الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حرب جبال الزاب
بولات جان
2010 / 2 / 24اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أن أرض كردستان ليست ككل الأراضي في باقي بلدان المعمورة، و جبالها ليست ككل الجبال الشاهقة في العالم و كل شبر من هذه الأرض الجبلية التي تنادي الآلهة في علوها قد شهدت قصة و ملحمة للبطولة و العظمة، و كل صخرة من صخورها شاهد على شجاعة أهلها و استماتتهم في صون شرفهم و حريتهم، كما ان كل شجرة و كل نبتة و كل وردة من ورودها الجبلية الجميلة قد ارتوت حتى الثمالة من دم شجعان هذه الأمة الجبلية التي لم تتوانى يوماً عن تقديم دمائهم قرباناً في سبيل الحرية و لكي تبقى هذه الجبال شامخة و أبية و تبقى الورود تزهر في مواسمها و تبقى هذه الأمة رغم أنف التاريخ و رغم أنف الغزاة و المحتلين الذين انهزموا ساحبين خلفهم عار الهزيمة و انسحقوا ككل مرة و باتوا في خبر كان... و سيكون هذا مصير كل من توسوس له نفسه بالنيل من شموخ هذه الجبال فهي جبالنا و ستبقى...
عصورٌ و قرون و دهور لم تبخل هذه الجبال من ولادة الشجعان و إرواء تاريخها بدمهم و عرق كدحهم و زغاريد النسوة الفارسات... كل جبل له تاريخ حافل و لكل منها قصته و مآثره، و من جبال زاغروس إلى جبال جودي و جبال كابار و بوطان و جبال قنديل و جبال حفتانين و جبال أمانوس و جبال كارزان إلى جبال آكري إلى جبال سنبل و حكاري و سيبان و خلات و إلى أي جبل من جبالنا تتوجه تجد تحت كل صخرة قصة و في قلب كل وردة لوعة إلى الحرية و كل شجرة بلوط هرمة تروي لك المئات من القصص الملحمية و كل نهر و ينبوع و كل قطرة مطر تغني و تقرض الأشعار و تحمل الرسائل إلى السهول و الوديان و البلدان البعيدة و تحكي لهم مغامراتها في الجبل... و هذه حكاية الجبل و النهر و الملحمة... فهذه جبال الزاب و هذا نهرها زاب العظيم و حكاياتها لا تعد و لا تحصى...
منطقة جبال الزاب تسمى عموماً بهذا الاسم كناية عن اسم النهر الذي يمر فيها. و على الرغم من أن المنطقة تسمى عموماً بمنطقة جبال الزاب و هي مقسمة عسكرياً و تنظيمياً في حرب الكريلا بهذا الاسم ضمن مناطق ميديا الدفاعية، إلا أن هنالك أسماء العديد من الجبال المختلفة في منطقة جبال الزاب.
نهر الزاب ينبع من المناطق الجبلية في شمالي كردستان و خاصة من ولاية حكاري و تتوجه متعرجة نحو الجنوب حيث ترفدها في مسيرتها الجبلية الطويلة الكثير من الأنهار و النهيرات و الجداول الفرعية مثل نهر آفاشين(الزاب الصغير) و نهر جمجو(نهر اليهود) و نهر شيفي و العشرات من الانهار و الجداول الفرعية حتى تصل إلى السهول الواسعة و من ثم يسير ببطء نحو الجنوب مخترقة البرية العربية.
منطقة زاب هي المنطقة الجبلية التي تحاذي نهر الزاب في كلى الطرفين الشرقي و الغربي حيث يحدها جبال متيني(متينان) غرباً و جبال زاغروس شرقاً و جبال حكاري شمالاً و سهل ديرلوك و جبال كارا جنوباً. منطقة جبال الزاب هي من أكبر المناطق الجبلية العسكرية في مناطق ميديا الدفاعية و ذو موقع استراتيجي و عسكري مهم جداً و صلة الوصل بين مناطق الكريلا الأخرى مثل متينان و كارا و زاغروس و حفتانين و حتى المناطق الشمالية. أي أن منطقة جبال الزاب هي قلب مناطق ميديا الدفاعية و هي منطقة المقر القيادي العام للكريلا منذ القدم و حتى هذه الساعة، كما أنها منطقة تدريبية مهمة و لها أهمية من حيث الطرق و الإيصال و الإمدادات اللوجستية و الذخيرة العسكرية. هذا الموقع الاستراتيجي و المهم عسكرياً و ميدانيا ً قد دفعت الأعداء إلى التهجم عليها مراراً منذ القدم. حيث كانت هدفاً للآشوريين و الفرس و اليونان و العثمانين و الحكومة البعثية و الاتراك. فهي منطقة عبور إستراتيجية مهمة لمن يتحكم بها.
المدن و الاقضية الكردية التي تحيط بمنطقة جبال الزاب: مدينة آميدية(العمادية) في الطرف الجنوب الغربي، مدن ديرلوك و سيريا و شيلاديزي في الجنوب، نهر آفاشين و منطقة بارزان و جبل شيرين في الشرق، و أخيراً مدينة جلي(جقورجا) و جولمرك و كاني ماسي في الشمال. هنالك العشرات من القرى المتناثرة في منطقة جبال الزاب و قد تم تهجير أهلها الأكراد و بعض القرى الآشورية في أيام الحرب البعثية ضد الثورة الكردية في الجنوب.
منطقة جبال الزاب غنية جدا ًمن حيث الثروة المائية حيث لا يخلو مكان من جدول أو نبع أو نهر أو نهير مائي غني، و كما أنها غنية من حيث الغطاء النباتي و الغابات الكثيفة. فهي غنية بغابات السنديان و البلوط البري و أشجار الجوز و اللوز و الدلب و الرمان و كروم العنب...الخ.
كما قلت بأن هنالك الكثير من الجبال و القمم في هذه المنطقة و من أشهر هذه القمم و الجبال هي: (كوري جارو)، (قمة شورش)، (قمة كاركر)، (قمة شكفتا بريندارا)، (جياي ره ش)، (قمة جهنم)، (كلي زاب)، (قمة كوكلي)، (قمة جودي)، (قمة بُهار)، (قمة مازي) و العشرات من القمم الأخرى. و في هذه الجبال هنالك الآلاف من الكهوف و المغارات الطبيعية أو التي صنعتها الأيدي البشرية التي تعود إلى الدهور الغابرة أو التي قامت قوات الكريلا بحفرها في بطن الجبال للاحتماء من الغارات الجوية. الكثير من التسميات القديمة للجبال و القمم و الوديان قد تغيرت لأسباب عدة و باتت تحمل أسماء جديدة أطلقها عليها الكريلا كناية عن حوادث مهمة قد شهدها المنطقة أو استشهاد أحد الرفاق أو حدوث معركة مهمة فيها، و قد باتت هذه الأسماء شبه أصلية و حتى القرويين و الأهالي باتوا يستخدمون الأسماء الجديدة.
الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمنطقة جبال الزاب قد أولاها أهمية سياسية و وطنية و ثورية. و كانت مقراً مهماً من المقرات القيادية للحرب الثورية ضد الدولة التركية و كذلك مكاناً استراتيجياً لمعسكرات التدريب و التحضير للحملات الثورية و التدريبات الإيديولوجية و قيادة جيش الكريلا. و كما احتضنت الكثير من المؤسسات الوطنية و القومية الكردستانية و كان أهمها مقر البرلمان الوطني الكردستاني. حيث حضر هذا البرلمان الكثير من الساسة و القياديين الكردستانيين من كافة أجزاء كردستان و من الخارج. ما يزال مقر البرلمان قائماً حتى الآن ضمن مغارة كبيرة جداً على شاطئ نهر الزاب بالقرب من قرية (زيوى). كان هذا البرلمان هو البذرة و النواة الأولى للبرلمان الكردستاني و المؤتمر الوطني الكردستاني الذي أسس فيما بعد. استقطبت جبال زاب و التطورات الوطنية المنبثقة من هذه الرقعة الجبلية الحيوية أنظار الإعلام الوطني و الدولي، حيث زارها العشرات من كبرى الوكالات العالمية و أعداد لا يحصى من الإعلاميين و الكتاب و الساسة و الباحثين. كل هذا دفعت الكثيرين إلى تسمية المنطقة باسم(جمهورية الزاب). ربما كانت هذه التسمية مضخمة و مبالغة بها و لكنها وجدت صدى كبير في الأوساط الإعلامية و السياسية والدولية.
كل ذلك دفع بالأتراك إلى استهداف هذه المنطقة دون سواها. و للقيام بذلك و غزو المنطقة فقد شنوا العديد من الحملات العسكرية الكبيرة جداً في تاريخ الجيش التركي على مناطق الكريلا في جنوبي كردستان. قام الجيش التركي بشن أكثر من 25 حملة كبيرة على جنوب كردستان، و كان من أكبر هذه الحملات هي حملة الفولاذ(جليك أوبرسيون)سنة 1995، و حملة (الشفق) سنة 1996، و حملة المطرقة(باليوس) سنة 1997 و أخيراً حملة الشمس(غونيش) سنة 2008. بعض هذه الحملات قد استمرت عدة أشهر دون توقف و منها ما استمرت لأسبوعين. و كان أطولها من حيث الزمن حملة الفولاذ(1995).
ما عدا الحملة الأخيرة سنة 2008، فقد شاركت القوات الجنوبية المتحالفة مع العدو التركي في كافة الحملات الأخرى و خاصة في حملة 1995 و 1997، فقد لعبت القوات الجنوبية و خاصة بيشمركة البارزاني دوراً سيئاً جداً في طعن الثورة الكردستانية و التحالف مع العدو ضد الكريلا. كما أن الجيش التركي قد وضع كل ثقله العسكري و السياسي و اللوجيستي بهذه الحملات لأجل القضاء نهائياً على هذه المناطق و إخراج الكريلا منها نهائياً. شاركت القوات البرية بكافة فروعها و تقسيماتها في هذه الحملات، بالإضافة إلى القوات الجوية و المرتزقة الكرد و البيشمركة و حتى القوات البحرية التركية قد شاركت في هذه الحملات على الرغم من عدم وجود أية بحار في كردستان. بالإضافة إلى الجيش التركي فقد شارك الطيارين الإسرائيليين في هذه الحملات بشكلٍ فعلي، كما تم استخدم التقنية الحربية الأمريكية و الأوروبية.
على الرغم من ضراوة هذه الحملات و وحشيتها إلا أنها جميعاً كانت تفشل في القضاء على الكريلا و إبادتها و إنهاء تواجدها في جنوبي كردستان و خاصة في مناطق جبال الزاب. كل فشل كان يمنى بها الجيش التركي في الجنوب، و خاصة في الزاب كانت تخلق معها أزمات سياسية كبيرة جداً في تركيا و تتسبب في سقوط الحكومات و اشتداد حدة الصراع بين المؤسسات و الأحزاب و السلطة. من الجانب الآخر، كانت تدفع دفعة قوية للثورة الكردستانية لتدعيم تواجدها في هذه المناطق و تضخم التأييد الشعبي و الجماهيري الكردستاني لها و اكتساب الطاقة لخطو خطوات أكبر على طريق الثورة الوطنية التحررية. كما أن الجانب التركي قد مني بخسائر عسكرية و من أهمها إسقاط الكريلا للعديد من المروحيات التركية التي كانت تقل كبار القادة و الجنرالات الأتراك ناهيك عن الخسائر الكبيرة في العتاد و الأرواح.
الحرب الأخيرة و مقاومة الزاب البطولية
بعد سنة 2000 لم يقم الجيش التركي بحملات مهمة ضد مناطق جبال الزاب أو جنوب كردستان، بل كانت تكتفي بشن الغارات الجوية و القيام بالقصف المدفعي و نصب الكمائن في المناطق الحدودية أو قيام بعض السرايا المتواجدة أصلاً في جنوب كردستان ببعض الهجمات الصغيرة. لكن في النصف الثاني من سنة 2005 بدأ الجانب التركي حكومةً و جيشاً و معارضة بالحديث عن إمكانية شن حملة عسكرية خارج الحدود ضد مناطق ميديا الدفاعية. و بدأت الحكومة التركية بحملة دبلوماسية بين واشنطون و العراق و الدول الأخرى لكسب دعمها في شد الخناق على الثورة الكردستانية و إنهاء تواجدها في مناطق ميديا الدفاعية و خاصة في جبال الزاب و قنديل.
تحالفت الحكومة التركية مع المعارضة في دعم أي حملة أو حرب يشنها الجيش ضد الثورة الكردستانية. و الجيش بدوره قام بتكثيف تحشيداته العسكرية في المناطق الحدودية في كل من ولاية شرناخ و حكاري و مناطق مثل جزيرة و سلوبي و شمذينان و جقورجا...الخ. و كذلك فقد استطاعت الحكومة التركية كسب الدعم الغربي و الأمريكي و العراقي و السوري و الإيراني في حال قيامها بحرب كبيرة ضد الثورة الكردستانية و قيامها لحملة خارج الحدود.
مع بداية ربيع 2007 زاد الجيش التركي من حملاته العسكرية الهادفة إلى الإبادة الكلية ضد قوات الكريلا في الشمال و كذلك كثفت من تحشداتها العسكرية على الحدود و بدأت بقصفٍ مدفعي يومي ضد مناطق ميديا الدفاعية و خاصة ضد جبال زاغروس و جبال حفتانين و جبال الزاب. و قد تزامن الجيش الإيراني في قصفٍ مماثل ضد جبال (قنديل و خنيرة و كلا ره ش). القصف المدفعي قد أضر كثيراً بالمناطق المدنية و القرى الحدودية و الرعاة الكرد و المزارع؛ ناهيك عن تسببها في اندلاع النيران في الغابات و انتشار القنابل العنقودية على الطرق و الدروب و المزارع.
كما هو معلوم بأن الساحة الجوية العراقية تحت رقابة أمريكية و غير مسموحٌ لأية قوة جوية خرقها الحدود الجوية للعراق و خاصة لجنوبي كردستان. كذلك فأن أية حملة عسكرية برية خارج الحدود تتطلب موافقة أمريكية بالدرجة الأولى بالإضافة إلى تأييد شكلي للحكومة المركزية العراقية و ضمان صمت حكومة إقليم كردستان. الحكومة و الدبلوماسية التركية التي كانت قد كثفت من اجتماعاتها مع الأطراف المعنية تم تتويجها بلقاء بين أردوغان و جورج بوش بتاريخ 5 تشرين الأول سنة 2007 و الاتفاق الذي جرى بينهما في ضرورة القضاء على الحزب و السماح للأتراك بالغارات الجوية و قيام الأمريكان بدعم الأتراك بالمعلومات الإستخبارية و الكشوفات الجاسوسية الجوية.
و عقب اجتماع اردوغان مع بوش بدأت الطائرات الأمريكية التجسسية بالتحليق فوق مناطق ميديا الدفاعية و نقل المعلومات إلى الجانب التركي. و لم تمضي أسابيع حتى قامت أكثر من أربعين طائرة تركية مقاتلة بغارات جوية كثيفة ضد كافة مناطق ميديا الدفاعية في ليلة واحدة، و أعقبتها العشرات من الغارات الجوية الأخرى التي أضرت كثيرا بالقرى و المناطق الآهلة الأخرى بالإضافة إلى الجسور و الطرق و لم تفلت المدارس و المساجد و المواشي من هذه الغارات الجوية. و في الوقت نفسه لم يتوقف القصف المدفعي في أي يوم. كما واكبها حملات إعلامية و دعائية و حرب نفسية موجهة من قِبل الإعلام التركي ضد الحركة الكردستانية و قوات الكريلا. الأتراك جيشاً و إعلاماً و سلطة و معارضة و اقتصاداً، قد تحالفوا و جلسوا في خندق واحد و شنوا حرب شاملة و من كافة الجبهات النفسية و الاقتصادية و الدبلوماسية و العسكرية ضد الكريلا. حتى أن المجتمع التركي كان قد صدق الدعايات التركية و الكل كانوا قد صدقوا بأنهم قد قصموا ظهر الكريلا بهذه الغارات الجوية و طائرات الاستطلاع الأمريكية كانت تنقل لهم استخبارات مفادها " لم يبقى فرد من الكريلا في المنطقة"! و كان الاتراك يعتقدون بأنهم و من خلال حملة برية على منطقة جبال الزاب كفيلة بأن يحققوا النصر النهائي و يعلنوا للعالم نهاية الثورة و القضاء على الكريلا إلى الأبد.
طوال الشهرين الأخيرين و الشهرين الأولين من عام 2007 و عام 2008، لم يمر يوم دون قيام الطائرات التركية بشن الغارات الجوية على مناطق ميديا الدفاعية.
من جانب الكريلا فأن كافة التدابير و الاحتياطات كانت قد اتخذت منذ فترة طويلة و تم توزيع القوات و تمركزها بما يفشل الغارات الجوية و القصف المدفعي و يشل من تأثيرها إلى أقصى حد. هنالك الكثير من التدابير التي اتخذتها قوات الكريلا و العديد من الخطط و التكتيكات التي طبقتها في خداع طائرات الاستطلاع الجاسوسية و توجيه الطائرات المقاتلة إلى أهداف وهمية فارغة. كما تم إفراغ كافة النقاط المعروفة و الانتقال إلى نقاط و مواقع سرية للغاية و ترك الوديان الضيقة و الاستحكام في القمم العالية، بالإضافة إلى التعسكر في الكهوف الكبيرة و المغارات الطبيعية أو الاصطناعية الكفيلة بالحماية ضد الصواريخ و القذائف. هذا بالإضافة إلى ارتكاز الأسلحة الجديدة في المناطق الحيوية و سد الثغرات و نصب الكمائن طويلة الأمد و التعسكر وفق ذلك. و من التدابير المهمة جداً هو عدم استخدام أية آلة أو تقنية خاصة بالاتصال أو التي تبعث الموجات مثل اللاسلكي و التلفون، و الهوائيات...الخ. السرية الكبيرة في التحرك و الانتقال كانت من أهم الخطط الطبيعية التي طبقتها قوات الكريلا في التمويه و خداع الاستطلاعات التقنية و البشرية.
بداية الحملة
الكل كانوا ينتظرون بدأ الجيش التركي بهذه الحملة، و كانت النقاط و الأماكن التي سيأتي منها غير خافية على أحد و كذلك كان معروفاً النقاط الإستراتيجية التي سيحاولون السيطرة عليها أولاً؛ لكن قدومهم في منتصف شهر شباط كان مستبعداً بسبب الطقس و الثلوج الكثيفة التي تحجز تلك المناطق. لكن الغارات الجوية الكثيفة و القصف المدفعي الكثيف الذي قام به الجيش التركي طوال يوم العشرين من شباط قد كانت علامة مؤكدة على بدء الحملة البرية.
في الصباح الباكر من يوم 21 شباط شن الجيش التركي هجوماً على جبل (جياي ره ش) في محاولة منه السيطرة على جبل(قمة جهنم) و التمركز فيها كنقطة انطلاقة أولية، كون هذا الجبل محاذي للحدود و قريب جداً من معسكرات الجيش التركي و هو بداية سلسلة جبال(شكفتا برينداران). حدث الصدام الأول في ساعات الفجر و استمر حتى ساعات متأخرة من الليل لم يستطيع فيها الجيش التركي خطو خطوة واحدة إلى الأمام، بل ظل في مكانه بعد أن قُتل أكثر من ثلاثين جندياً من جنوده بما فيهم ضباط كبار، و لم يتمكنوا من إخراج جثث قتلاهم من منطقة المعركة إلا بعد يومين بدعم من المروحيات و الطائرات الحربية. فالجبهة التي فتحها الجيش التركي في جبل (جياي ره ش) قد فشلت في اليوم الأول و تلقت ضربات أليمة.
اليوم الثاني: كان الهدف الرئيسي للجيش التركي هو السيطرة على الموقع الاستراتيجي في (شكفتا برينداران) و من ثم السيطرة على منطقة الزاب كلياً؛ لأجل ذلك حاول الجيش التركي فتح عدة جبهات و أجنحة حول (شكفتا برينداران) و هذا دفعهم إلى الإنطلاق نحو نهر (جمجو) و قمة(كاركر) كجبهة رئيسية في شرقي و شمالي (شكفتا برينداران). فبعد أن فشلوا في جبهة (جياي ره ش) وضعوا كل ثقلهم على هذه الجبهة الجديدة و حاولوا الالتفاف حول الجبل و السيطرة على المناطق المحيطة و شق الجبهة إلى شقين.
بتاريخ 23 شباط و منذ ساعات الفجر اندلع اشتباك كبير بين وحدة صغيرة من الكريلا و جناح مهاجم للجيش التركي. استمر الصدام حتى ساعات المساء و لم يتمكن الجيش التركي من السيطرة على قمة(مازي) و السيطرة من خلالها على جبل (كاركر) الاستراتيجي. كانت أعداد القوات الغازية كبيرة جداً بالإضافة إلى مشاركة أربعة مروحيات مقاتلة من طراز (كوبرا) في الاشتباك لأجل خرق صف الكريلا. كل محاولات الجيش التركي قد تحطمت على صخرة إرادة قوات الكريلا و مقاومتهم البطولية، و قد أسقطت هذه الوحدة إحدى المروحيات التركية على رؤوس الجنود الأتراك. إسقاط الطائرة قد أثرت كثيراً على معنويات الجنود الاتراك، كما أن عدد القتلى قد هدمت الروح الهجومية فيهم. استمر الصدام حتى الساعة التاسعة ليلاً، حيث قام وحدة من الكريلا بشن عملية هجومية مضادة ضد الجيش التركي و التي استمرت حوال ساعة واحدة، استشهد فيها رفيقين من الكريلا و مقتل أكثر من خمسة عشر من الجنود و المرتزقة و السيطرة على العديد من الأسلحة و المناظير و الذخائر الحربية. على أثرها أنسحب هذا الجناح للجيش من القمة دون أن يحقق أي من أهدافه بعد أن تكبد بخسائر فادحة و على رأسها سقوط المروحية التي تسببت في دب الذعر في المروحيات الأخرى التي لم تتجرأ على الاقتراب من تلك المنطقة بعد ذلك.
جناح جبل (شكفتا برينداران)
شكفتا برينداران: جبل عال جداً و يعتبر جدار حماية لمنطقة جبال الزاب قاطبة. و هو يقع في مركز استراتيجي مهم للغاية و كان هدفاً دائماً لكل الحملات التركية على المنطقة. هذه المرة كانت هذه القمة و هذا الجبل قد تحول إلى جبل(الموت) بالنسبة إلى الجيش التركي الذي اصطدم بهذا الجبل الشامخ و إرادة الكريلا الفولاذية كما هذا الجبل.
حاول الجيش التركي السيطرة على هذه القمة الإستراتيجية و فصلها عن سلسلة جبل كاركر. حيث شن الآلاف من الجنود الأتراك و المروحيات و الطائرات الحربية و بدعم من المدفعية هجوماً على هذا الجبل. و حدث صدام لم يكن في الحسبان، حيث أنغرس الجيش التركي في الثلج، و قوات الكريلا لم تسمح له بالخروج من الدائرة التي تحولت إلى دائرة للموت. فوق كل ذلك حاربت السماء أيضاً هذا الجيش المعتدي و هطلت الثلوج دون توقف و تحولت المنطقة إلى بحر من الضباب الكثيف. شن قوات الكريلا هجمات نهارية مباغتة على الجيش التركي مستفيدةً من الضباب و تساقط الثلج. و في هذه الموقعة أيضاً تلقى الجيش التركي ضربات موجعة و تكبد بخسائر هائلة في الأرواح و لم يتمكن من خطو أية خطوة إلى الأمام و لم يجد ثغرة للانسحاب و بات تحت رحمة الثلج و فوهات بنادق الكريلا.
قوات زاغروس تطبق الكماشة على العدو
كان الجيش التركي قد بقي بين جبهتي جبال الزاب و جبال زاغروس. ففي حين كان كل همه ينصب في السيطرة على جبال الزاب، شنت قوات الكريلا من جبال زاغروس عمليات و ضربات قاصمة من الخلف و بات العدو التركي بين فكي كماشة من الشمال و الجنوب و الشرق. جبهة زاغروس قد قامت بعدة عمليات ضد الجيش التركي و حققت عدة انتصارات و قد استبسل قوات الكريلا فيها و خنقوا الجيش التركي في وادي عميق بين جبال الزاب و زاغروس. لم يبقى أمام الجيش التركي إلا الفرار و لكن أي فرار؟
لم يبقى فرصة للفرار
في اليوم 25 شباط أدرك الجيش التركي نهاية هذه الحملة و تأكد بأنه منُي بفشل و هزيمة منكرة و عليه أن يسحب قواته في أسرع وقت كونهم قد تحولوا إلى لقمة صائغة بين فكي الكريلا و تحت رحمة ثلوج جبال كردستان الوعرة و التي لا تحبذ الغزاة و القذارة... لكن الجيش التركي لم يجد فرصة للانسحاب بسبب العمليات الهجومية اليومية و طوال الساعة التي يشنها قوات الكريلا عليهم. لم يتمكن الجيش التركي من الانسحاب إلا بعد أربعة أيام، أي في التاسع و العشرين من شهر شباط. و قد أعتبر هيئة الاركان التركية هذا الانسحاب بمثابة نصر عظيم لهم، حيث اعتبروا الفرار بجلودهم نصراً لهم، دون أن يحققوا أية أهداف كانوا قد أتوا لأجلها.
الهزيمة المنكرة التي مني بها الجيش التركي خلقت أزمة عميقة في الجيش و الحكومة و المعارضة و الإعلام و بات كل طرف من حلف الأبليس يتهجم على الطرف الآخر و ينعته بالفاشل و المنهزم، و الإعلام التركي الذي كان يطبّل و يزمّر للجيش التركي و ينشر أخبارهم الكاذبة حول الانتصارات قد أنصعق تماماً بعد فرار الجيش دون أن يحقق أي من أهدافه و لم يعد بعلم هذا الإعلام المتعسكر كيف يموه على أكاذيبه و أخباره الملفقة و أكاذيبه على الرأي العام.
نشوة الانتصار
عاش الكريلا و الشعب الكردستاني في كافة الأجزاء نشوة الانتصار و تحول النصر إلى كرنفال قومي و باتت مقاومة زاب أغنية على كل الشفاه و لم يبقى أمام أحد حتى الحاقدين إلا الانحناء إجلالاً لهذه المقاومة التي أثبتت الشرف الكردي و عظمة ثوراها و استعدادهم لبذل كل غالٍ و نفيس لأجل الحرية و الصمود. و قد ألقى النصر في مقاومة زاب بنورها على احتفالات نوروز و على الانتخابات التي أعقبتها و على تضخم عدد الملتحقين بالكريلا و كذلك فقد زادت شعبية الكريلا و الحركة الآبوجية بين الجماهير الكردستانية و خاصة في الجنوب. و أنعكس الانتصار الذي حققه الكريلا مكانة واسعة في الصحافة و الإعلام العالمي. كما أنه أفرغ كذلك كل النوايا و المخططات المبنية على أسس القضاء على قوات الكريلا و كسر إرادة الحزب و استعباد الإرادة الكردية نهائياً. الكثير من الأطراف و الجهات الدولية و الإقليمية و حتى الكردية راحت تراجع حساباتها مجدداً و بدأت بقراءة جديدة للرقم الصعب و المؤثر الذي يلعبه حزب العمال الكردستاني و قوات الكريلا على الساحة الوطنية و الإقليمية. حيث رأينا على أرض الواقع تغيير الكثير من الجهات للغتها و شكل تقربها من الحركة و الكريلا.
من جهة أخرى حقنت مقاومة الزاب البطولية روح الاندفاع و الثقة في قلب الجماهير الشعبية و كذلك الساسة الكرد و خاصة في الشمال و كذلك دفعت الشبيبة الكردستانية من رفع وتيرة نضاله و كفاحه الديمقراطي المشروع.
كما أن الانتصار و المقاومة و النتائج العسكرية و التنظيمية التي ظهرت في مقاومة الزاب قد انعكست مباشرة على الأرضية التنظيمية و العملياتية ضمن الحزب و بين صفوف الحركة و باتت دافعاً قوياً للكثير من الوحدات المتواجدة في المناطق الأخرى إلى القيام بالعديد من العمليات النوعية و كان أهمها عملية (بي زلى) و عملية (ديرسيم) و عملية (أمانوس) و عدة عمليات أخرى تمكنت من توجيه التطورات السياسية عامة نحو القاعدة التالية: " لن يكون بمقدرة أية قوة القضاء على الكريلا عسكرياً". حيث جاءت دعوات الحل السلمي و الديمقراطي إثر هذه المقاومات التي كانت مقاومة الزاب قمتها.
كل من شارك في هذه المقاومات كانوا من الشبيبة الكردية و لم يكن أحد منهم خريج للكليات الحربية أو الأكاديميات العسكرية الرسمية للدول، بل كانوا شباباً و شابات آمنوا حتى النخاع بالقضية و آثروا النضال و الحياة الثورية على قمم الجبال على أي حياةٍ أخرى و أدركوا جيداً بأن درب الحرية يسير من خلال النضال و بأن القوة الديناميكية للنضال في أية أمة من الأمم هم الشبيبة. فالشبيبة في كردستان كانت و لا تزال القوة الفعّالة في تطوير الثورة و إبداء المقاومة المطلوبة لأجل بناء مجتمع ديمقراطي و وطني متحرر. شهداء الثورة التحررية كانوا في غالبيتهم العظمى من خيرة الشباب و الشابات الكرد، و كذلك الأمر بالنسبة إلى المقاومين و الأبطال الذين استبسلوا في معارك مقاومة الزاب كانوا من الشبيبة و الذين دونوا هذه الملحمة بدمائهم كانوا أيضاً من الشبيبة. الرفيق طوفان و عكيد و أردال و زندان و الآخرين كانوا شباباً في ربيع عمرهم و لكنهم أهدوا أرواحهم الطاهرة في سبيل الحرية و النصر إلى مذبح الحرية و الكرامة، و دمائهم التي رسمت لوحة البطولة في جبال الزاب تنادينا بأن نكون أوفياء لهم و أن نسير على دربهم الشريف...
ذروة الشرف هو أن تكون مدافعاً عن شرف و كرامة أمتك... ذروة الشرف أن تحارب العدو الذي يسعى إلى إبادة أمتك... ذروة الشرف هو أن تضحي بالغالي و النفيس لأجل صون حرية و هوية أمتك... فطوبى لمن يحمل كل هذه المعاني السامية للشرف...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - hhhhhhhhhhh
youssef
(
2012 / 4 / 23 - 14:53
)
hhhhhhhhhhhhhhhhhhhh
.. الضاحية الجنوبية لبيروت تفتح أبوابها أمام الإعلام الدولي.. ل
.. غارة إسرائيلية على مقر هيئة صحية بمبنى سكني في بيروت يوقع 7
.. الولايات المتحدة.. فيضانات تغمر مناطق سكنية • فرانس 24 / FRA
.. الرد الإسرائيلي على إيران: هل يفتح نتنياهو أبواب حرب إقليمية
.. حزب الله يستهدف تجمعات لجنود الجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل و