع كل تقرير بنغزة في القلب وفي رواية أخرى بوخزة في الضمير.. والشرطي-اللص (وهذه وظيفة انتشرت في تلك السنين العجاف) الذي كان يسرق في الليل ويستقبل الضحية في النهار، كان شريفاً، لأنه كان لا يتوان عن تسجيل الدعوة ضد مجهول، على الأقل جبراً لخاطر الضحية، وكان ذلك أرحم من عدم تسجيل أي دعوة..!! والموظف المرتشي وفق منهج نظرية التمويل الذاتي التي أطلقها فلتة الأمتين العربية والإسلامية (صدام حسين) كان شريفاً، لأنه كان يتبع منهج سلفي خاص بالرشوة يقول: من كلٌّ حسب جيبه. لذلك كان يكتفي بورقة أو اثنتين أو عشرة على هوى الجيب، على خلاف موظفين غير شرفاء كانوا لا يكتفون إلا بتعرية الضحية وذويه ربي كما خلقتني..!! وأعضاء قيادات فروع وشعب وفرق البعث كلهم كانوا شرفاء، لأن قائدهم الأعلى كان دكتاتوراً يحصي عليهم أنفاسهم.. ومن مآثر شرفهم أنهم كانوا جميعاً ضد الدكتاتور، بقلوبهم، منسجمين تماماً مع منطق تلك الآية القرآنية حول المعارضة بالقلب..!! هكذا صرنا نسمع عن صيحة بعثي شريف وبعثي غير شريف أو صدامي وغير صدامي.
الآن، وعلى مدى السنين السبع العجاف التي اختلط فيها الحابل بالنابل، أقصد حابل المتحاصصين الذين كانوا يعارضون النظام في السابق رافعين شرف المعارضة على رؤوس الأشهاد ونابل الشرفاء الجدد الذين عارضوا المعارضين القدامى، ظهر أن حصانة الأولين (المتحاصصين) ليست بالمتانة التي أدعوها لمقاومة فيروس النهب والسلب والقتل، إذ ومنذ صرخات الطلق الأولى لمولود الوطن الجديد (الديمقراطية) سال لعاب كثرتهم على المال السايب وكما قيل في الأمثال المال السايب يعلم على السرقة، صاروا يسرقون باسم الطائفة والمرجع والدين والقومية والمظلومية. وها هم اليوم وبعد أن فكوا تحاصصاتهم التوافقية الطائفية منشطرين على بعضهم (مؤقتاً) يلعنون الفساد والطائفية والتحاصص، واقفين على أبواب المواطنين يستجدون الصوت في الانتخابات القادمة.. لكن والحق يقال جيوبهم دسمة وجاهزون للدفع ولكل منهم تقنيته الخاصة بالبيع والشراء. أما المواطن المنسي طيلة السنين الماضية، هو الآن أشهر من نار على علم، الجميع يحييه والجميع يستجديه الصوت. والمواطن في حيرة من أمره هل يختار أو لا يختار.. والقلة من الحائرين قلبوا السؤال على وجهه الآخر؛ هل يعيد انتخاب طائفته ومذهبه وقوميته كما فعلها في السابق أم ينتخب بلده الذي لا وجود لطائفة ومذهب وقومية دونه..؟
شخصياً أنا واحد من هذه الكثرة المبتلية بالسؤال.. من جهة فرحان والدنيا ما واسعتني أخيراً تجري في بلدي انتخابات وحرية اختيار ومن جهة أخرى أن الذين اخترتهم وأنا متأكد من شرفهم الذي كان وما زال أنهم ليسوا من الكتل السمينة وهنا ثمة مخاطرة معقولة أن يتحول صوتي إلى (....) بسوق الصفافير؛ أي أن تحصده الكتل السمينة حسب منهج نظام الانتخابات الشاذ الذي يمنح أصوات من لم يصلوا إلى الرقم المطلوب إلى أكبر الكتل وبالتدريج الممل.
أمامي أسماء مهمة ومجربة في إخلاصها لبلدها، رجال ونساء منسجمون مع أنفسهم ومبادئهم أفنوا زهرة شبابهم في مقاومة طغيان النظام السابق ودفعوا هم وعوائلهم الثمن الذي لا يُعوض.. وهل هناك من يعيد الحياة للشهداء من بين عوائلهم.. أو من يعيد إليهم سنوات السجون المظلمة التي أفنوا فيها أعمارهم.. رجال ونساء كثر إنما أسماءهم ضائعة في لجة الهتاف والشعارات واللافتات التي سدت الأفق على المواطن، ناهيك عن صراخ الجموع والحشود التي تأتي بها الكتل السمينة من الجوامع والحسينيات و(مؤتمرات) العشائر.. كتل تكرف الأصوات بالجملة وهي قادرة على الدفع.
وكما ترون من التقنية المعاصرة لصيد أصوات المواطنين لا أحد يلتفت لمن بيده الصنارة على ضفة النهر عله يصيد صوتاً أو اثنين.. أسماء بلا مساجد ولا حسينيات ولا (مؤتمرات عشائر) ولا قنوات فضائية، متلفعة بدثار الوطن لا غير.. كيف للمواطن الذي هو بأمس الحاجة لهذه الأسماء أن يتعرف عليها.
لكن والحق يقال، أن هؤلاء (أصحاب الصنارة) من النوع المعاند غير اليائس، مازال الأمل يحدوهم أن يصلوا إلى المكان الذي منه سترتفع أصواتهم باسم العراقي بغض النظر عن دينه ومذهبه وقوميته وعرقه وأصله وفصله، وماذا يريد العراقي غير الأمن والحرية وعدم العوز في بلد الثروات.. استعرض أسماءهم على ورقة أمامي وكلي رغبة أن أنتخبهم كلهم.. لكن هل هذا من حقي.. بالطبع لا.. صوتي واحد سأعطيه لواحد.
السيد عبد فيصل السهلاني: مرشح عن محافظة الناصرية ضمن قائمة (تحالف وحدة العراق)، لم يقاوم طغيان صدام حسين بالقلب بل بجسده وعقله وعائلته التي تتقاسم محافظتي بغداد والناصرية.. قاتل في الجبال ولما وجد الجبل يبعده عن نبض الشارع.. نزل إلى الشارع وخاض العمل السري لحين اعتقاله والحكم عليه بالإعدام ليخفف لاحقاً إلى المؤبد.. لتدفع عائلته الكبيرة صغيرها وكبيرها الثمن اعتقالاً ومضايقات. يوم اعتقاله بشر أحد الجلادين من الذين ألقوا القبض عليه مسئوله: ابشر سيدي صدنا عبد..!!
المفكر ضياء الشكرجي: مرشح عن محافظة بغداد ضمن نفس الكتلة (تحالف وحدة العراق)، مفكر إسلامي مرموق، كان على الدوام هاجسه العقل ولا شيء غير العقل.. العقل الذي أوصله إلى دين مبرأ من داء الطائفية والتمذهب.. كان بإمكانه أن يكون ضمن الحكومة وهو من قادة حزب الدعوة.. لكنه انقاد لعقله واجداً في الطائفية والمحاصصة الداء الذي سينخر جسد الوطن..
السيدة حذام يوسف طاهر: مرشحة عن محافظة بغداد، ضمن قائمة مثال الآلوسي (الأمة العراقية) إعلامية ناشطة في مجالات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، فتحت عينيها في بيت كان صالوناً ثقافياً لأمسيات الخميس.. استضاف أبوها الطاهر أكثر مبدعي البلد وفي مجالات الإبداع، الشعر، الرواية، النقد، الرسم، الموسيقى، الغناء. كان بيتاً مضيافاً على الطريقة العراقية إنما ليس التقليدية.. تشردت عائلتها خلال عاصفة الطغيان بين الوطن والمنفى.. وها هي ما زالت على عنادها لم تخل نشرة أو موقع الكتروني أو صحيفة من مقال لها أو قصيدة.. هاجسها العراق ولا شيء غير العراق..
السيد سبهان الملا جياد: مرشح عن محافظة صلاح الدين، هذا الرجل كذلك ليس من كتلة المعارضين قلبياً.. بل عارض وقاوم بجسده وعقله.. قاتل في الجبل هو وزوجته.. وكذلك لما وجد الجبل قد أبعده عن تكريت وريفها عاد وزوجته ليخوضا غمار العمل السري من هناك.. رشح نفسه وبضعة أصدقاء له في انتخابات المحافظات السابقة على محافظته (صلاح الدين)، ليفاجأ الجميع بحصول قائمته على أصوات تمنحه الحق في ضعف عدد أفراد قائمته. الرجل ما زال بذات الوهج القديم...
أسماء كثيرة أمامي.. وأظن أمام كل عراقي مثلها من الذين يثق بإخلاصهم ونزاهتهم وصدقهم.. لكن يبقى خوفي وخوفه من أن تُجيّر أصواتنا لصالح الكتل السمينة.. وكلنا يعلم أن السمن ليس كله صحة...!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهو ما سيحصل
البراق ( 2010 / 2 / 22 - 21:27 )
كلامك صحيح ولهذا تفننوا نواب الاسلام السياسي والعنصري في ترتيب قانون الانتخابات وكلنا تابع عملية تعديله وكيف جرت ليثبتوا نفس الخطأ الذي حدث في انتخابات مجالس المحافظات كونه يصب في المصالح الضيقة لاحزابهم ودون الاكتراث للمصلحة العامة وبناء الاسس الصحيحة للديمقراطية. ان ماذكرته من خوف مشروع على ان هذه الاصوات ستصب في رصيد احزاب الاسلام السياسي هو ما سيحصل فعلا الا ان ذلك يجب ان يزيدنا اصرارا على المشاركة الواسعة والتصويت للقوى اللبرالية والعلمانية الديمقراطية من اجل رفع القاسم الانتخابي واسقاط الطائفيين والسراق الذين سوف لن يتمكنوا من الحصول على الارقام الكبيرة


2 - لنعطي الطيبين فرصة
سوسن صالح ( 2010 / 2 / 24 - 15:54 )
احييك على اسلوبك الساخر كما عودتنا.
فرحت وانا اقرا اسم السيدة حذام..فقد اجريت معها حوار لعله ينشر قريبا..على امل ان اعمل حوارات اخرى مع مرشحات اخريات..السيدة حذام واختها السيدة احلام من النساء اللاتي من حقنا ان نفخر بهن وتستحق الوقوف بجانبه.ا

اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي