الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السلام والحرب‏

بثينة رفيع

2010 / 2 / 23
الادب والفن


منذ أن غافلتنا الطائرات برمي أثقالها القاتلة أدركنا وعينا لهذين النقيضين بواقعنا المر .. واقع لا تفصله فقط تلك المسافة العارية بلغتنا العربية ، بل ظل يحدق بأعيننا ويستبيحنا لآخر رمق لنرى أنفسنا في برهة خاطفة غرباء عن كل شيء بدءاً من بيت كان يشعرنا بسكينة دافئة .. وانتهاء بألعاب أطفالنا المتناثرة كالرماد بكل ركن فيه بعد أن تركت وحيدة أمام غول الخوف .

للحرب رائحة لازلت أذكرها .. فرائحة البرتقال القتيل حين تجتثه الجرافات عند كل اجتياح أصبحت شاهداً صامتاً لكنه دائم الحضور .. رائحة تستطيع أن تميزها عن سواها في كل مكان وزمان إذ تختلط فيها الروح بفيض مشاعرها ، وتسكنها لحظات جاوزت الحدود الفاصلة بين الموت والحياة لتبتعد بها مرغمة إلى أن توصلها لطريق داكن مجهول .. كيف تصارع كل هذا الجنون دون أن تربك حياتك وتجعلها أكثر صعوبة من رصاص وشظايا تدك نوافذ بيتك وتثقب جدرانه وقد تحيلك في لحظة لأكوام لحم أمام أعين أطفالك ، ليصبح همهم الأكبر متى ستتاح لهم فرصة مواراتك الثرى ، لحظة اختفاء الدمع وتحجر العيون ، بعد أن يثقبها الأسى ويخذلها مشهد قاتم خرج لتوه كعاصفة عمياء من سيناريو رديء عبث بمشاعرنا وأسكننا بين المقابر لنبقى قرب من نحب بعد أن سلبته منا آلة الحرب .

بين السلام والحرب لغة مثقوبة كاذبة أشبعتنا سقماً .. ومعادلة مبتورة فقدت يقينها في شارع آخر .. أمام ناظري طفل يحتضن زجاجات ماء فارغة ينتظر رحيل دبابة تحدق بظمئه .. ينفجر كل شيء ليبقيك بين السؤال وجوابه علامة استفهام قاحلة خارج مصطلحات عتيقة تصلبت كالشرايين وانسلت بين أنقاض ما تبقى من ذاكرتنا ، تجلدنا بعنف موحش ليتسابق فينا كل شيء .. الهواء ، الماء الشحيح .. حتى الشموع المطفأة وهي تصارع البقاء بليلة حصار مظلمة اشتدت فيها ريح القصف .. وقت لم نعشه .. لم يكن لنا .. لكنا لم نصنعه ، فمنذ أن أبصرت فلسطين فينا والحياة تمر على عجل بين الوداع واللقاء .. ودمع هرب من أعيننا دون أن ندري كيف انهمر .

بين السلام والحرب لا شيء سوى سقف لازال يذكر ذاك الأثر وهو يغترب وحيداً بالرمال والدماء خلف رائحة تسلبه من كل شيء سوى انعتاقها في نُدب جرحه .. تأخذه بين أوصالها لذات الطريق ولا تنحرف .. هي بوصلة يدركها كل من أروته روح هذه الأرض ليبقى بين أهدابها مطراً قادماً غادر خريفه للأبد بعد أن اغتسل بلونها مختزلاً خارطة الصراع برصاصة عبأتها أوتاد خيمة .

بين السلام والحرب وهم لم نستطع أن نعيشَهُ .. لفظته من وعينا وجوه جميلة خبأها الموت بعيداً عنا تاركاً ورود الشوق تجتر أشواك الغصة ، تشرخ عجزنا أمام انتصار الحياة بعيني طفل عاد بالماء لإخوته رغم أنف دبابة عابرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطلة فيلم -سنو وايت- تخطف الأنظار.. وكريم فهمى يقبل يدها


.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف




.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال


.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س




.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم