الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية بلا ثمن

محمد شرينة

2010 / 2 / 24
ملف مفتوح -8 مارس 2010 - المساواة الدستورية و القانونية الكاملة للمرأة مع الرجل


معظم النقاش الدائر حول حرية المرأة في العالم العربي يتم بطريقة إيديولوجية وليس بشكل واقعي عملي أو مادي مما يجعل الأمر عصي على الحل. بتقديري مسألة تحرير المرأة في مجتمعاتنا أو معظمها على الأقل تجاوزت المرحلة الثقافية منذ زمن وتصطدم بالعائق المادي: أعني القدرة على دفع ثمن التغيير، فمن الوهم التفكير بالحصول على المزايا دون القدرة على دفع ثمن هذه المزايا.
نساء الطبقة الوسطى التي كانت لا تزال موجودة حتى وقت قريب في دمشق مثلا، كن(والكثير منهن مازلن) يتمتعن بامتيازات كبيرة. لنكن واقعيين فأنا لا أنفي أبدا الظلم الواقع على شريحة كبيرة من النساء في مجتمعنا ولكن هذه ليس قاعدة مطلقة الصحة فمن الوسط الذي نشأت فيه في دمشق لا أعرف أي رجل متزوج بأكثر من امرأة واحدة وهذه المرأة في الطبقة الوسطى الدمشقية ليس فقط تشارك في قرارات الأسرة بل هي المتخذ الفعلي لتلك القرارات. بدءا من الطعام اليومي وانتهاء بتحديد من يكون زوج ابنتها ومن تكون زوجة ابنها. وهذا لا ينحصر فقط في دمشق بل هو الوضع في معظم المدن العربية. في مثل هذه المجتمعات حتى وقت قريب كانت الأمور تتم على الشكل التالي:
بعيد الزواج تندلع المشاكل بين العروسين وفي أقل من عشر الحالات تقريبا يقع الطلاق. في نحو خمس الحالات تستمر المشاكل مدى الحياة. يبقى لدينا سبعين بالمائة من الحالات التي يتم فيها التوصل إلى استقرار في العائلة عن طريق تقسيم الأدوار بين الطرفين وفي الأغلبية الساحقة(أتحدث عن الطبقة الوسطى الدمشقية حتى وقت قريب) يصبح الرجل مسئولا عن تأمين متطلبات الأسرة والمرأة عن إدارة شؤون الأسرة، لأن طلب الرزق لا يترك للرجل وقتا لذلك. وبالتالي تصبح المرأة المقرر الرئيسي وان كانت بذكاء تتخذ قراراتها باسم رجلها. أفضل مثال هو ما نسميه في دمشق(فصل النقد) أي تحديد المهر عند تزويج البنات والأولاد فبعد أن تتفق النساء على كل شيء يقوم الرجال باعتماد ذلك بشكل برتوكولي . بعض النساء يشاورن أزواجهن ومعظمهن يفعلن ذلك بطريقة شكلية. الرجال في تلك الاجتماعات البروتوكولية يقولون مازحين أنهم فقط يعتمدون ما سبق واتفقت عليه النساء.
الذي يحصل أن النساء اللواتي نشأن في مثل تلك الأسر لديهن هدف هو أن يفعلن في الحاضر ما فعلته أماتهن في الماضي متجاهلات أن الزمن قد تغير بشكل كبير، حصل تغير كبير ماديا وثقافيا، فالوفرة لم تعد كما كانت بالنسبة لأبناء المدن العربية في سبعينيات القرن الماضي، كما أن متطلبات الحياة ازدادت علاوة على أن تفكير الناس قد تغير كثيرا فما كان يحقق الرضا للرجل والمرأة في ذلك الزمان لم يعد يفعل. لكنهن مازلن يحصرن تفكيرهن في الحصول على أزواج منضبطين ، لديهم دخل معقول. في العائلة التي أتحدث عنها بينما يقوم الرجل بتوفير دخل الأسرة المرأة هي التي تحدد كيفية إنفاقه. المرأة في تلك العائلات التي لا يستطيع أي منصف أن ينكر وجودها، ملكة غير متوجة.
رغم أنه حتى في الماضي لم تكن كل الأسر كذلك وان كانت نسبة كبيرة من الأسر في المدن هي كذلك ورغم أن ذلك الوضع قد تغير إلى غير رجعة فان أحد مشاكل طرق التفكير لدينا هو تخليد الماضي فما أن نمر بفترة جيدة أو حتى تبدو لنا كذلك حتى ننسى الحاضر والمستقبل ونستنفذ جهودنا كلها في محاولة مستحيلة للعودة إلى ذلك الماضي الجميل أو الذي تصورنا أنه جميل.
أستطيع بسهولة أن ألاحظ أن النساء وخاصة الأكثر تأثيرا في مجتمعاتنا، نساء الطبقة الوسطى المتعلمات هن أكثر من يقاوم تحرير المرأة. طبعا الرجال يفعلون ذلك أيضا ولكن لا يجب تجاهل دور النساء. هؤلاء النساء يتطلعن للحصول على رجل بالمواصفات السابقة مرة واحدة والى الأبد. في مجتمع تسوده علاقات أكثر تحررا من مجتمعنا يصعب جدا الحديث عن علاقة إلى الأبد. لكل شيء ثمن.
الآن المشكلة تصبح واضحة. اسمحوا لي أن أقول بصراحة رغم إدانتنا الواسعة لجرائم الشرف وفرض الأزواج على النساء والتدخل في حياتهن الشخصية، إلا أنني في دائرتي الضيقة لم يحدث أن صادفت شيئا مما سبق وان كنت لا أنفي حدوثه. لا أعرف مباشرة أي امرأة قتلت بسبب علاقاتها ولا امرأة فرض عليها زوجها فرضا، إلا إذا كان المقصود بالفرض الضغط الأدبي الذي يمارسه الأهل لإقناع المرأة بزوج هي مترددة نحوه، هذا يحصل مع الأبناء والبنات، ولكن ليس هناك إكراه فعلي. فالنساء اللاتي أتحدث عنهن لديهن كامل القدرة على الرفض. قد يعاب علي هنا أنني أتحدث عن جزء من المجتمع ولكن هذا لجزء يشكل نسبة كبيرة يصعب علي تقديرها وان كانت لا تقل عن نصف المجتمع كما أنه هو الجزء الأكثر تأثيرا وإذا تحرر هذا الجزء سيتحرر باقي المجتمع تلقائيا.
إذا لنضع المشكلة بشكل عملي لا بشكل أيديولوجي فتحويل قضايانا إلى الشكل الأيديولوجي هو الذي يجعلها مستعصية على الحل. بدأ من قضية فلسطين التي حولناها إلى صراع إسلامي - يهومسيحي لنجعل حلها مستحيلا. القضية ببساطة هو أن تحرير المرأة الذي هو تحرير للمرأة والرجل في العمق يحقق مكاسب للطرفين كما يترتب عليه أثمان ونحن كالعادة نريد المكسب ونرفض دفع الثمن. منذ نحو ربع قرن سمعت الحادثة التالية من أحد الرجال الذين أعتبرهم عقلاء:
كانت ابنته على وشك الزواج من رجل يعتبره سيئا وعندما أصرت على موقفها وقالت له؛ هذه حياتي وأنا حرة بها، قال لها:هذا صحيح ولكن أخشى أنك عندما ستختلفين معه في المستقبل ستلجئين إلي لحل المشكلة، مما يعني أنك ستتخذين قرارك منفردة وأتحمل أنا نتائجه. اختلفت مع زوجها وحصل طلاق بعد أن كان هناك أطفال وأباها صار مضطرا لتحمل معظم تبعات قرارها. في العالم المتقدم لا يتحمل الأهل تبعات قرارات أولادهم ولا بناتهم وبالتالي لا يتدخلون في قراراتهم وهذا هو الوضع السليم. في مجتمعاتنا قديما كان الأهل هم من يتخذ القرارات لأولادهم وبالتالي يتحملون تبعات ما قرروه. مجتمعنا الذي يعرج منذ أكثر من نصف قرن كالحجلة التي نسيت مشية الحجل ولم تتعلم مشية الطاووس، يريد الأولاد والبنات فيه أن يتخذوا قراراتهم بكامل الحرية وفي نفس الوقت أن يتحمل أهلهم كامل التبعات عن هذه القرارات وهذا يبدو لي أنه غير عادل! فهل يبدو لكم عادل؟
أنا هنا مطلقا لا أريد أن تلجأ البنات إلى أهلهن ليقرروا عنهن ولكن أنبه إلى أنهن يجب أن يتحملن نتائج ما يقررنه وإلا عن أي حرية نتحدث؟ فهل هذا متوفر لهن؟ أعني هل إذا كن راغبات وقادرات على تحمل نتائج قراراتهن؛ فهل سيسمح لهن باتخاذ تلك القرارات؟ الجواب ليس تماما. فهذه حلقة يجب كسرها ولكن كسرها مستعصي حتى الآن للسبب السابق وهو أن كل من الطرفين يريد مزايا الحرية وهو غير مستعد لدفع ثمنها. كسر هذه الحلقة بتقديري أسهل بكثير مما نتصور إذا كنا ومن الجنسين قادرين على تحمل طرفي المعادلة، مكاسبها وتبعاتها.
شبابنا الذكور يملئون الدنيا بالحديث عن حرية العلاقات مع الجنس الآخر في الوقت الذي هم عاجزين تماما عن التحرر من عقدهم حيث هم يبحثون عن خليلات وعندما يأتي الأمر إلى الارتباط الطويل يبحثون عن فتاة كما نقول بالشامي(ما باس تمها غير امها). هذا تناقض ومجرد وهم. كما الصبايا عندنا يردن حرية اتخاذ قراراتهن المصيرية في الوقت الذي يتشبثن بأن أهلهن مسئولين عن حمايتهن بشكل كامل. من عاش في الغرب يعرف مقدار المعاناة التي تتحملها المرأة هناك من أجل حريتها وكذلك الرجل. وهذا شيء صحي للغاية فالوجود الحقيقي في هذا العالم هو تحمل للمسؤولية وليس اتكال على الآخرين. الذي يمنعنا من تحقيق كل آمالنا نحن العرب هو تناقض مصيري لا نزال عاجزين عن التعامل معه؛ نريد تحقيق المكاسب دون دفع الأثمان وهذا ببساطة مستحيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتراض
علي ( 2010 / 2 / 24 - 16:16 )
ياسيد محمد لا لا لا ليس المشكلة كما تتحدث عنها ولا يمتنع البنات ولا الأولاد عن دفع الثمن والأهل يتحملون المسؤلية مكرهين سواء إختار أبنائهم أم لم يختاروا ، هذا طبعا في البلاد العربية ، وهذه الإشكالات سببها أنظمة حكم معززة بثقافة دينية آسرة عن الجنس والشرف ، فكي تتحمل المرأة نتائج قرارها في الزواج حال تترتب تلك النتائج فإن ذلك يفترض توافر فرصة الحصول على مسكن وعلى عمل وهذا عسير في الدول العربية بسبب الأنظمة ، وحتى يتمكن الأهل من ترك أبنائهم يتحملون نتائج إختيارات أبنائهم بأنفسهم وخاصة البنات فهذا يحتاج الى ثقافة أخرى عن الجنس والشرف غير الثقافة الدينية والتي لولا قانون العقوبات الوضعي الغربي الأصل لكانت جرائم الشرف عادة مألوفة

اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج